وقفة مع برنامج رجال الله.. في ظلال دعاء مكارم الأَخْلَاق – الدرس الأول 4 – 5
المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين
من خلال ما استعرضناه في الأعداد السابقة، من عرضٍ لمقتطفاتٍ من هذه المحاضرة، نجد أن رصيد الأحداث التي استدلَّ بها الشهيدُ القائد (رضوان الله عليه)؛ كان لاستلهام الدروس والعبر، وليس لمجرد الترف الفكري، أَوْ للتباكي على الماضي..! فالكثير من تلك الأحداث قد نجدها تتكرر وتستمر، فيما لو استمرت حالة [الخذلان والتفريط] تجاه الحق، وتجاه أعلام الهدى، وتجاه توجيهاتهم.. فسنن الله في خلقه واحدة لا تتبدل ولا تتغير، ونحن معنيون اليوم أن نستفيد من تلك الأحداث.
اليمنيون يخوضون نفس التجربة التي خاضها أصحابُ الإمام علي (ع):
وفي ظل هذا [العدوان الصهيو أمريكي السعودي] على اليمن، نحن اليمنيون نخوض نفس التجربة، ونفس الامتحان الذي تعرّضَ له أصحابُ الإمام علي (عليه السلام)، بل قد تكون المواجهة اليوم هي الأخطر على الأُمَّـة؛ لأننا في مواجهة صريحة مع اليهود الذين يمتلكون اليوم قدرات هائلة، وقد وصلت أياديهم وأساليبهم الماكرة إلى كُلّ شيء يمسّ حياتنا، وثقافتنا، وقوْتنا، وهو ما سينعكس على الأجيال اللاحقة، فيما لو حصل تخاذل وتفريط؛ لذلك لا يكفي أن نقول: ما دمنا نحن اليمنيون مظلومين، وما دام الحق معنا سينصرنا الله..!!..
لا..، لا بُدَّ أن نكون على مستوى عالٍ من الوعي، وعلى قدرٍ كبير من الإيْمَان، وأن يكون وعيًا وإيْمَانًا عمليًا، وأن نكون بمستوى الأحداث، والتطورات.. ويجب أن نعرف قدر علَم هذه الأُمَّـة وقائد المسيرة [السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي] (يحفظه الله).. وألاّ نقع فيما وقع فيه أصحابُ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عندما لم يعرفوا قدر هذا القائد العظيم، ولم يلتزموا بتوجيهاته، ولم يحملوا روحيته، بالرغم من أنه (عليه السلام) كان يوعيهم، ويعظهم بشكلٍ دائم ومستمر، وكان قرآنًا يمشي على الأرض.. لكن إيْمَانهم الناقص، وقلة وعيهم، أدَّى إلى أن يُقتل بينهم في محراب مسجده..!!.
لذلك يؤكد الشهيدُ القائدُ على أن الإمام علياً (عليه السلام) كانت توجيهاته تركز على أصحابه بشكلٍ كبير؛ لأن الحسم مع العدو هي مسألة محسومة، فعندما نتأمل في القُـرْآن الكريم، وفي الأحداث نجد أن [أسباب النصر] مختزلة في [جند الحق] وفي المحسوبين على أهل الحق؛ حيث يقول الله تعالى في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فقد ذكر اللهُ سبحانه أربعة أسباب للنصر، هي: [الثبات، والذكر الكثير لله، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع]. هذه الأسباب لا بدّ أن تكون حاضرةً في واقع أهل الحق والمحسوبين على الحق، أما الأعداء فأمرهم محسوم، فمسألة النصر تعتمد أساسًا على الروحية التي يحملها أهلُ الحق، وعلى حجم إيْمَانهم ودرجة الوعي لديهم.
ولذلك كان الإمام علي (عليه السلام) حريصًا على رفع درجة الوعي بين أصحابه، ومما قاله السيد حسين بدر الدين الحوثي في ذلك:
((كان الإمام علي (عليه السلام) يحذِّر, وعندما كان يحذر كان يوجه تحذيره إلى جيشه, إلى أصحابه، وليس إلى أولئك إلى جيش معاوية، يقول لأهل العراق: (والله إني لأخشى أن يدال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم). كان جيش معاوية يجتمعون تحت رايته لكن أصحاب الإمام علي كانوا يتخاذلون ويتثاقلون، والتفرق قائم بينهم, لا يتحركون إلا بعد عناء وتعب شديد وتحريض مستمر. ما الذي جعلهم على هذا النحو؟ هو قلة إيْمَانهم.. )).
