العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي: سوريا تنتصر
المسيرة: إبراهيم السراجي
على الرغمِ من خروجِ سوريا منتصرةً بمواجهة العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي، إلا أن ذلك العدوانَ، الذي خاب، عكس استمرارَ انحدار الموقف العربي، وخصوصاً من قبل أنظمة الخليج التي سارعت لتأييدِ العدوان، بل والسماح بانطلاق الطائرات والسفن الحربية من أراضيها، إلا أن اليمنَ وإلى جانب محور المقاومة، ورغم ما تتعرّضُ له من عدوان أمريكي بأدواتٍ سعودية إماراتية وخذلان عربي، تعالى على جراحِه ولم ينشغل بها، فخرجت الإداناتُ والمواقفُ القوية على نحو يشرِّفُ الشعبَ اليمني الذي يحتفل بعامٍ رابعٍ من الصمود.
قبيل ساعات من بدء العدوان الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا، ليل الجمعة/ السبت، كانت الولاياتُ المتحدة قد تحوّلت لأضحوكة أمام العالم، فرئيسُها دونالد ترامب يهوى مواقعَ التواصل الاجتماعي، يطلق المواقفَ الكبيرةَ عبر صفحته بموقع تويتر ثم ينتظر حجمَ التفاعل مع تغريدته من قبل متابعيه وليس من دول العالم، ووصل الأمرُ لمستوى أن روسيا رفضت التعليقَ على التهديدات التي أطلقها ترامب ضدها، معتبرةً أن الأخيرَ لا يمثل دولةً عظمى بل مجرد “مغرّد” يكتب تغريدةً في موقع للتواصل، فيما كان مستشارو ترامب في حيرة من أمرهم، فقد ورّطهم رئيسُهم بعدة “تغريدات” تهدد بقصف سوريا، فيما ليس لدى واشنطن أية استراتيجية للعدوان على سوريا سوى أن رئيسَها قال إنه سيفعل ذلك؛ لأنه يهوى الثرثرة في صفحته بموقع تويتر.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، اجتمع وزيرُ الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، بالرئيس ترامب وقادة عسكريين، وأبدى الأول قلقه من أنه لا توجد لدى أمريكا رؤية لما يمكن تحقيقه من نتائجَ في حال توجيه ضربة محدودة لسوريا، وأيضاً كان ماتيس قلقاً من أن توجيه ضربة كبرى لسوريا قد تستفز حلفاء سوريا على رأسهم روسيا وإيران وتجبرهم على الرد بنفس المستوى فتدخل المنطقة في حرب شاملة لم تعد أمريكا قادرةً على تحملها.
وبالنظر لنتائج العدوان الذي وقع، فقد بدا الأمر أن أمريكا اضطرت لتوجيه ضربة بدون استراتيجية تحفظ ماءَ وجهها، أو بمعنى آخر تُخرِجُها من ورطة تغريدات ترامب في موقع تويتر، أما سوريا بعد ثماني سنوات من الحرب فقد خرجت من عُنُقِ الزجاجة وباتت تتحكَّمُ بمجريات الميدان، وضربةٌ مثلُ تلك التي وقعت لن تُحدِثَ أيَّ تغيير في موازين ولن تهزَّ الدولة السورية، وهذا ما حدث بالفعل.
وفيما كانت التوقعات خلال الأيام الماضية تشيرُ لعدوان واسع على سوريا إلا أن الإدارةَ الأمريكية تلافت الأمر، ومساء الجمعة أطلق ترامب ومسؤولون بوزارة الدفاع تصريحاتٍ حملت تراجعاً كبيراً لمستوى التهديدات ضد سوريا. ووفقاً لمراقبين أرادات واشنطن أن تخفضَ سقفَ التوقعات وأن تجعل بعضَ الأطراف الدولية تشعُرُ أنه تم إلغاءُ فكرة استهداف سوريا؛ بهدف أن يبدأ العدوان على سوريا وينتهي سريعاً ثم لا تتحوّل واشنطن لأضحوكة، وتظهر أنها لم تلغِ الهجومَ، بل نفّذته بدلاً عن ظهورها مستعدةً لعمل عسكري واسع ثم تتراجَعُ بتوجيه ضربة محدودة.
