عن زيارتنا إلى صعدة
محمد أمين عزالدين
في طريقنا من صنعاءَ إلى صعدة، يوم الأربعاء الماضي، كنتُ أظنُّ أنَّنا سنأتي على مدينة خالية.. وبالعكس وصلنا فإذا بصعدة عامرةٌ.. حركة العمل لا تتوقف..
التعليمُ في المدارس والجامعة.. العملُ الإداري في مختلف القطاعات رغم حجم المأساة، حتى أن محافظَ المحافظة يقول لنا: لا يوجد لدينا حتى الآن مكتب حكومي واحد نداومُ فيه، الكل دمّره العدوان ورغم ذلك، فالعمل مستمر ونسبة الدوام على ما يرام..
صعدةُ بخير.. الكل هناك متواجد.. أنصارُ الله.. سلفيون.. مؤتمر.. إصلاح.. وغيرهم من الشرفاء.. عيون الجميع في صعدة نحو عدوهم الحقيقي الذي أهلك الحرث والنسل، ومن لم يقف هذا الموقفَ الشرعيَّ والوطني على الأقل هو صامتٌ، ولا يمكن أن يكون أداة في يد العدوان.. ونحن نتمنى نضجَ وعي هؤلاء وفاعليتهم أَكْثَرَ، أمَّا مَن لا يزال يتربص بشعبه الدوائر فننصحُه أن يتقيَ اللهَ ويخشى عذابَه، فكل عمل يهدف لإحداث الخلل وسفك الدماء هو عمل مشين لا يجوزُ سواء في صعدة أَوْ في غيرها من المناطق المستقرة..
في ذكرى ثلاثة أعوام من العدوان الذي لا نستطيع إبرازَ كوارثه على هذه المحافظة خَاصَّـةً.. صعدةُ رغم ذلك ثابتة.. صعدةُ بتنوعها الثقافي رغم أنف آل سعود ومَن حرصوا على إشعال فتيل الصراعات الطائفية وفشلوا الفشل الذريع ستظل مع الحفاظ على قيم التعايش، ومن يغير ويبدل فقد جنى على نفسه لا أَكْثَر.. !!!
كان لدينا أَكْثَرُ من نشاط، فقد قُمنا يوم الخميس مع الأخ محافظ المحافظة وبعض وكلاء المحافظة والشيخ محمد طاهر أنعم عضو رابطة علماء اليمن والأخ محمد الشرفي القيادي معنا في حزب السلم والتنمية السلفي بزيارة مسجد الإمام الهادي ومرفقاته، إلى ذلك تم تدشينُ حملة النظافة في المدينة، مروراً بجولة في أهمّ المباني التي دمّرها العدوان كمجمع المحافظة والمرور والبنك ومؤسّسات خيرية ومدارس ومحلات تجارية وغيرها.
كُلُّ ما لم يخطر على بال في صعدة حاضرٌ، وماذا عساي أن أتحدَّثَ هُنا وعن حجم الضرر الذي لحق بهذه المحافظة التي تعتبر حجر الزاوية في معركتنا مع آل سعود وعيال زايد ومِن ورائهم أمريكا وبريطانيا والمشروع الصهيوني في المنطقة؟!..
لقد كان استهدافُ صعدة خَاصَّـةً بتلك الطريقة عملاً ممنهجاً، له أَهْدَافه الخطيرة، هكذا نفهم، وبفضل الله فقد تجاوزت صعدة واليمن عموماً ذلك وما هو أخطر..
واصلنا برنامجَنا، وفي صدارته المشاركة في لقاء موسع للأئمة والخطباء وقد كان الحضور جيداً، وَالتنوع الفكري والمذهبي حاضر، فالجميع -حسب وكيل وزارة الأوقاف العزي راجح- أبناءُ بلد واحد والمسؤولية على عواتق الجميع كبيرة، والمساجد ينبغي أن يكون انتماؤها للإسْلَام لا لحزب أَوْ جماعة أَوْ فكرة معينة، وهذا مما نؤيِّدُه ونحُثُّ على الارتقاء بأداء الخطباء والمرشدين بالشكل الذي يضمن أداء رسالة المسجد بصورة لائقة على ضوئها تُصنَعُ الأجيالُ وتبنى المجتمعات، وأن لا يكون الانتماء للجماعة أَوْ المذهب على حساب القيم المثلى التي أرسى دعائمَها الإسْلَامُ في مختلف المجالات ومنها قيم الإخاء والتسامح واحترام حق الآخر في وجوده والتعبير عن رأيه بوعي وإيجابية..
