الاهتداء أكبَر من مسألة المعرفة
هنادي محمد
الكثيرُ من أبناء الإسْـلَام يعتقدون أن معرفتهم لبعض العلوم كأصول الفقه والحديث وما إلى ذلك، هي الطريق الأولُ والأخيرُ للاهتداء، وأن مصدرَ الهداية هي رصاتُ الكتب، تلك المصفوفة المزدحمةُ على الرفوف، والتي ينهكون أنفسهم في مطالعتها ظنّاً منهم أنها تقدّم هداية، وأنها وسيلة لتصحيح واقعهم والارتقاء بإيْمَانهم لمجرد أنّهم اصبحوا (قُرّاء أَوْ فلاسفة)، في هذا السياق يقول الشهيد القائد – ع – في درس الثقافة القُــرْآنية: [لا تفكر إطلاقاً أن العلم هو في أن تنتهي من رصّات من الكتب، ربما رصات من الكتب توجد في نفسك جهلاً وضلالاً، لا تنفع. استعرض الآن المكاتب في الشوارع في المدن تجد رصات من الكتب، رصّات من الكتب في الحديث في التفسير في الفقه في فنون أُخرى، لكن كم تجد داخلها من ضلال، كم تجد أنها تنسف الإنْسَان أنه حتى لا يبقى على فطرته].
كما أنّهم لا يدركون خطورةَ ما تتضمّنهُ من ضلال وباطل يفتك بإيْمَان الإنْسَان ويحرفه عن الطريق المستقيم الذي رسمه الله، لو لم يكن إلّا تغييب دور القُــرْآن الكريم كمصدر أساسي للحصول على الهداية بعيداً عن تلك الآليات والبرامج التي يضعها الناس لأنفسهم، بحسب نظرتهم ورغبتهم وحاجتهم دون أن يعودوا إلى الله سبحانهُ وتعالى ويسألونهُ الهداية والعون والتوفيق والثبات، وفي إطار هذا الموضوع هناك حديث رائع وعظيم للشهيد القائد ذكره في درس مكارم الأخلاق – الدرس الأول – قال فيه:
[الهداية ليس هنالك آلية مبرمجة للهداية بحيث أن الإنْسَان ممكن أن يوفرها، لا بد من الرجوع إلى الله، لا بد من الدعاء، أن نطلب من الله الهداية، أن نطلب من الله التوفيق، أن نطلب من الله الاستقامة، أن يوفقنا للاستقامة، أن نطلب من الله أن يثبت خطانا، أن نطلب من الله أن يسدد أقوالنا. الإنْسَان لا يستطيع بنفسه، لا يستطيع من خلال الاعتماد على نفسه أن يحقق لنفسه الهداية، والتوفيق في المجـالات التي ترتبط بحيـاته، وفيما يتعلق بآخرته].
ومن مساوئ تلك الكتب – ما تسمّى بكتب علم أهل الكلام (المعتزلة) – أنّها تعتبر وبالدرجة الأولى مصدراً من مصادر تشويه المنهجية القُــرْآنية السليمة والعقائد الصحيحة من خلال ذكر بعض الآيات للاستدلال بها على بعض المواضيع وذلك بتفسيرها بحسب اجهاد الاهواء، ومن خلال تقديمها لثقافات مغلوطة مُجرّدة عن الصوابية تُظهر حجم المفارقة بين ما يقدمهُ المنهج الإلهي – القُــرْآن الكريم – من هديٍ سامٍ يسمو بالنفس ويرتقي بواقع الأُمَّـة، وبين ما تقدمه تلك الكتب من خزعبلاتٍ ومنهجيات ومعتقدات بشرية مغلوطة ما أنزل الله بها من سلطان تؤدي دوراً سلبياً يتمثّل بالانحطاط بالواقع، وبالهبوط بالعقلية الإنْسَانية التي كرّمها الله واللعب بوتر الفكر النقي من شوائب كُلّ ما هو دخيلٌ على كتاب الله، وفي هذا السياق أكّد الشهيد القائد في درس معرفة الله – الثّقة بالله – أن أحد أسباب وصول الواقع إلى ما وصل إليه من سوء هو اعتماد البدائل التي ظهرت والتوجّه لها وترك الثقلين كمرجع لصلاح واقع الحياة بشكل عام؛ حيثُ قال -رضوان ربّي عليه-:
[ إذا تأمل الإنْسَان في واقع الناس يجد أننا ضحية عقائد باطلة، وثقافة مغلوطة جاءتنا من خارج الثقلين: كتاب الله، وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)].