((كان هو يقول: ((لو استقرت قدماي في هذه المداحض لغيرت أشياء))، أشياء كانت قد ترسخت خطيرة.. لماذا لم يقفوا معه ليتمكن من تغيير تلك الأشياء، ومن إعادة بناء الأُمَّـة على أساس صحيح فيحظوا هم يحظوا بالسبق فيكونوا كالسابقين في بدر، ولكن تخاذلوا لضعف وعيهم، لقلة إيْمَانهم)).
من يضعون لأنفسهم خطًا معينًا هم من تكثر جنايتُهم على الأُمَّـة:
لذلك نجد أن من لا يكترثون للأحداث من حولهم، ومن لا يعتبرون أنفسهم معنيين سوى بالامتثال لأربع طاعات هي: الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، ويتجنبون أربع معاصي هي: القتل، والزنا، وشرب الخمر، والسرقة، من يفهم أن هذا هو الدين فحسب فهو قاصرٌ في وعيه، وناقصٌ في إيْمَانه.. وهو يحمل روحية بني إسرائيل الذين وصفهم القُـرْآنُ الكريم بأنهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فلم يكن كفرهم ببعض الكتاب لأنهم ينكرونه؛ وإنما لأنهم كانوا يتركون ذلك البعض ولا يعملون به، ويرسمون لأنفسهم خطًا معينًا من الدين لا يتجاوزونه!!.
وقد اعتبر [الشهيدُ القائد] من خلال تأمله فيما عرضه القُـرْآنُ الكريم من قصص الأمم الماضية، ومن خلال استقراءه للأحداث، أن أولئك الذين رسموا لأنفسهم خطًا معينًا في هذه الحياة، هم مَن أعجزوا الأنبياء، وهم مَن أعجزوا القُـرْآن، وهم مَن أعجزوا رسول الله محمدًا، وهم مَن أعجزوا الإمام عليًا، وبالتالي هم مَن كثرت جنايتُهم على هذه الأُمَّـة بتفريطهم، وخذلانهم. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):
((هذه هي مشكلة الناس، مشكلة الناس في كُلّ زمان, في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، في أيام الإمام علي (عليه السلام)، في كُلّ زمان, الذين لا يفتحون آذانهم لا يمكن أن يؤثر فيهم أي شيء، هم الذين يعجزون القُـرْآن، ويعجزون محمداً, ويعجزون علياً, ويعجزون كُلّ أولياء الله، يجعلونهم عاجزين أمامهم، الذين لا يفتحون آذانهم، أَوْ يفتحونها فترة ثم يضعون لأنفسهم خطاً معيناً ويرون بأنهم قد اكتفوا، هؤلاء هم من تكثر جنايتهم على الأُمَّـة, وعلى الدين جيلاً بعد جيل.
ونحن نحذر دائماً من أن يضع الإنسان لنفسه خطاً، فإذا ما رأى بأن ظروف المعيشة هيأته إلى أن يتفرغ أكثر من جانب من جوانب العبادة كالصلاة مثلا ً، كما يستمع موعظة هنا وموعظة هناك مرة أَوْ مرتين، ثم يقول: الحمد لله اكتفيت!)).
((من الوعي أن تفهم هذه النقطة، من الوعي أن يفهم المؤمنون هذه النقطة الخطيرة: أنه فيما إذا تخاذلت أنا سيكون تخاذلي جناية على الأُمَّـة، جناية على الأُمَّـة في الحاضر والمستقبل، وسأكون أنا من يتحمل أوزار من بعدي، أوزار كُلّ من ضلوا، وفسادهم وضلالهم من بعدي جيلاً بعد جيل، أولئك عندما تخاذلوا عن نصرة الإمام علي لضعف وعيهم وقلة إيْمَانهم، مع كثرة ركوعهم وكثرة تلاوتهم للقُـرْآن، هم من حالوا دون أن تسود دولة الإمام علي (عليه السلام) ويهزم جانب النفاق والتضليل، جانب معاوية)).