حقائق الميدان.. تقييم الحركة الحربية على الجبهات والمحاور على الأرض
المسيرة: علي نعمان المقطري
ها هي 3 أعوام من العدوان الكَوني على الوطن تمُرُّ، فما الذي أنجزوه، وما الخياراتُ القادمةُ؟ وإلى أين تتجهُ المعركة؟ أردنا هنا إعدادَ أشبه ما يكون بمسح عن مجريات مفصلية للفترة الماضية، محاولين أن نضعَ مشهداً عاماً لمسرح الحرب ككل.
إليكم أيها المجالدون في كُلِّ مترس عَلَّنا نساهِمُ معكم ولو بإنارة شمعة في ليلكم الطويل.. إلى روح الشهيد الكرار دوماً القائد الشاب “عباس” محمد جحاف.
جبهاتُ مأرب الجوف نهم – صنعاء وتحوّلات ديسمبر
على هذه المحاور الأساسية ما زالت تدورُ رحى معاركَ حاميةٍ منذ فترة طويلة، لكن منذ يناير الماضي راحت المعارك تعطي بُعداً آخرَ مختلفاً عن السابق، أبرز ما يميزها أنها شهدت انكساراتٍ موجعةً للعدوان ومرتزِقته المستنزفين في هجمات العام الماضي الفارين من المواجهة بذُلٍّ شديدٍ أمام الضربات اليمنية برغم الإمْكَانات الضخمة والغطاء الجوي..
لقد انتقل الجيشُ اليمني في هذه الجبهات من الدفاع إلى الهجوم التكتيكي والتوغل في الأراضي والمواقع التي كانت بأيدي العدوان في السنوات السابقة في نهم والجدعان وصرواح ويام والقَتَب والعيدة الشرقية والغربية والحول والمخدرة والزغن والربيعة وحام والمتون والمهاشمة والطلعة وصبرين والخنجر..
ومن أبرزِ الضربات الموجعة القاسمة الأخيرةِ التي تلقاها العدوُّ هناك، كان إسقاط طائرات التايفون والتورنادو وإف 16 و15 في المناطق المجاورة.. ثم جاءت الضربة الصاروخية الموجعة عندما دمّرت الصواريخ اليمنية منظومات الصواريخ المضادة (كالباتريوت) في قيادة المرتزقة بمأرب والساحل والمخاء –في يناير الماضي– مما فتح ثغرات استراتيجية جديدة كبيرة في جدار دفاعات العدوان الجبهية المباشرة لا يمكنه تغطيتها بسهولة، وذلك يجعله معرضاً للمزيد من الضربات وإجهاض نواياه الهجومية في مهدِها.
ولعلَّ من تداعيات هذه الإنجازات، هي الإطاحة بمستوى كامل من قيادة جيش العدو السعوديّ، وكل ذلك قد أتى بأشد السخرية والاستهجان التي ألقاها الغربُ على تحالف العدوان والسعوديّة بالمقدمة إزاء الخسائر المدوية التي لقوها من شعب محاصر جواً وبراً وبحراً ولا يملك إلا الأسلحة البسيطة بداية العدوان وصار يمتلك منظومة ردع كاملة.. وقد وصفوا في الصحافة الغربية بأنهم: كبار الكروش ناتئو البطون ثقال الأجساد والعقول.
كما ويشير ذلك، إلى توسع الدور الأمريكي الأساسي في الحرب على اليمن، ومدى التبعية للأمريكي وطبيعة نظرته الاستعبادية الاحتقارية وبقية الدوائر الإمبريالية للسعوديّ.
الجبهة الحدودية
ما زال العدوُّ السعوديُّ يلعق جراحاته هناك كُلَّ يوم وهو يتكبّد المزيدَ من الضربات، وقد اضطرته إلى استجلاب آلاف المرتزِقة الباكستانيين وخَاصَّـةً من فئة الضباط ليعينهم كقيادة لقواته مباشرة على الحدود في نجران والمواقع الأُخْـرَى في عسير وجيزان لإيقاف تهاوي بقية المواقع بأيدي الجيش اليمني والأنصار بعد أن تصاعدت الأعمالُ القتالية الهجومية ضدها.