ولتصحيح مسار هذا الواقع الهابط يجب علينا أن نعود عودة صادقة إلى القُــرْآن الكريم، للاهتداء بهديه، والعمل بما جاء فيه فهو علمٌ لا أعظم منه ولا أرفع كما تحدّث الشهيد القائد قائلاً: [ كتاب عظيم، كتاب واسع، ثقافته عالية جداً، عالية جداً تجعل هذه الأُمَّـة – لو تثقفت بثقافته – أعظم ثقافة، وأكثر إنجازاً، وأعظم آثاراً في الحياة، وأسمى.. أسمى روحاً، وأسمى وضعية، وأزكى وأطهر نفوساً من أي أمم أُخرى ]؛ كيف لا.. وكاتبهُ ومنزلهُ هوَ {اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ}[سورة الحشر 22]، العالم بحاجة البشرية وبني الإنْسَان، الأحرص من كُلّ من يبرزون كمرشدين وموعّظين ومتكلمين بعيداً عن منهج الله، الأعلم بمصلحة عبادهِ وما فيهِ صلاحٌ وخيرٌ لهم.
ولنعلم أخيراً أنَّ: العمليةُ المعرفية غير كافية للاهتداء؛ لأنها لن تقدّم إلّا معلومات جوفاء عبارة عن ثراء لفظي كأكبَر ما يمكن..!، ولا صحيح من تلك المعلومات إلّا ما ندر، لذا لِزاماً علينا أن نلتفت التفاتة جادّة إلى القُــرْآن الكريم، الكتاب العظيم الواسع الذي أدرك عظمتهُ اعداء الله وأهل الباطل وعملوا جاهدين على فصلنا عنه بوسيلةٍ وبأُخرى، ونحن أمّة القُــرْآن تركناه جانباً، ندرك أنه معجزة الله لخاتم انبياءه، وأنّهُ نور الله للمستبصرين به في الظُّلم، وهو السبيل الوحيد للهداية العملية التي تتمثل في التطبيق العملي الملموسةُ آثارهُ في واقع النفس أوّلاً، وفي ميادين الحياة المختلفة ثانياً؛ وهذا ما يصح أن نسمّيه بالاهتداء الحقيقي..
ولا وصف لهذا الكتاب أعظم مما وصفه الشهيد القائد قائلاً:
[القُــرْآن علوم واسعة، القُــرْآن معارف عظيمة، القُــرْآن أوسع من الحياة، أوسع مما يمكن أن يستوعبه ذهنك، مما يمكن أن تستوعبه أنت كإنْسَان في مداركك، القُــرْآن واسـع جداً، وعظيم جداً، هـو ((بحر – كما قال الإمام علي – لا يُدرَك قعره)). نحن إذا ما انطلقنا من الأساس عنوان ثقافتنا: أن نتثقف بالقُــرْآن الكريم. سنجد أن القُــرْآن الكريم هو هكذا، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا، يسمو بنا، يمنحنا الحكمة، يمنحنا القوة، يمنحنا كُلّ القيم، كُلّ القيم التي لما ضاعت، ضاعت الأُمَّـة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جداً لنا، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقُــرْآن الكريم، وأن نتثقف بثقافة القُــرْآن الكريم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} يؤتيه من يشاء، فنحن نحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يُؤتَوا هذا الفضل العظيم].
والعاقبـُة للمتقيـن.