26 مارس.. محطة تقييم سنوية
هنادي محمّـد
ونحن على بُعد يومٍ عن مناسبة الــسادس والعشرين من مارس، ذكرى العام الثالث على التوالي من عمر الصمود والثبات والمواجهة للعدوان السعوصهيوأمريكي البغيض والمهزوم، لن أتحدّث عنْ مَن هي قِوى العدوان ومن المدير والممول لها، ولا عن ما ارتكبته من جرائم إبادية يندى لها جبين الإنْسَانية وتستنكرها القوانين والمواثيق المتعاهد عليها، ولن أقدّم عرضاً لإحصائية ما قد تم استهدافه بغارات طيران الموت من منشآت وبُنى تحتية ومبانٍ سكنية ومدارس ومستشفيات ومزارع وكُلّ ما دُمّر من شجر وحجر وبشر، ولن أعرض عددَ شهدائنا من المجاهدين المقاتلين أَوْ من المدنيين وعدد جرحانا وأسرانا، ولن أشكوَ من جَور الحصار ثلاثي الأبعاد – جوّاً وبرّاً وبحراً – وكل تلك المؤامرات الاقتصادية والأزمات المفتعلة بغية التجويع وتحقيق معادلة (الموت البطيء)، ولن أتحدّث عن سياسة العدوان الجُهنّمية وأَهْـدَافه وإخفاقاته وهزائمه؛ لأن كُلّ هذه الأمور والقضايا باتت واقعاً مُعاشاً وحقائق لا غبار عليها أكّدتها الأَيَّـام بتعاقبها، والأعوام بتواليها، والأدلة والبراهين بتجلّيها؛ وإن غضَّ المُبطلون أبصارهم عنها، بل سأطرَحُ تساؤلاتٍ من الواجب على كُلّ فردٍ يمنيٍ وطنيٍ مؤمنٍ حر، رجلاً أكان أم امرأة أن يقفَ مع نفسه أمامها ليخرُجَ بإجابةٍ صادقةٍ عنها..
بعدَ مرورِ ثلاثةِ أعوامٍ من العدوان.. ما الذي قدّمتهُ لله سبحانهُ وتعالى في سبيل نصرة دينه وإعلاء كلمته ونُصرة القضية التي لأهمّيتها تكالبت قوى الشر علينا من كُلِّ حدبٍ وصوب لإسقاط رايتها؟.
هل كان لي دورٌ فاعلٌ وتحرّكٌ عمليّ في صناعة الانتصارات العظيمة التي يمُنُّ بها الله على شعبنا كنتيجة وثمرة من ثمار صبره وصموده؟.
هل كنتُ وفيّاً لآلاف الشهداء الذين أرخصوا أرواحهم في سبيل الله؛ حفاظاً على أمْني واستقراري وعرضي وسلامة ديني..؟؟
هل أسهمت في إسكات الأفواه المُرجفة والأبواق الناعقة والمطبّلة للباطل والمستهينة بالدماء والأشلاء التي سقطت؟.
هل حرصتُ على تضميد جراح الأسر المتعسّرة والمستضعفة والنازحة ولو بتقديم أقل القليل والجود بالموجود؟.
هل فتحتُ لي رصيداً مع الله بأرباح ومكاسب ربّانية لا حصرَ لها من خلال إنفاقي ودعمي للمجهود الحربي كأساس من أساسيات تحقّق النصر؟.
والسؤال الأهم هو: كيف أَصْبَح واقعي الشخصي – الإيماني -، بمعنى هل هناك ارتقاء في علاقتي مع الله؟ هل أسهم العدوان من جانبهِ الإيجابي في تعزيز ثقتي بالله واستشعاري لعظمته من خلال تحقّق آياتهِ وسننهِ في أرضه تدخّلاً ومعيةً ورعايةً وعوناً لجندهِ وأوليائه، وضرباتٍ إلهيةٍ قاصمة وخذلان وتنكيس وعاقبة سيئة لأرباب الشر والمفسدين في الأرض والمستحلين لحرمات الله والمتعدّين لحدوده؟.
وعليه.. تأتي هذه المناسبةُ كمحطة رئيسية سنوية يقف الإنْسَان فيها للتقييم العام للواقع والتأمل في مجريات وأحداث الحياة، وللتقييم الخاص على مستوى النفس وما يتعلّق بالمواقف الذاتية الصادرة إزاء القضايا الطارئة، وذلك بالثبات على ما كان منها صائباً ومحقّاً، وتصحيح وتقويم ما كان منها مخالفاً أَوْ معوجّاً أَوْ منحرفاً عن ما هو سليم ومنسجم مع الحق، بمعنى ليست مناسبة عابرة تقتصر على الخروج والاحتشاد فقط، بل يجب أن يتركَ ذلك الخروجُ أثراً كبيراً في كيانك، أثراً روحياً إيمانياً تعبوياً يحفظ لك صمودَ أعوامٍ وأعوام، صموداً لا يكسرهُ طغيان ولا يُوهنهُ امتهان..
وفي نهاية المقال.. ومن هذا المقام أتوجَّهُ برسالة للشعب اليماني العظيم، رجال ونساء بلدي المجاهد الذي أفخر بالانتماء إليه.. أن لبّوا أذانَ النصر، تأهّبوا لصباح الاثنين، وهبّوا حشوداً هائجة ثائرة صارخة في وجه العدوان إلى ميدان السبعين، اخرجوا وأفشِلوا التجهيزات الأمريكية الإسرائيلية لتقزيم هذه المناسبة وصرف أنظار العالم عنها، انفروا كباراً وصِغاراً لتقشعوا الغشاءَ الذي يلوونهُ على أبصارهم ليُجبروا على النظر إليكم نظرة إكبار وذهول، انقلوا صورةً تعجز عن رسمها ريشة المبدعين.. ترجموا إيمانكم في الميدان كما عهدناكم دوماً، واللهُ ناصرُكم ومُعينُكم وخاذلُ عدوكم ومؤيدُكم بنصره المبين..
والعاقبــةُ للمتقيــن.