وما زالت هذه الجبهةُ هي الجبهة الرئيسية التي يشن الجيش اليمني هجومه الرئيسي عليها من ثلاث سنوات دون توقف، حيث يحاصر الجيش اليمن القوات السعوديّة في أوكارها مذعورة كالفئران بعد انهيارات خطوط دفاعاتها الأولى والثانية. وهي الجبهة الرئيسية للثقل العدواني الحاسم ولقيادته واحتياطاته الاستراتيجية والمادية والتسليحية والبنيوية والإدارية الواقعة في مراكز عسير ونجران وجيزان، والسيطرة عليها ينهي الحرب بالطريقة الوحيدة الممكنة عسكريا بكسر المحور الأكبر الأهم ومركز الثقل الرئيسي للعدوان وقيادته ممثلا بجيش السعوديّة وأسيادها وجبهتها الجنوبية الموجهة لاحتلال اليمن انطلاقاً من أراضينا المحتلة، وهي تشكل الآن العمود الفقري لجيشها كله والتغلب على هذه الكتلة من القوات تعد ضمانات لمفاوضات جدية حتمية وإجبارية بشروط الوطن.
كما إنها تصيرُ المعادلة الاستراتيجية العليا التي تفرض نفسَها في الحرب أَوْ السلم وتجعل الجنوب السعوديّ الجبلي بأيدي الجيش والأنصار، فهي الضمانة الكبرى للتوازن في أية مناورات أَوْ تحَـرّكات قادمة يجري التخطيطُ لها الآن وتطل برؤوسها تدريجياً.
إنَّ العدوَّ السعوديّ يركزُ معركتَه الآن في هذه الجبهات، ويخوض محاولات استردادية فاشلة للمواقع التي خسرها منذ بداية المعركة وتنتشر على طول الحدود الممتدة بـ 200 كيلومتر في الشمال الجبلي وبعمق 20 -30 كيلومتراً، وفيها يسيطر اليمني على أهم حلقاتها وَمحاورها المتقدمة الجبلية الداخلية ويضرب حصارات جبلية عميقة على نجران والخوبة وجيزان وعلب وعسير وعدد من المدن الكبرى الأُخْـرَى، حيث يقيد كُلّ تحَـرّكاتها الحربية ويهددها بالاجتياح، مما يجبرها على الانكفاء الاستراتيجي الدفاعي.
وهذا قد أدى إلى تراجع دورها القيادي الهجومي على اليمن من المحاور الأُخْـرَى، ومن جانب آخر فقد ضعفت -بنتيجة ذلك- الأدوار الأُخْـرَى الإماراتية الأمريكية البريطانية الإسرائيلية؛ لأنَّ السعوديّة هي محور العدوان على اليمن وأداته الرئيسية. وانكفاؤها على المعركة في عمقها الجنوبي قد فتح للثغرات الداخلية في مربع العدوان والتباينات فيه والإرادات، ورغبة السعوديّة في إخراج نفسها من الورطة في حدودها، فتقييد هذا الثعبان يقيد كُلّ الثعابين الأُخْـرَى.. وهذا هو جوهر التكتيك اليماني الحربي المميز الذي لا تجد أمريكا وحلفاؤها أيةَ وسيلة للتعامل معه وإضعافه، حتى وإن ظهرت الآن غير مبالية بما يجري في الجنوب السعوديّ وتركها لابن سلمان وحدَه للتعامل مع هذه الأوضاع الكارثية التي لم يتوقعوها.
تطوُّرُ الدفاع الهجومي اليمني الاستراتيجي
إنَّ تطوُّرَ القوى الجوية والدفاعية والصاروخية اليمنية، والنقلات التي تحقّقت في هذا المجال، قد قلبت التوازنات الاستراتيجية الميدانية والتكتيكية.
