القُـرْآنُ الكريمُ وقرناؤه
د. يوسف الحاضري
دعونا في البداية نستوضحُ معنى كلمة (قرين)، قرينٌ بمعنى الشيء الملازم للشيء، فيقال: أقترن الشيء بشيء، أي ألتقيا وارتبطا والتزما قال تعالى (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)، أي ملازمين له.
والقرينُ هنا لا يعني المساواة في المكانة والمنزلة والقيمة والعظمة بين القرين والمقترن، فقد يقترن الشمس بالقمر، أي يكونان في مدار واحد ويقترن نجم كبير بنجم صغير أي يلتزمان مسار واحد أَوْ يقترن جني بإنسي أَوْ شيطان بإنْسَان (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) وقد يكون أكثر من قرين لشيء واحد (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)
قرينُك هو صديقك المقرب أكثر من الأخ وهو الذي تتأثر منه وتؤثر عليه.. قرينك هو الذي تقضي معه وقتاً أكثر من أي شيء آخر، قرينك هو الذي يفهمك أكثر من أي شخص آخر، هناك أناس أَصْبَـحوا قرناء للتلفاز وللفيس بوك وللواتس وللشياطين… وهناك أناس أَصْبَـحوا قرناء للمال فيقضوا اوقاتهم بين المال وجمع المال وهكذا… وهناك بالمقابل اناس اقترنوا بالقُـرْآن الكريم فلازموا القُـرْآن وفهموا حق فهمه واستوعبوه حق استيعابه وعملوا به حق العمل وحركوا الأُمَّـة به بعد أن دثره الجميع خَاصَّة من يدعون أنهم حفاظ للقُـرْآن.
تعالوا الآن نتكلم عن السيد حسين الحوثي كمرتبط بالقُـرْآن ونضع بعض النماذج الأُخْـرَى الذي من ظاهرها مرتبطة بالقُـرْآن وننظر من هو أحق الناس أن نطلق عليه قريناً للقُـرْآن.. ومن هذه النماذج (إمام الحرم السديس مثلاً)..
السديس حافظ للقُـرْآن حفظاً لا مثيل به تقريباً وإمامٌ للحرم وصوته أَصْبَـح مقترناً بالقُـرْآن كتلاوة خلال أكثر من 30 عَاماً تقريباً.. ولكن ما الذي غيّره السديس معتمداً على القُـرْآن على مستوى المجتمع الإسْلَامي والذي حوله !!! بل ما الذي يمكن أن نستشف من حركته وفكره ونصحه وتوجيهاته يمكن أن نشير له بالبنان أن هذا بالفعل يحفظ القُـرْآن ويؤمن بما يحفظه من خلال عمله وحركته!!! لا شيء تقريباً، ولعل أكبر كارثة أن هذا الحافظ للقُـرْآن قال في كثير من المناسبات عن الصهيوني ترامب رئيس أمريكا بأنه أمل الأُمَّـة الإسْلَامية والعالم في تحقيق الأمن والسلام، وأنه يدعو له أن يوفقه الله تعالى في ذلك عوضاً عن أنه بارك العدوان على اليمن ودعا لأن تكون حرباً مذهبية طائفية لا تبقي ولا تذر.. فهل يا ترى القُـرْآن يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) وهل القُـرْآن ذو منهجية ضعيفة مذلة حتى يجعل من أتباعه يبحثون عن جهة أُخْـرَى خارجة عن القُـرْآن ليركنوا إليها ويعتمدوا عليها حارج دائرة الإسْلَام والقُـرْآن، كما فعل هذا الشيخ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)، هؤلاء منافقون كما وصفهم الله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).. وبعد كُلّ هذه الدلائل والشواهد هل يمكن أن تطلقوا على هذا (قرين القُـرْآن؟؟) هل اقترن به عملياً وحركياً وفكرياً ونفسياً أَمْ فقط اقترن به مادياً ومصدر رزق وسلطة وهنجمة وغير ذلك !!!!
