وقفة مع برنامج رجال الله.. في ظلال دعاء مكارم الأَخْــلَاق – الدرس الأول 5 – 5
المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين
في خضم هذه الأحداث والمتغيرات الماثلة أمامنا، نجد أنّ الباطل، والمتمثل اليوم في مثلث الشرّ والإرْهَاب العالمي: [أمريكا وإسرائيل والسعوديّة]، نجدهم هم من يطورون أساليبهم، هم من يسعون لابتكار الوسائل الحديثة والمتنوعة، للسيطرة على الشعوب، ومسخ الهُوية، ونشر الرذيلة، وهدم الفضيلة والقيم العليا. وإذا لم يكن جندُ الحق بمستوى هذه الأحداث فإنّ الباطل الأمريكي والنفاق السعوديّ سيتجاوزهم..
النظام السعوديّ والإماراتي كأحد الشواهد على خطورة النفاق:
وها هو اليوم [ولي العُهر السعوديّ] محمد بن سلمان خلال زيارته الـأخيرة لواشنطن، يتعاقد مع أَكْبَـر منتج سينمائي يهودي في العالم، وهو الملياردير الإسرائيلي [حاييم سابان]، الذي يعتبر أَكْبَـر الممولين للجيش الإسرائيلي، وبحسب صحيفة “كالكيلست” الصهيونية، فإنّ لقاء ولي العُهر السعوديّ بحاييم سابان جاء بهدف بحث فرص الإسهام في تدشين “مشاريع فنية وثقافية” في السعوديّة، وفتح المجال لهذا المنتِج الصهيوني للاستثمار في مجال الإنتاج السينمائي والإعْلَاني في المملكة، وتم الاتفاق على تدشين أَكْثَـر من مئة دارٍ للسينما في أنحاء المملكة..!!.
ولنا أن نضع ألف علامة استفهام أمام هذه الخطوة وغيرها من الخطوات، فما الهدف من تدشين ما يسمى بمشاريع فنية وثقافية في هذه المرحلة بالذات؟؟!! ولماذا إسرائيل بالذات هي من ستستثمر في [المجال الثقافي والفني] وفي أرض مكة والمدينة؟؟!!
ولماذا لا يتم التعاقد مثلاً مع دولة عربية كجمهورية مصر مثلاً؟؟!!. طبعًا الجواب معروف، والأّيَّـام القليلة القادمة ستكشف الحقيقة أَكْثَـر مما هي منكشفة..
فهذه الهرولة والمسارعة العجيبة للنظام السعوديّ باتجاه أمريكا وإسرائيل، والتي ليست مسارعة سياسيةً فحسب، بل مسارعة ثقافية وفكرية وأَخْــلَاقية، هذه الهرولة القبيحة هي إحدى الشواهد الماثلة أمامنا، والتي تؤكد أنّ أهل الباطل والنفاق يسعون لتطوير نفاقهم، وتنمية أساليبهم؛ حتى يتمكنوا من ضرب النفوس والروحيات، وبالتالي يتصورون من خلال ذلك أنهم سيبقون على عروشهم إلى أبد الآبدين..
وفي المقابل هذا الواقع السيء يتطلب من أهل الحق، وممن يُحسبون على الحق أن يُنموا إيْمَـانهم ووعيهم، وأن يطوروا أساليبهم، وقدراتهم؛ ليكونوا بمستوى المرحلة، وإلا فإنّ [الباطل الصهيوأمريكي] و[النفاق السعوإماراتي] سيكون هو المسيطر، والطاغي على واقع المنطقة والجزيرة العربية على وجه الخصوص.. ومما قاله السيد حسين بدر الدين الحوثي في هذا الجانب:
((إذا أنت لم تربّ نفسك، إذَا أنت لم تنمّ إيْمَـانك ووعيك، فإن المنافقين هم من ينمون نفاقهم، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مردة، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير, قادرين على ضرب النفوس، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ}(التوبة: من الآية 101) من خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن بقية الناس، أنهم منافقون، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط, عبارات الخذلان فيؤثرون على هذا وعلى هذا، وعلى هذا، تأثيرا كبيراً، هؤلاء مردة، كيف أصبحوا مردة؟)).
الوعي لا قيمة له إذَا لم يتحول إلى يقين يؤهل للاستقامة والثبات:
إنّ الوعيَ وكمالَ الإيْمَـان إذَا لم يتحول إلى يقينٍ في النفس، وإلى واقعٍ عملي فإنه يظل مجرد معلومات لا أَكْثَـر ولا أقل، فما لم يحصل تغيير في واقع الإنْسَان فإن ذلك الوعي والإيْمَـان يتبخر.. لذلك نجد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء مكارم الأَخْــلَاق بعد أن قال: اللهم بلغ بإيْمَـاني أكمل الإيْمَـان.. يقول: (واجعل يقيني أفضل اليقين).. فاليقين هو درجات في سُلّم الكمال الإنْسَاني، مثله مثل الإيْمَـان.
