الاغتصاب جريمة حرب ممنهجة هدفُها إذلال الشعوب!!
بندر الهتار
إلى جانبِ الحروبِ العسكريّة المدمِّرة التي تستهدفُ قتلَ الإنْسَان والحياة، فقد برع قادةُ الحروب ومجرموها في ابتكار وسائلَ متطورةٍ في الإجرام لا تُمحى من ذاكرة المجتمع المستهدف حتى لو مُحيت آثار القتل والدمار، فكان الاغتصابُ هو أسوأ ما يمكن أن يقوم به الغزاة؛ لأن الطبيعة البشرية بفطرتها تفضّل الموتَ على ذلك!
سمعنا وقرأنا عن جرائم الاغتصاب في الحروب، وعن نتائجها الكارثية المدمرة، حتى وصلت الأرقام في بعض الحروب الكبيرة إلى عشرات بل مئات الآلاف من النساء المغتصبات، وهي أرقامٌ مهولة ومخيفة تؤكد أن تلك الجرائم لم تُرتكب بدافع الغريزة الفردية فقط، بل كانت جرائم حرب منظّمة يُوفر لها الضوء الأخضر من أعلى مستوى في القيادة العسكرية.
كاتبٌ أمريكي يُدعى وليام بود، إبان الغزو الأمريكي للعراق، كتب مقالاً في صحيفة “ويست بومفريت” بعنوان “الاغتصاب الديمقراطي”، وبعد أن شرح تفاصيل حادثة واحدة فقط بحق فتيات عراقيات قال:
“إن بوش قد ترك لجنوده أن يفعلوا ما يحلو لهم مع ضحايا سجنه الكبير في العراق، تركهم من أجل أن يتناسوا الرعب الذي يعيشون فيه من طلقات المدافعين عن بلادهم، ترك المجندين كول وديفيد يغتصبان نساء عراقيات بلغ عددهم 26 فتاة وضحية”!!!
كانت خلاصة ما توصل إليه الكاتبُ الأمريكي، أن بوش كرئيس للولايات المتحدة قد أعطى جنوده كُلّ الصلاحيات في ممارسة أي انتهاكات.
في الحرب العالمية الثانية، وفيما اشتهر الروس بارتكاب جرائم اغتصاب رهيبة، فقد احتجَّ السياسي اليوغسلافي “ميلوفان دجيلاس” عن تلك الجرائم، فكان جوزيف ستالين الرئيسُ الثاني للاتحاد السوفيتي يعتبر ذلك أمراً طبيعياً بل ويعدها مكافأةً لجنوده، وقال “إن عليه أن يفهمَ أن الجندي الذي عَبَرَ آلاف الكيلومترات وسط الدماء والنار والموت، تسلى مع امرأة أو تسكعوا بعض الوقت”!!!
حقيقةُ ما تم توثيقه في كُلّ حروب الغزاة أن جرائمَ الاغتصاب تكونُ منظّمةً وتجري بشكل منهجي في أكثر الأوقات، أما لماذا، فالهدفُ هو إلصاقُ عار مستدام بمجتمع الخصم، وإشعاره بمرارة الذل والقهر، ولعلَّ القادة العسكريين الذي يباركون هذه الجرائم لا يعيرون اهتماماً كبيراً لردّات الفعل طالما أنهم لا يحملون الشعورَ بقداسة المجتمع الذي يستهدفونه، ويعتمدون على ما بأيديهم من قوة عسكرية ضخمة.
يتطورُ إذلالُ المجتمع في الحروب الحديثة إلى اغتصاب الرجال كما حدث في تعذيب القوات الأمريكية لسجناء عراقيين في سجن أبو غريب، وتضاعف الإذلال عندما تحول السجن إلى أشبه ما يكون بالمَعْلَم السياحي والجنود الأمريكيون ينشرون صوراً تذكارية بجانب رجال العراق وهم عراة، وبكل تأكيد ما كانت تلك الانتهاكات لتحدث لولا الموافقة عليها من القيادة العليا.
