ما الذي يريده منا المندوب السامي البريطاني مارتن غريفيث؟
محمد قاضي
قبل الإجابة عن هذا السؤالِ أُحِبُّ أن أُذَكِّــرَ السادةَ القُرَّاءَ ببعض المحطات التي مررنا بها حتى تكتملَ الصورة لديكم، والبداية بظهور المبعوث الأسبق “بن عمر” والذي كان لديه مهام محددة وهي تمرير مشروع الأقلمة وهيكلة الجيش وتنصيب هادي للرئاسة والمحافظة على نظام الوصاية ونقل الحكم من طرف النظام إلى طرف آخر يمثل بيت العمالة والارتهان.
فـإبان أحداث 2011م ظهرت كُلّ الأزمات المعيشية وتدهور وضع البلاد وارتفعت الأسعار وانقسمت العاصمة قسمين وكذلك الجيش وانقسمت المحافظات بحسب ثقل تواجد كُلّ طرف، حينها قام الملك السعودي السابق ومن خلفه أمريكا ممثلة بسفيرها الخبيث في صنعاء بإعْلَان مبادرة وهي الخليجية التي كانت بداية نصب الفخ لليمن واليمنيين.
كان الوضع متأزماً ابتداءً من انعدام للمشتقات النفطية مروراً بتوقف أعمال مؤسسات الدولة وانتهاء بارتفاع الدولار وانعدام الخدمات من كهرباء وماء وغيرها من الأزمات والانفلاتات الأمنية المخيفة، فحينما وصلنا لحالة صعبة قامت السعودية برفد البنك المركزي بـ 100 مليون دولار وصرفت مستحقات الناس وعادت الأوضاع لطبيعتها نسبياً واستقر سعر الصرف، كُلّ هذا كان مقابل توفير الأجواء المناسبة لإنجاح وتمرير مخرجات الحوار الوطني والتي كانت تحمل مشروع تدمير اليمن أَكْثَــر من ازدهاره.
جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م والتي أفشلت تلك المساعي الخبيثة ولوْلا هذه الثورة العظيمة لَكان كاتبُ هذه الأحرف أسيرَ الجماعات الإرْهَـابية إن لم يكن قد تعلقت رقبته على مدخل بيته، لكن إرَادَة وعناية الله عز وجل وعزم وتضحيات رجال الرجال حالت دون ذلك، فانتهى بعدها دور وَمهام المبعوث الأسبق بعد نجاحه في تنصيب هادي رئيساً لليمن والتوقيع على اتفاق السلم والشراكة بصعوبة والتي تبلور منه تشكيل حكومة توافق وطنية، والانتهاء من جلسات والتصويت على مخرجات مؤتمر الحوار برعاية ومباركة المجتمع الدولي.
فَـقبيل شن العدوان على اليمن بأيام تم تغيير ذلك المبعوث وبعد شعور دول الوصاية بان اليمن باتت خارج السيطرة وأَصْبَحت صاحبة القرار السيادي، تم تعيين ولد الشيخ من أجل تمييع الشأن اليمني حينما يشن العدوان والحصار بهدف كسب وإطالة وقت المفاوضات من أجل تدمير اليمن واليمنيين ليرضوا بعدها بأية تسوية سياسية من شأنها أن توقف الدمار والقتل والمعاناة وإضعاف وإنهاك الطرف المقاوم كما يعتقدون وكما هو مرسوم له، لكن الصمود والثبات والبأس اليماني خلال ثلاثة أعوام أربك تلك الحسابات وأغفل كُلّ التوقعات وجعل من المُخرِج أن يعيد النظر في عرقلة مشروعه الذي يستهدف الأرض والإنْسَان والمحافظة على صورته ومكانة تموضعه في المنطقة واليمن على وجه الخصوص.