تعالوا الآن إلى السيد حسين الحوثي، وتعالوا انظروا إلى ملازمه التي أطلق عليها (من هدي القُـرْآن) والتي ارتبط بالقُـرْآن وشرح آيات منه وربطها ربطاً حقيقياً نفسياً وحركياً بنا، فلم نسمع أنه تطرق إلى قضية مجتمعية أَوْ سياسية أَوْ اقتصادية أَوْ فكرية أَوْ ثقافية أَوْ أية قضية دون أن يربطها بالقُـرْآن الكريم بل هو صاحب الجملة العظيمة (عين على القُـرْآن وعين على الحدث) وهو الذي وضع لنا منهجية عظيمة نستطيع من خلالها النظر للأحداث من حولنا بالقُـرْآن الكريم ونفهم نفسية العدو ونفهم تحَـرّكاته ونعمل لأجل مواجهة كُلّ ذلك وفق القُـرْآن الكريم لذا أطلق شعاره الشهير (الصرخة) مرتبطاً بالقُـرْآن الكريم (الله أكبر) وكبّره تكبيرا، (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) قل موتوا بغيظكم، فقاتلوا أئمة الكفر، (اللعنة على اليهود) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)، (النصر للإسْلَام).. ثم بعد ذلك استثار أعداء الأُمَّـة من الأمريكان والصهاينة، فقاتلوه وأتباعه 6 حروب وسقط شهيداً في أول حرب في 2004م، واستمرت حركته ومنهجيته القُـرْآنية تتوسع وتنتشر حتى عمت الجمهورية اليمنية كَاملة قبل أن تقام عليها الحرب العالمية الكبرى (عاصفة الحزم) ومازالت مستمرة في عامها الرابع ولكن لم ينتصروا لأن اتباع السيد حسين يتصدون للعدوان مستخدمين دروس السيد ومفاهيمها العسكرية الاقتصادية الفكرية الدينية السياسية المقتبسة من القُـرْآن فتحَـرّك القُـرْآن بفكر السيد حسين، وأَصْبَـح دروساً للعيان وآيات بينات واضحة يتساقط العالم أجمع تحت أقدام من يحمل هذه المشاعر وهذه المنهجية والجميع يشاهد ذلك.. فهل يمكن أن نطلق على السيد حسين الحوثي بـ(قرين القُـرْآن) !!!
بطبيعة الحال نعم هو قرين القُـرْآن وكل آل البيت (عِترة النبي) من التزموا نور الله هم قرناء للقُـرْآن (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، فإن العليم الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) “لن يفترقا” أي قرناء مرتبطان ملتزمان..
هذا باختصارٍ شديد وتوضيح مبسط معنى مفهوم (قرين القُـرْآن)، ولماذا نطلق عليه قرين القُـرْآن في وقت أن أمثال السديس لا يمكن أن يطلق عليهم بأكثر من منافقين دجالين كهنة المعبد وغير ذلك من مسميات حتى ولو كان صوته يتغنى بالقُـرْآن أمام الحجر الأسود في الحرم المكي كُلّ يوم خمس مرات ما دام أنه لم يتحَـرّك بآية واحدة ولم تحَـرّكه آية واحدة.
كُلُّ مَن بنى في نفسيته صورة سلبية مسبقة عن السيد حسين الحوثي سلام الله عليه دون أن يسمعه أَوْ يقرأ له فهؤلاء قد لا تؤثر فيهم أية أطروحات وتوضيحات معينة كهذا التوضيح، بل يرى في كلمة (قرين) أنها تعني (شريك أَوْ القدوس أَوْ أَوْ أَوْ)، فيرى أن استخدمنا لها في وصف السيد شيئاً خطيراً وأننا نضخمه أعظم من النبي محمد، وغير ذلك من تلك الأطروحات التي رمى الشيطان في قلوبهم بها مسبقاً فأَصْبَـحوا في غيهم يعمهون، وسواء عليهم أوضحت لهم أم لم توضح لهم لن يفهموا.
فسلامُ الله على قرين القُـرْآن الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي من أوجدنا بعد الإيجاد ومن أحيانا بالقُـرْآن الكريم، ومن وضّح لنا مسارَنا السليم وهدانا للصراط المستقيم بالقُـرْآن بعد أن كنا في ظلمات بعضها فوق بعض إذَا أخرجنا أيدينا لم نكد نراها، وكنا نظن أن لدينا أعمال صالحة حتى إذَا جئناها وجدناها سراباً بقيعة تتلاشى ونبقى عطشى…
ملاحظة قبل الختام:
أدرك تَمَاماً أنني كنت مخطئاً عندما قارنت قرين القُـرْآن السيد حسين بقرين الشيطان السديس في ضربي للأمثال، ولكن ليستوضح الكثيرُ ممن ما زال يعتقد في أولئك الشياطين أنهم أناس طاهرون)).