الآثار الإيجابية للحرب الظالمة 1-2
د. إسماعيل محمد المحاقري
بفضل الحرب استطعنا أن نستوعبَ مدى التصدع الذي لحق بوعي شبابنا وحجم التجريف الذي نال من قيمنا ووحدتنا ونال من معاني العزة والكرامة وحب الوطن والتفاني من أجله التي نتميز بها عن غيرنا.
لقد علمتنا الحرب أن كُلّ ذلك كان نتاجَ عمل ممنهج لأعدائنا كادوا يجروننا إلى منحدر خطير وإلى حالة من التيه والتبلد الفكري والقيمي والسبب هو اننا تركنا بلدنا طوال الفترة الماضية مقصد لكل الأفكار والثقافات المنحرفة والمتناقضة في مصدرها وأهدافها ومشاريعها وتركناه أَيْضاً مرتعا للثقافة الليبرالية المغتنية بالقيم النفعية التي تزاوجت مع الثقافة الدينية المنحرفة ومثلاً مرضا خطيرا لقد جعلت شبابنا يتمحورون حول ذاتهم يتسابقون وراء المنفعة المادية على حساب كُلّ وازع ديني أَوْ أخلاقي أَوْ إنْسَاني وجعلت من أكاديميينا أدوات دعائية ترويجية لها وَمن رموزنا السياسة والحزبية والعسكرية والاجتماعية أدوات رخيصة يعبث العدو من خلالها بمقدراتنا ووحدتنا ومستقبل أجيالنا.
لقد أصبح علماؤنا تجاراً يبيعون الوهم لشعوبهم ويقدمون الجبن وعبادة الظلمة دينا نتقرب به إلى الله ويعملون على التأصيل والتقعيد لكل الأفكار والعادات الوافدة ليساعدوا العدو بان ينحرف بذهنية المجتمع نحو الأمركة لقيمنا وثقافتنا
لقد كدنا جَميعاً أن نقترب من هاوية السقوط من حيث ندري أَوْ لا ندري لقد أصبح المسئول تاجرا والتاجر وزيرا والقائد شيخا وامام جامع وأصبح القضاء مهما كانت البزة التي يلبسها أعضائه يعمل على تغريب قوانينه رغم اتصالها بتأريخه وتراثه.
وقد غابت المشاريع الصناعية وحضرت بغيابها الفلل الفارهة التي يملك اغلبها من هم أمناء على أموالنا ويد يرون شئوننا لقد أصبحت فلّة القاضي والمسئول علامة نحدّد بها عناوين شوارعنا ومنازلنا وأصبح منزل المسئول تزيد قيمته ومساحته عن قيمة ومساحة المؤسسة التي بعمل فيها وقيمة فلة التاجر أكبر من رأس ماله التجاري وفلة الشيخ يقارب حجمها حجم قريته والجميع يكتب على بوابة فلته التي تزيد قيمتها لوحدها عن قيمة مدرسة “هذا من فضل ربي”.
هكذا أصبح حال المؤتمنين على أموالنا ودماءنا في حال أن شعبنا يعيش حالة من البؤس والحاجة ويفتقر الوطن لأبسط مقومات ا لنهضة والحياة الكريمة.
وفي ضوء ذلك تكون الحرب قد علمتنا درساً عملياً عن الواقع الذي وصلنا إليه الأمر الذي يحدد لنا الأولويات التي يجب أن يكون عليها المستقبل بإعطاء المؤسسات الثقافية والدينية والتعليمة الاهتمام التي تستحقه وأن نعيد النظر في طريقة ادارتنا لشئوننا العامة بان نكرس حكم القانون ونتركه هو من يرسم معالم المستقبل وشروط العدالة بعيداً عن الشخصنة التي لا تجر إلّا الفوضى والاستنسابية.
وبفضل الحرب أَيْضاً عرفنا حقيقة من كان يخادعون الشعب ويقدمون أنفسهم كرموز وطنية أَوْ نخب ثقافية وقيادات سياسية وحزبية ودينية لقد اضطرتهم الحرب أن يكشفوا عما كان خافيا علينا من قبحهم ومستوى ما وصلوا إليه من الخسة والانحطاط الأخلاقي والقيمي والإنْسَاني وما بلغوه من العمالة والارتهان لأعداء الوطن.
لقد مكنوا اعدائنا من احتلال أرضنا وشاركوه في ارتكاب أبشع الجرائم في حق شعبهم من الأطفال والنساء والشيوخ وفي تدمير مقدرتنا الاقتصادية والزراعية والصحية والتعليمية ولكن لقد كان لهذه الصورة فضل علينا؛ لأنَّهم معها اقاموا بينهم وبين العودة إلى الوطن سوراً صنعوه من زبر الحديد وبذلك فتحوا آفاقاً لاستشرف الوطن على مستقبل واعد يتم فيه اعادة بناء الدولة الممسكة بقرارها والسيدة على مقدراتها الواعية لمستقبل شعبها القادرة على إشاعة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن بعيداً عن تلك العوائق التي كانت تضعها تلك الجماعات الفاسدة في نفسها المفسدة لغيرها ولله في أمره شئون.
ومن فضائل الحرب انها جعلت المواجهة بين قيم الحق والعدل والوطنية والإنْسَانية وبين قيم الظلم والطغيان والارتزاق والهمجية مكشوفة وواضحة للجميع وقد استخدم كُلّ طرف أدواته التي يؤمن بصوابها وفاعليتها في هذه الحياة وفي ادارة الحرب فقد كانت المواجهة على اشدها بين معاني الكبر والغرور والتجبر وبين معاني العزة والكرامة والصمود بين مذياع الكذب والتظليل ومذياع الصدق والمظلومية وبين معاني الحب والتعامل الإنْسَاني مع الأسرى والمدنيين وبين معاني الكراهية والوحشية قيم السحل والسلخ وقطع الرؤوس.
بين دعوات التعايش والتشارك والوحدة الوطنية وبين دعوات الفتنة واثارة النعرات والتشجيع على الحقد والكراهية.
وبهذا قدمنا للعالم دليلاً ناصعاً غير مشكوك فيه على أن في الحياة شئياً آخر نعيش ونقاتل لأجله وفي الحياة أَيْضاً أدوات أُخْــرَى لصناعة النصر والتفوق لا يملكون هؤلاء تكنولوجيتها ولا يعرفون أسرارها؛ لأنَّها صنعت حصرا لأصحاب المظلومية والمبغي عليهم فهم وحدهم من يملكون القدرة على استخدامها؛ لأنَّ لها علاقة بالإنْسَانية وأنتم لا إنْسَانية لكم
وبفضل هذه الحرب الظالمة وضعنا أنفسنا أمام تحد تما أن نكون أَوْ لا نكون.
فشحّت فينا الهمة وقوت في قلوبنا العزيمة وفجرت فينا الطاقات الذهنية الخلاقة فتفوقت عقول شبابنا كما تفوقت سواعدهم وعزيمتهم القتالية ففاجأوا العالم بعدد من الابتكارات العسكرية التي غيرت مجرى الحرب وعدلت في مساراتها وجعلت العدو نفسه يعلنها صراحة بان الحل لا يكون إلّا سياسياً كما انها من فرضت على مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأُخْــرَى أن تغير من منطقها؛ لأنَّ هذا هو المنطق الذي يحكم قاراتها.