ولاحظنا حتى في المؤامرة التي استهدفت مؤخراً سوريا والعراق عن طريق تمكين داعش والجماعات التفكيرية، فقد وثّقت المئات من حالات الاغتصاب، وبيعت النساء في الأسواق، وتعرضت آلاف العوائل النازحة للإذلال، حتى أصبحت المخيمات في الأردن – في فترة ما – سوقاً لاستجلاب طراطير الخليج.
ما سبق يكشف حقيقة أننا في اليمن أمام تَجَلٍّ لأحد أساليب الغزاة التي تم اعتمادُها في العقود الماضية على وجه التحديد، خاصة وأن لأمريكا دور رئيس في العدوان على بلدنا، لكن ما هي أوجه الاختلاف؟
في الحروب التي ذكرناها سابقاً، تبدأ فكرة الاغتصاب من دروس التعبئة التي تلقن الجنود بأن نساءَ الخصم مباحة لهم، وأن مكافأتهم بعد أن يصلوا إلى المدن والأرياف هو التخفيف من عناء الحرب بالنساء، أما فيما يتعلق بالجنود السودانيين الذين تم إيفادهم إلى اليمن، فلديهم تعبئة مختلفة بعض الشيء ظاهرها الدين والإسْـلَام، فكما يتم إقناعهم بأنهم يقاتلون مجوساً وكفاراً يهددون مكة والمدينة، فهم بالتالي يتلقون تعبئة تبشرهم بأن الأعراض مباحة وجائزة شرعاً طالما أنهم يقومون بمهمة شرعية!!
اتضح ذلك خلال التحقيق مع أسرى سودانيين وقعوا في قبضة الجيش واللجان الشعبية، اعترفوا أنهم انخدعوا بالتعبئة الدينية التي يشرف عليها خطباء سعوديون، وقيل لهم بأنهم سيحظون بسبايا يمنيات، أما من يقتل فيبشرونه بالحور العين!!
يضاف إلى ذلك أن من الجرائم المسجلة على الرئيس السوداني عمر البشير هي السماح لقوات الجنجويد بارتكاب جرائم اغتصاب جماعية في دارفور، وفي تقرير أعدته “منظمة اللاجئين الدولية” قالت إن اغتصاب نساء دارفور ليست حوادث متفرقة، بل عمليات منظمة مرتبطة بعملية تدمير المجتمعات المحلية.
وللهروب من هذه الجرائم لجأ البشير إلى إعمال قانون الشهود الأربعة لإثبات الاغتصاب: فإذا قامت امرأة بتقديم شكوى ضد مغتصبيها فعليها أن تحضر شهودا أربعة، وإلا يتم جلدها علنا بتهمة القذف، وإذا كانت متزوجة فيعتبر ذلك اعترافا بممارسة الجنس خارج إطار الزواج وجزاؤها القتل بالرجم!!!
لا شكَّ أن حادثة اغتصاب فتاة في مديرية الخوخة الساحلية تندرج ضمن التعبئة العامة للجنود السودانيين، بل مع توفير الضمانة في تفادي أية ردة فعل، وتجلى هذا من خلال انسياق تحالف العدوان وحتى مرتزقتهم اليمنيين لمحاولة تمييع القضية والتغطية عليها؛ لأن حقيقة الاغتصاب لم تقتصر على السودانيين، بل تجاوز ذلك إلى الإماراتيين وغيرهم من شذاذ الآفاق!!
مسؤوليتُنا أن نكونَ أكثر وعياً بمفهوم الاحتلال وما يترتب عليه، فالعدو الذي قتل آلاف النساء بغاراته وقنابله المحرمة لن يراها إلا غنيمة حرب حينما يصل إليها، وهذا ما دفعنا لنكون في طليعة المدافعين عن أرضنا وعرضنا من أول طلقة، أما المرتزقة، فلو امتلكوا ذرة من شرف لكانت هذه الحادثة كافية ليعودوا يمنيين أحرار!!