كما أن الداعية أَيْضاً هو الآخر ينبغي أن يكون عند قدر المسؤولية في بناء ذاته وتطوير أدائه، فهو في نظر الأستاذ أنعم وهو أحد علماء التيار السلفي ينبغي أن يكون واسع الاطلاع مثقفَ الفكر أَكْثَر استيعاباً لما تمر به اليمن؛ ليقوم بدوره الإرشادي والدعوي على أكمل وجه، وإدراك أَيْضاً -والكلام له- أن عاقبة الظالمين إلى زوال وأن النصر لليمن؛ لأنَّ الشعب اليمني صاحبُ قضية عادلة وهذا هو الضمان لانتصاره على عدوان أثبت أنه الأسوأ على مر التأريخ..
في صعدة التقينا بإخوة أعزاء في الجبهة التعليمية والثقافية، وتحدثنا إليهم بشفافية ووضوح أن دورنا اليوم إلى جانبهم تحتمُه أَخْـلَاقنا وقيمُنا الدينية وليس عبارةً عن تسجيل مواقف سياسية.. وكما يقولُ بعض قصارى النظر (العبوها صح بعضكم هاناك مع السعودية وبعضكم مع الجماعة هوذه وإذا سبرت الأمور الكل مستفيد).. لا لا.. !!! هذا الكلام بهذه الصورة من المغالطة للنفس وتزيين الشياطين، الأمر أَكْبَرُ والإنْسَان في هذه الحياة ينبغي أن يحكمَه منهجٌ فهو يسير عليه، وكل ما فيه رضا الله ونفع البشر عليه أن يسلكه وما كان غير ذلك فلا بد من اجتنابه، ولا مانعَ من الأخذ والرد في بعض القضايا والخطأ بلا شك وارد فنحن بشرٌ نخطئ ونصيب، وهنا يأتي التناصح والحوار.
مما قلناه أَيْضاً: إن التنوع سيظلُّ موجوداً والعقلاء أَكْثَر حكمة في التعامل والتعاطي الإيجابي مع مختلف القضايا والأفكار محل خلاف.. فعلينا تعزيزُ الوعي الرشيد والسعي إلى العقلانية أَكْثَر والتكثير من العقلاء على نطاق أوسع..
المرحلة مرحلة عمل وتحَـرّك أوسع وخَاصَّـة ونحن قادمون على عام رابع من العدوان والصمود، والأمر يتطلب جهوداً متظافرة ومتكاملة وتواصلاً وتنسيقاً مستمراً وتواصياً بالحق والصبر وعلى الله النصر والفرج..
يومَ الجمعة غادرنا صعدةَ وقبل ذلك شاركنا مع إخواننا في صعدة في فعالية صباحية أقيمت بذكرى جمعة رجب التي دخل فيها أجدادنا اليمنيون في دين الله أفواجاً، واستحضرنا معهم الدورَ الذي ينبغي أن نكونَ عليه اليوم في التمسك بدين الله ومواجهة الطغاة والمستبد ين في الأرض من أجل التمكين لدينه وَتحقيق العدل والنهوض الحضاري.
كما قمنا بزيارة لمنطقة دماج وفيها صلينا الجمعة وكان خطيبُنا الأخ محمد طاهر أنعم..
على كُلٍّ.. هناك الكثير مما أضافته لنا صعدةُ وتعرَّفنا عليه عن قُرب، وَمما أنقله عن صعدةَ في ختام هذه الأسطر التلقائية العفوية هو ذلك المشهد الأَكْثَر من رائع الذي شاهدته ونحن نتنقل بين المباني المدمرة حيث رأينا أغلبَ تلك المباني قد سُويت بالأرض ما عدا أعلام الجمهورية اليمنية فلا تزال ترفرفُ هنا وهناك في منظر حضاري ملفت ومنقطع النظير، وكأن لسان حال تلك الأعلام يقول:
صعدةُ جمهورية، ومنها وغيرها من المناطق المشابهة سيكون الذود عن الجمهورية أرضاً وشعباً ونظاماً، وصون كُلّ ما يتصل بالجمهورية من دلائلَ وأشياءَ..
فتحيا الجمهورية اليمنية.
وشكراً صعدة..