وعندما نتأمل في واقع الكثير من الناس من حولنا قد نجد البعض على درجة عالية من الوعي، ولكنه في واقعه لا يختلف عن الجاهل أَوْ عن قليل الوعي والإيْمَـان.. ومما قاله الشهيدُ القائد في ذلك:
((يكون الوعي أحياناً بشكل معلومات مهما بلغت درجته، يكون بشكل معلومات في نفسك حتى يطمئن إليه قلبك ويستقر في قلبك فتبلغ درجة اليقين التي تؤهلك للاستقامة والثبات. أليس القُـرْآن الكريم هو أرفع درجات الوعي؟ احمل مصحفاً صغيراً في جيبك هل ستكون واعيا إلى درجة عالية؟ لا. قد تكون في أعمالك بالشكل الذي يضرب القُـرْآن وهو في جيبك. لا بد للأشياء أن تنتهي في نفسك إلى درجة اليقين، تترسخ فتنطلق هي لتجعل من قوامك مستقيماً مستقراً ثابتاً {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(فصلت: من الآية30) {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} قالوها بألسنتهم فوعوا معانيها، ثم ترسخت في أنفسهم بشكل يقين فاستقاموا، استقاموا وثبتوا)).
انتشار الشيوعية بين المسلمين كان نتيجةً لضعف اليقين:
ويشير السيد (رضوان الله عليه) إلى بعض الشواهد في هذا العصر، والتي تدل على خطورة [ضعف اليقين] بين المسلمين، مما جعل الأفكار [الشيوعية] تجتاح أوساطهم عبر مسميات، وتيارات سياسية، وثقافية مختلفة، وكذلك ما نراه اليوم في بلدنا من محاولات صهيونية بائسة تستهدف الهُوية الإسْلَامية الأصيلة للمجتمع اليمني المسلم، وذلك من خلال ضخّ العديد من التيارات الدخيلة على الإسْلَام كــ[الوهَّـابية، والبهائية، والأحمدية]؛ والتي تعمل اليوم بموازاة العدوان الأمريكي السعوديّ، وتشكل عَصَب [الحرب الناعمة] التي تقودها الولايات المتحدة بتخطيطٍ صهيوني، وتمويل سعوديّ إماراتي، تستهدف الهوية، والثقافة، والقيم في اليمن والمنطقة.. ومما قاله الشهيدُ القائد في ذلك:
((أوَلم تنتشر [الشيوعية] في بقعة كبيرة من الدنيا في أوساط البلدان الإسْلَامية؟ أَوْ لم يكن هناك من يظهر من بينهم فيتحدى المسلمين، ويتحدى علماء المسلمين, يناظرهم، هناك فلاسفة برزوا من بينهم يستطيعون أن يصيغوا الشـُّبَه، وينمقوا بزخارف القول باطلهم الذي يؤدي إلى الإلحاد بالله سبحانه وتعالى فخدعوا شعوباً كثيرة. إذَا لم يكن لديك يقين فستسمع الكثير، الكثير مما يعمل على أن يملأ قلبك ارتياباً وشكًّاً في طريقتك التي أنت عليها، في من يقودك، في من يهديك، حتى في الدين الذي أنت عليه, حتى في الإله الذي أنت تعبده)).
النية السليمة تجعل للأعمال والتضحيات قيمتها:
بعد أن يسعى الإنْسَان ليبلغ بإيْمَـانه أكمل الإيْمَـان، وبيقينه أفضل اليقين، من خلال الإلحاح لله بالدعاء، ومن خلال بعض الأعمال التي ترتقي بالإيْمَـان وتنمّي الوعي، وترسخ اليقين، كـ[البرنامج اليومي]، والتأمل العميق في آيات القُـرْآن، واستيعاب محاضرات ودروس الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، والمواظبة على حضور واستيعاب دروس السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، والتأمل في أحداث ومتغيرات هذا العالم، وغيرها من الأعمال الصالحة كالإحسان والجهاد والإنفاق، فهذه الأعمال وغيرها هي مما ترتقي بالإيْمَـان، وترفع درجة الوعي، وترسخ اليقين. ولا بدّ أيضًا للإنْسَان أن يدعو اللهَ بأن ينتهي بنيته إلى أفضل النيات، ولذلك يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وانته بنيتي إلى أحسن النيات).. فالنية الصالحة هي محور الأعمال، مالم فلن يكون لأيّ عمل، أَوْ تضحيات قيمة. ومما قاله الشهيدُ القائد:
((النية نفسها مهمة جداً, هي قصدك وأنت تتحرك في مختلف ميادين العبادة لله سبحانه وتعالى, توجهك، هي النية التي تجعل لعملك قيمة أَوْ تجعله لا قيمة له حتى وإن سقطت ضحية في الميدان، وليست تلك النية التي تجعل كُلّ قطرة من دمك تتحول إلى مسك يوم تبعث بين يدي الله, إذَا لم تكن نيتك هي النية التي تجعل روحك تعيش في عالم آخر حيا فستكون أعمالك كلها لا قيمة لها، بذلك كله لا قيمة له، تضحياتك كلها لا قيمة لها.