انتهى دور ولد الشيخ بعد احتلال أجزاء واسعة من اليمن وإنهاء دور شرعية من نصبها من سبقه وجعلها تحت الإقامة الجبرية في فنادق الرياض، ليأتي دور مبعوث أجنبي آخر تم انتقاؤه واختياره بعناية فايقة يحمل الجنسية البريطانية، الدولة التي لها باع طويل في احتلال الشعوب وتعرف طبيعة وخصوصية المنطقة وخَاصَّة أن لها تجربة سابقة في احتلال جنوب اليمن لأَكْثَــر من قرن من الزمن؛ وذلك لاستكمال ما بدأه زملاؤه السابقون في ترسيخ مداميك الاحتلال والتقسيم، ومن هنا سنجيب عن السؤال أعلاه.
هذا المبعوث لا يفهم إلا لغة تمرير مشاريع دول الاستكبار العالمي ذات المطامع الاقطاعية بالثروات من جانب، واحتلال المواقع الاستراتيجية من جانب آخر؛ كونه يعلم بطبيعة اليمن، ولن يحدث ذلك إلا بالتظاهر بالحياد وَبالحرص وإبداء الأسف والخزن لما حصل وسيعمل على التخفيف النسبي من معاناة اليمنيين من خلال صرف المرتبات وفتح المطار والميناء، لكن في الحقيقة هو يريد أن يحصر الملف اليمني في هذه الأمور والتي هي أشياء بديهية لا تقبل المساومة.
طبعاً بريطانيا لها دورٌ كبيرٌ في إنشاء الأنظمة السابقة منذ وعد بلفور وتسليم فلسطين لليهود عام 48م، بحكم التجربة تريد أن تعيد بلورة أنظمة جديدة تولد من رحم الأنظمة السابقة، بدليل إعْلَان سيف الإسْــلَام القذافي للترشّح للرئاسة في ليبيا رغم ما حل به وبأبيه وأسرته ونظامهم التسلطي.
فهناك نية دولية حثيثة للاستعمار بحُلة جديدة وذلك عبر إنشاء حكومات ليبرالية شابة في الدول التي شهدت مشروع الربيع العربي وشعار الشعب يريد إسقاط النظام العام 2011م وهي اليمن وليبيا ومصر أما سوريا فكانت عصية، وبالتالي لن تجد المرحلة أفضل من التوريث من جيل الأبناء الذين تم تأهيلهم بعناية فائقة خَاصَّة، فسيف الإسْــلَام سيحكم ليبيا وجمال مبارك سيعود لحكم مصر.
ومن هنا سيأتي الدور لهذا المبعوث البريطاني لإيجاد تسوية سياسية تقتضي بتقديم وتنصيب نجل عفاش كرئيس لليمن والاستفادة من شعبية وقتل والده من ناحية كما هو حاصل لنجل القذافي، وإخراج الصف الثاني من مسولي النظام السابق وهم من يعتبرون أنفسهم بالمحايدين الذين غابوا عن المشهد من ناحية أُخْـرَى، ليأتيَ دورُهم ونقبل بهم كمخلصين كما حدث يوم تنصيب هادي وطاقمه وإعادتنا للوِصاية من جديد، وإدخالنا في دوامة صراع أُخْـرَى، وهي بحث تفاصيل التسوية وتقاسم السلطة وتسليم السلاح وأكذوبة إعادَة الإعمار وترك ما هو أهمّ وهو عدم محاسبة مرتكبي الجرائم المروعة بحقنا، ونظل تحت وطأة الحصار كوننا ما زِلنا نمثل خطراً على المنطقة تحت مزاعم الصواريخ البالستية وتهديد الملاحة الدولية.
لذلك أمامنا فرصة المضي قدماً في قصف الأَهْدَاف الاقتصادية للسعودية والإمارات بوتيرة عالية، حينها لن نحتاجَ لتسوية ولا مفاوضات ولا مبعوث وقرارات، بل سيتوقف الحصار والعدوان تماماً وَبدون مقدمات، وسنؤسّس لمرحلة الندية والانتقال من خانة التبعية إلى خانة السيادة الوطنية، ونكون مركز لصنع القرار ليس في اليمن فحسب وإنما على مستوى المنطقة والعالم، فالأخير لا يحترم إلا الأقوى.
والعاقبة للمتقيين، ولا عدوان إلا على الظالمين.