هذه النهضة النوعية والأسطورية القياسية لقواتنا، كان لها الأثر الشديد في استهلاك العدو لخططه الاستراتيجية ومسارح الحرب التي أعدها بشكل أسرع بكثير مما وضع عليه حساباته واحتياطاته، الأمر الذي جعله يدخل في حالة تخبط وعدم اتساق وتشتت وتفكك داخلي، وتراجع في مستويات طموحاته مع أعلى السلم إلى أدناه.
وبالتأكيد فإن كُلّ ذلك كان له انعكاسه قد تترجم على مستوى ميدان المعركة بالخسائر والفشل المتواصل الفادح، أيضاً انعكس سياسياً على مسار المفاوضات والمباحثات والمواقف الدولية والعلاقات الدبلوماسية المحكومة بمنطق القوة والغلبة وتقاطعات المصالح.
وجاءت هذه النهضة الصاروخية بعد سنوات من الحرمان والمعاناة والتدمير، والفارق هنا هو امتلاكُ سلاح لطالما افتقد في مثل هذه المحطات المفصلية من عُمر الشعوب والأمم.
لقد واجه اليمني الحافي ذو السلاح الشخصي البسيط، العدوَّ المدرعَ بأحدث الأسلحة الغربية والتكنولوجيا العملاقة، والفارقُ والمفصلي هو امتلاك أهم الأسلحة وهي العقيدة والفكرة الوطنية التحررية الاستقلالية والانتماء الوطني والعروبي والإنْسَاني الأصيل.
وعلى الرغم من كون المقاتل اليمني قد ظل مقيداً في مسيراته وهجماته ودفاعاته ضد العدو بحكم التفوق الجوي، فإن ذلك لم يمنعْه وقيادته الثورية من إعادَة بناء (التصنيع العسكري) الوطني وكسر معادلة التفوق الجوي للعدو، وامتلاك شيء لطالما كان ُحلماً على المستوى القومي.
وبينما كانت النتائجُ تتنامى يوماً بعد آخر، وُضِعَ العدوُّ تحت الرقابة الاستراتيجية العميقة لقواتنا، واختراق قياداته العملياتية المركزية والجبهية..
واستطاعت العقلية القيادية المحنكة والعبقرية طيلة الفترة الماضية من الحفاظ على أسرار التصنيع العسكري الوطني وغيرها من القضايا المحورية طي الكتمان على الرغم من كثرة العمل الجاسوسي والاختراق العفاشي الداخلي.. وذلك ضمن مجموعة أساليب تكتيكية تنظيمية فاقت المتوقع والمتصور، وأذهلت المراقبين من الأعداء والأصدقاء..
ولا شك أن من أبرز انتكاسات العدو وانهيار مُخَطّطاته، كانت مُخَطّط حسم المعركة بغضون أسبوعين من بدئها في مارس 2015م.. ومن الجانب الآخر، إعلان العديد من شركات الأسلحة الأمريكية والأوروبية عزمَها مقاضاةَ السعوديّين على تدمير سُمعة صناعاتها لا سيما تلك الموسومة بـ(أيقونة الصناعات.. وفخر الصناعات).
الجوفُ مجالُ صراع محتدم يطول
المعركةُ في الجوف تتمازج استراتيجياً وسياسياً وحربياً.. إنها بيضة القبّان في جدار العدوان إذا خسرها خسر الحرب كلها على الجبهة الشرقية الصحراوية.
