ممالكُ ودويلاتٌ في حظيرة ترامب
حسن الوريث
المرءُ يضعُ نفسَه حيث يشاءُ.. هذا المَثَلُ مثلما ينطبِقُ على الأشخاص ينطبق أَيْضاً على الدول فالإنْسَان يضع نفسه في مقدمة الصفوف أَوْ في مؤخرتها وكذلك الدول فهي إما أن تكون في الطليعة أَوْ تكون في الصفوف الأخيرة، والبعض منها تضع نفسها في حظيرة المواشي والأبقار والنعاج، كما هو الحال لدى ممالك ودويلات الخليج.
قد يقول القارئ إن هذا الكلام فيه نوعٌ من التجني على هذه الدويلات، والرد أبسط مما تتصورون، إذ لا يمكن أن يكون ما قلته فيه نوعٌ من التجني إطلاقاً، فهذه الدويلات والممالك سمحت للناس أن يصفوها بانها أبقار حلوب ليس إلّا وآخر من وصفها بهذا الوصف هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث قال إن هذه الدول يجب أن تدفع لأمريكا ثمن حمايتها، إذ لا يعقل أن نحميها بدون مقابل أَوْ ثمن، وأضاف أن الثمن يجب أن يكون كبيراً؛ لأنَّ هذه الدويلات تربض على كنوز، وبالتالي لا يجب أن تتمتع بحمايتنا مجاناً ووصف أَكْبَـر دولة في هذه الدول وهي السعوديّة بأنها بقرة يجب حلبها وعندما يجف حليبها لا مانع من ذبحها ورميها والتخلص منها بأية طريقة.
ترامب عندما قال هذا الكلام لم يعترض عليه أحد ولم تجرؤ هذه الدويلات على الرد حتى مجرد تعليق بسيط لم يصدر منها بل إنها سارعت فور نجاح ترامب وتوليه الرئاسة إلى التودد له بعشرات بل مئات المليارات من الدولارات كعربون رضا منه عليها، وشاهدنا كيف تقاطر أولئك الناس على واشنطن لتقديم فروض الولاء والطاعة وبشيكات مفتوحة لنيل الرضا من ترامب، كما شاهدنا كيف أن هذه الممالك والدويلات ذهبت إلى عقد صفقات بعشرات المليارات وحين جاء ترامب إلى المنطقة اجتمعوا حوله ليثبتوا له أنهم لا يمكن أن يخرُجوا عن بيت طاعته وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه باعتباره سيدَهم المطاع وكلُّ منهم يحاول بطريقته إثبات ولائه المطلق حتى لو كلف ذلك حبس وسجن كُلّ من يرفض من رعايا هذه الدويلات وأمرائها ومشايخها تقديم ما فرض عليه من حصص ومبالغ لتمويل قيمة تلك الزيارة الشهيرة والتي اشترط ترامب أن يحصل خلالها على أَكْبَـر قدر من الأموال وهو بالفعل ما تم وخرج من زيارته بمئات المليارات من الدولارات فيما تم إحالة بعض من رفض الدفع إلى السجون كما فعل ابن سلمان بالأمراء والتجار حتى يدفعوا مساهمتهم في تمويل تلك الزيارة ولم يطلقهم حتى دفعوا الجزية لترامب عن يد وهم صاغرون.
بالتأكيد إن هذه الممالك والدويلات ارتضت لنفسها أن تكونَ مجرد أبقار في حظيرة ترامب يحلُبُها متى شاء ويذبحها متى انتهى وجف حليبها وهو ما تجلى واضحاً في الزيارة الحالية لولي عهد السعوديّة إلى واشنطن وذلك الاستقبال المهين والمذل الذي استقبله به ترامب والذي ضرب فيه بكل الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولية عرض الحائط؛ لأنَّه يعرف تماماً أن الشخص الذي أمامه لا يستحق إلّا أن يعامل هكذا فهو يعتبره مجرد بقرة في حظيرته وهذا هو الاستقبال الذي يليق به وبأمثاله من مشايخ النفط وفي اعتقادي الشخصي أن هؤلاء الذين ارتضوا لأنفسهم هكذا مكانة أي مجرد أبقار في حظيرة ترامب لا يجب إلّا أن يعاملوا هكذا ولا يستحقون إلّا هذه المكانة التي وضعهم فيها ترامب والذي بالتأكيد عرف من اين تؤكل الكتف وها هو يواصل تجفيف هذه الأبقار تمهيداً لذبحها ومن ثم رميها على قارعة الطريق تأكلها السباع وهذا متوقع وغير مستبعد، فكل الدلائل تشير إلى أن نهاية هذه الدويلات والممالك والمشيخات باتت قريبة وسقوطها بات وشيكاص.
بالطبع أنا لن اتحدث عن التنازلات التي قدمتها وماتزال تقدمها هذه الممالك والمشيخات والدويلات لأمريكا ومن ورائها إسرائيل وأهَـمّها التنازل عن فلسطين والقدس بل والانجرار والاندفاع نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وانهاء القضية الفلسطينية ولن اتحدث عما تقوم به هذه الكيانات اللقيطة من تدمير لسوريا والعراق وليبيا والعدوان الهمجي البربري على اليمن بل ودورها في تفتيت وتدمير كُلّ البلدان العربية والإسْلَامية بكل الطرق والأساليب؛ لأنَّها تسير وفق منهجية وادوار يتم رسمها لها ولم تعد خافية على أحد لكنني اردت أن اتحدث عن الموضوع من زاوية نظرة سيدهم الأمريكي الصهيوني لهم ليعرف الجميع أن أولئك القوم لا يمكن أن يحترموا من لا يحترم نفسه ولا يمكن أن يعاملوه سوى بهذا المنطق الذي يستحقه.
مما لا شك فيه أن أي عربي حر لا يرضى بما تعرض له ابن سلمان في أمريكا من إهانة وتعامل عير لائق لكن وعلى قول صديقي واستاذي العزيز عضو مجلس النواب أحمد الخولاني “من لم يكرم نفسه كرها يهان” فهذه الحكمة كان وربما مازال يرددها دوما وهي لسان حال ذلك المهفوف الذي وضع نفسه وبلاده في هذا الموقع من الاستهزاء والمهانة رغم كُلّ تلك الأموال والثروات التي تمتلكها السعوديّة لكنها لا تساوي شيئاً مع مثل هذا النظام الذي يعبث بها حيث يحرم أصحابها الحقيقيين من شعب نجد والحجاز ويقدمها بكل تلك الرعونة لأمريكا كي ترضى عنه ليكون الحاكم حتى لو انفق كُلّ تلك الثروة وقدم كُلّ هذه التنازلات من كرامته التي ذهبت ولن تعود؛ لأنَّه مهما عمل هو وكل حكام الخليج فإنَّهم لن يكونوا سوى أبقار في حظيرة ترامب وهكذا كُلّ من يبيع نفسه وكرامته لا يستحق سوى هذه المكانة الحقيرة في نظر كُلّ الناس.