ولأهميّة النية تتكرر في القُـرْآن الكريم – وهو يأمر عباده في مختلف مجالات ميادين العبادة – أن عليهم أن يتوجهوا بعبادتهم إليه {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ})).
ويؤكد الشهيدُ القائد على أهميّة أن تكون النية في كافة الأعمال والميادين متجهة نحو سبيل الله، وإعلاء كلمة الله.. ومما قاله في ذلك: ((يجب أن يكون توجهك وتكون نيتك وقصدك وأنت تتحرك في ميادين العمل في سبيل الله، ميادين أعمال الجهاد أن يكون ذلك كله في سبيل الله، من أجل الله من أجل نصر دينه، من أجل إعلاء كلمته. لا أريد من هذا أن يقدر لي عملي, ولا أريد من هذا أن يشكرني على ما عملت, ولا أريد من هذا أن يعلم ماذا صنعت ولا أريد من هذا أن يعلم أثر ما قدمت، أريد ممن يعلم الغيب والشهادة هو وحده أن يكتب لي أجر ما عملت، وأن يتقبل مني ما عملت وبدون منّة عليه..)).
الإخلاصُ له دورٌ كبيرٌ في توحيد كلمة المؤمنين العاملين وفاعليتهم:
وفيما يتعلق بإخلاص النية والعمل لله وحده، يعتبر الشهيدُ القائد أن الإخلاص له أثره المهم في توحيد كلمة المجاهدين، والعاملين. ومما قاله في ذلك: ((هذا هو فيما يتعلق بقيمة الإخلاص لله، فيما يتعلق بأجر العمل وهو في نفس الوقت له أثره المهم في توحيد كلمة الأمة، توحيد كلمة المجموعة، توحيد كلمة العاملين، بل وفاعليتهم سينطلقون بجد حتى وإن كان في ظلمات الليل في الصحراء لا ينتظر لأحد أن يلتفت إليه فيقول: ما شاء الله. يرى نفسه في حالة شديدة في الصحراء من البرد، من الجوع، من الألم لا يخطر بباله أن يتمنى [أن فلان يراني ليعرف أني أحسن من ذلك الشخص الذي رابض عنده أَوْ أحسن من فلان الذي يعتمد عليه… أَوْ… أَوْ…] من هذه العبارات الكثيرة. هو وحده واثق أن هناك من يراه هو الله، وهذا هو المهم أن يكون الله الذي يراه، هو وحده الذي يقبل عمله ذلك.. أليس الإخلاص هو الذي سيجعل كُلّ جندي يتفانى في أي ميدان هو؟. أليس الذي هو سيقفل كُلّ بواعث التفرق؟)).
أهميّة أن يشترك الإنْسَان في أحسن الأعمال ويكون سبّاقًا إليها:
ويؤكد الشهيدُ القائدُ على أهميّة أن يكونَ الإنْسَانُ سبّاقًا إلى أحسن الأعمال ومشاركًا فيها، خَاصَّـة بعد أن يكون قد ارتقى في مجال إيْمَـانه، ووعيه، ويقينه، ونيته.. ومما قاله (رضوان الله عليه): ((ويقول – الإمام زين العابدين – (عليه السلام): ((وانته بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال)). كما أنه مطلوب منا في مقام الإيْمَـان، في مجال اليقين [أن تسعى إلى درجة الكمال في إيْمَـانك في يقينك في نيتك، كذلك في الأعمال نفسها] لا تكن ممن يرضى لنفسه أن يقف عند أعمال معينة، أن يضع لنفسه روتيناً معيّنا في الحياة، في العمل لله.. حاول دَائماً أن تبحث عن أحسن الأعمال، أن تشترك في أحسن الأعمال، أن تدخل في أحسن الأعمال، بل أن تكون سباقاً إليها)).