محورُ الجوف بموقعه المترامي الأطراف ومساحاته الكبيرة يشكل نقطة الصراع الاستراتيجي الأشد مستقبلاً؛ بِسَبَـبِ موقعه ومحتواه الاقتصادي النفطي الثري ومحاذاته للأمن السعوديّ ولحضرموت والمنطقة الشرقية ولنجران ومأرب وصنعاء وصعدة وعمران. وهو مغري للسعوديّة وأمريكا، فباعتقادهم أنهم سيجدون حروباً سهله فيه؛ بِسَبَـبِ انكشاف صحاريه أمام الطيران، وقد فاجأتهم قدرات الجيش اليمني والمقاتلين اليمنيين على التكيف في أي جغرافية كانت ومها كانت مصاعبها وشراستها.
الآن، العدو يواجه معضلات كبيرة هناك في الجوف ومعاركها، وما زال العدو يعتبرها مجالَه الحيوي الاستراتيجي؛ بحكم الموقع والمساحة الامتدادية والثروات الهائلة في جوفها والتي كانت منذ السبعينيات هي السببَ الرئيسيَّ للمواجهات السعوديّة والعدوان علينا؛ بهدف احتلاله على أجزاءٍ ومناطقَ، وفيه تكونت المقاومة الوطنية والجبهة الوطنية الأولى وشكلت قاعدة خلفية للجبهة الوطنية في مأرب والمناطق الشرقية الشمالية بكاملها وقناة التواصل الأكبر مع حضرموت والجنوب.
إن جغرافية الجوف تشكل المنطقة المثالية التي يريدها العدو لتكون ميدانَ استنزاف الجيش والأنصار، ويعتبرها البديلة الاستراتيجية لمأرب في حال تعرضت الأخيرة للاجتياح والتطهير من قبل الجيش واللجان، وَسبق له أن حقّق اختراقاتٍ مجتمعيةً من خلال المرتزقة؛ ولذلك ترمي السعوديّة بمرتزقتها على هذا اللواء الواسع المترامي الاختراقي الخطير التأثير المنفتح بحدوده على عدد من المحافظات المجاورة له ذات الأهميّة الاستراتيجية الكبرى. ورغم ذلك فالقوات اليمنية تحقّق في هذا المحور تقدمات باهرة على جبهات ومحاور ومناطق اليتمة والمتون والحزم وَالشعف والخنجر والجبل ومفرق الجوف ويام.
ويمكن أن نقدرَ تقديراً أولياً الموقفَ في الجوف أنه مهما خسرها العدوان تكتيكياً فهو مصممٌ على الاحتفاظ بها إلى الأخير؛ لأنَّ سقوط الجوف وتحريرها من أيدي المرتزقة، يعني قطع الخطوط التي كانت السعوديّة عبرها تعبر نحو مأرب والمحافظات الأُخْـرَى المجاورة للعاصمة، وسوف يضطر إلى إعادَة الهجمات من صحاري نجران وحضرموت لاستعادتها ومحيطها.
جبهةُ الساحل الغربي
لا يشكّلُ اختراقُ العدو على محاور الخوخة وحيس في نهاية ديسمبر17م ومطلع يناير18م، هجوماً جديداً منفصلاً عن سابقه المتعثر، بل هو ختامٌ للفصل الأول من الهجوم الساحلي الكبير السابق الذي تواصل منذ أواخر 2016م في سياق هجوم عدواني مضاد التفافي على عدة جبهات ومحاور.
إن ذلك الاختراق كان محاولة اصطناع حدثٍ سارٍّ في جو العتمة الحزين للعدوان بعد ديسمبر السوداء.
كان هذا الهجوم العام الالتفافي قد بدأ مع صعود ترامب نهاية العام قبل الماضي، لينكسر ويتعثر نهاية العام الماضي في جميع محاور انطلاقه، وشكل نهاية طور وبداية طور جديد على الساحل.
كان الهجوم الساحلي قد وصل إلى أزمته الميدانية في نهاية يوليو من العام الماضي بخسارته الهجمات المستمرة التي تواصلت لعامٍ كاملٍ على محور المخاء وموزع ومعسكر خالد والهاملي ويختل.
وبعد عام من الاستنزاف المتواصل لم يعد لدى العدوان المزيد من احتياطات المرتزقة لرميهم إلى أتون المحرقة المستعرة، وتفجرت حالة جنونية من السخط والنزاع البيني جراء الاستنزاف الهائل لطاقاتهم وقدراتهم.
ومن الملاحَظِ أن أزمةَ العدو الاستراتيجية كانت تبرز دوماً في عجزه عن شن الهجمات البرية الكبرى على المناطق المستهدفة المحورية، ويعودُ ذلك إلى ضَعف تركيبِه العددي، ما جعله عاجزاً عن تحمل أكلاف كُلّ هجوم كبير من البر.
هذا الوضعُ منع كسْرَ التوازن المختل استراتيجياً لصالح اليمن وجيشه وقواته الشعبية. فقد صار العدو في حالة تشتيت كبيرة، وتعدد الجبهات التي فتحها محاولاً إغراق اليمن في الاستنزاف والحصار، قد انقلبت عليه، فأزمته في العدد ونوعه وليست أزمة الوطن الذي استطاع تكوين جيش شعبي مليوني القوى والاحتياطات.
وهنا هو يحاول ملءَ هذه الثغرة القاتلة في العديد بالتسليح والعتاد والتكنلوجيا، وهذه الأخيرة فشلت وحُيِّدت، بل وتم تجاوزها مع التطوير والنهوض الصاروخي والتقني والتكنيكي اليمني الوطني.
وفي الجبهات الرئيسية، كان العدو وعلى الرغم من جمعه أعداداً كبيرة للهجوم، إلا أنها كانت هي كُلّ ما تشكل جيوشهم من المرتزقة، حيث يجري المناورة بالقوات وتركيزها عبر نقلها وتجميعها من جبهات ومراكز مختلفة، وإفراغ مناطق معينة من قواتها عند الهجوم حيث تكون بمثابة قوات مستعارة مؤقتة وليست ثابتة، أي أنها داعمة فقط وستعود إلى مواقعها قبل أن يكتشف فراغها منها.
وهذه في حقيقتها قوات إسناد هجوم جوي مرهونة بمدى تغطية الطيران الحربي وحمايته لها، ولا يمكنها خوض معارك مواجهة مباشرة وطويلة، وينص في عقود تشغيلها مع شركات المرتزقة الدوليين على عدم الزج بها في معارك العمق الرئيسية؛ ولذلك سَرعانَ ما تبادر إلى التراجع والانسحاب حين تشتد عليها الهجومات البرية اليمنية، أَوْ الفرار ومغادرة الحرب تماماً كما فعلت (بلاك ووتر).
لا تتحَـرّك هذه القوات بلا غطاء جوي يراهن عليه بكل شيء.. إنها قوات طفيلية، هي في الدرجة الدنيا من المعنويات، جيوش عبيد لا تستميتُ من أجل قضايا حقيقية، بل هم يخدمون بالأجرة أسياداً أغراباً عنهم لا يعرفونهم.
كانت خسائرُ العدو في هذا الهجوم الساحلي قد تضاعفت وتجاوزت الستة آلاف قتلى وجرحى ومئات الآليات والعربات. والمساحة المحدودة التي حصل عليها لم تكن نتيجةَ معارك حقيقية فاز بها في الميدان، بل هي نتيجة خيانات كانت تجري من قبل قوات عفاش التي ادّعت المشاركة في المعارك، وتقوم بذلك خلال الاشتباك والمعارك الحامية مع العدو أَوْ قبل اشتعال المعارك بفترة قليلة.
الساحلُ مصيدة
وكان محتواها أن يمهِّدَ العدوُّ لها بإسقاط الساحل الغربي جنوب الحديدة وميدي حرض، وأن تكون الحديدة قد حوصرت من البحر ومن الساحل الجنوبي الشرقي والشمالي وعُزلت عن محيطها الداخلي وأن يكون قسمٌ كبيرٌ من الجيش والأنصار قد تم دفعهم إلى الساحل التهامي لمواجهة الخطر الاحتلالي الخارجي الكبير، مترافقاً مع هجوم كبير على الجبهات الشرقية والغربية والشمالية للعاصمة.
في تلك اللحظات الحاسمة سوف يتم تفجير مؤامرة عفاش المركزية لإسقاط العاصمة من الداخل وقطع إمدادات الجبهات الشمالية والشرقية والجنوبية الغربية؛ لأنَّ مناورة عفاش عندما تأتي منعزلةً عن هجوم شامل تصبح لا قيمة استراتيجية لها ولا أهميّة تكتيكية ميدانية كبيرة ولا فرص لنجاحها من البداية؛ لأنَّها تجري في غير ساحة العدوان وخارج سيطرته على الآفاق الاستراتيجية وليست جزء من هجومه العام والشامل.
هذا يعني أن العدوانَ في ديسمبر كان لديه مُخَطّطٌ استراتيجي لهجوم شامل، لكن المشيئة الربانية ويقظة القيادة والرجال كانت بمواجهة ذلك.
فمنطقياً، لا يمكن للعدو تحريكُ قوى احتياطية استراتيجية خلف خطوطنا وفي عُمقنا، متوغلةً في نقاط تتقاسم معنا السيطرة عليها، دون تحَـرّك مقابل من الجهة الأُخْـرَى بحيث يحقّق اختراق كامل يتصل ببعضه من الجهتين.
كما أنَّ حركة ديسمبر لم تتم من استفزاز بادر إليه الجيش والأنصار للاشتباك، بل إن ما حدث كان ضمن تخطيط شامل للعدوان تواصل لما لا يقل عن عام بإشراف وتخطيط جنرالات إسرائيليين وأمريكيين بقيادة الصهيوني شاحاك وزير الحرب الإسرائيلي السابق حسب ما أوردت الصحافة الإسرائيلية منها هارتس، وتم ذلك في جزيرة سقطرى.
وصحيحٌ أن المُخَطّط أعد بتركيز خاص وأريد له أن يظهر وكأنه حالة فجائية قامت كرد فعل، لكنه كان حلقة ضمن سلسلة استراتيجية طويلة مترابطة ومتلاحقة ببعضها البعض لا تتحَـرّك حلقه منها إلا بمعاونة حركة الحلقات الأُخْـرَى، كُلٌّ في نطاق تأثيرها، بالتوالي أَوْ في وقت متقارِب.
لقد بنى العدوانُ مشروعَه الهجومي الكبير على أساس الافتراض أنه سوف يحقّق الترابطَ الاستراتيجي فيه من خلال ترابطات تكتيكية ميدانية فعلية يتم التمهيد لها بمجموعة من المهام الحاسمة، التي هي في جوهرها الحقيقي مشروع استراتيجي مستقل كامل وكبير لم يتحقّق في الميدان ذلك أن قيادة العدوان أرادت دمجَها معاً بضربة خاطفة واحدة مشتركة!!
جنونٌ استراتيجي قاتل
قيادةُ العدوان تعاني قدراً من الجنون الاستراتيجي والسياسي يتم تغطيته بالتضحيات الهائلة لأُجَرَائها من المرتزِقة الذين ينزفون نيابةً عنها في مغامراتها المجنونة دون مبالاة بالأرواح؛ ولذلك يغيبُ المنطقُ الموضوعي أحياناً لتفسير أعمالها ومغامراتها، فلا منطق يحكم تصرفاتِها سوى الرغبة الذاتية في اختزال المهام والأكلاف بالقفز على الضرورات العددية والمعنوية والمادية لأي هجوم كبير –حسب القواعد الكلاسيكية للحرب التي يخوضونها-؛ ولذلك تُمنَى مشروعاتُها في النهاية بالخذلان أمام خصمٍ صلبٍ قوي مؤمن.