- عدوانٌ ثلاثي غربي وتأييد ثلاثي أعرابي
قبلَ دقائقَ من الرابعة فجر أمس السبت، تحَـرّكت سفنٌ حربيةٌ أمريكية من قواعدها في قطر، فيما كانت الطائرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية تشق طريقها نحو الأجواء السورية لتبدأَ بتنفيذِ عدة ضربات بعشرات الصواريخ والقنابل من السفن والطائرات.
وفيما كانت أمريكا دون استراتيجية لتوجيه الضربة العسكرية وتائهة الأَهْـدَاف، كانت أنظمة السعودية وقطر والبحرين تتسابق على مَن يعلن التأييدَ للعدوان أولاً، فتلك الأنظمة لن تكون أكثرَ معرفةً من أمريكا بما هو الهدف من العدوان بقدر ما هي ملتزمة بتقديم الولاء للأمريكان ودعم اعتداءاتهم على الدول العربية، ناهيك عن تولّي هذا الدور نيابةً عنها كما هو الحال في اليمن.
وأعلنت كُلٌّ من واشنطن ولندن وباريس أنها وجّهت أوامرَ لجيوشها بتوجيه ضربة محدودة ضد سوريا؛ بهدف ما وصفته “ردع سوريا من استخدام السلاح الكيماوي”، الذريعة الفاضحة التي تتكرر لضرب الدول العربية، لكن الواضحَ أن الدول الثلاث حرصت على توضيح طبيعة الهجمة بأنها محدودة كي لا يعود سقفُ التوقعات بالارتفاع.
على مدى نحو ساعتين استمر القصفُ ليطال مبنى الأبحاث في دمشق ومطاراتٍ عسكريةً في العاصمة ومدن سورية أُخْـرَى، بلغ عددُها وفقاً لإحصاءات وزارة الدفاع الروسية 103 صواريخ.
- مفاجأةٌ من خارج التوقعات
من خلال المعطيات والنتائج فإنَّ العدوان الثلاثي على سوريا كان ورطةً لتلك الدول التي كانت تعلمُ أنها لن تحقّقَ نتائجَ ولو بسيطة، لكن المفاجأةَ غير المتوقعة التي صدمت دول العدوان هو أن عدوانَها واجهته سوريا واستطاعت إبطالَ نحو 70% منه، نسبةٌ رأى فيها مراقبون أنها أسهمت أيضاً في إجبار دول العدوان على إنهاء عدوانها على سوريا بعد أقلّ من ثلاث ساعات على انطلاقه.
وفي هذا السياق قالت وزارتا الدفاع السورية والروسية: إن الدفاعات الجوية السورية استطاعت إسقاطَ 71 صاروخاً من أصل 103 صواريخ استهدفت سوريا من قبل الدول الثلاث.
كما اعترفت الولايات المتحدة أنها نسّقت مع روسيا؛ لمنع حدوث تصادُم بين طائرات الطرفين في الأجواء السورية؛ ولتجنب استهداف الجنود الروسي على الأرض، لكن موسكو كشفت عمّا هو أعظم من ذلك وقالت إن معظم الأَهْـدَاف التي استهدفت من قبل العدوان الثلاثي قواعدُ ومناطقُ مدمرةٌ أصلاً وشبه خالية، وهو ما تؤكّده النتائجُ على الأرض، فلم يسقط جراء العدوان سوى 3 جرحى بشظايا صاروخ أمريكي غيَّرَ مسارَه عندما حاول مراوغة صاروخ دفاع جوي أطلقه الجيش السوري لاعتراض الأول.
وفقاً للنتائج، فقد كان العدوان مجرد محاولة لحفظ ماء وجه الولايات المتحدة والدول الغربية التي شاركت في العدوان، ولم يهدف لإلحاقِ ضرر بسوريا أو حلفائها هناك.
وإلى جانب ذلك فقد تمكّنت الدفاعات الجوية السورية من لفت الأنظار إليها، فالصحف الغربية لم تركز على القصف الغربي بشكل رئيسي بقدر تركيزِها على مفاجأة الدفاع الجوي السوري، بالإضافة لتحليل أسبابِ محدودية الهجوم الغربي على سوريا.
- احتفالاتٌ شعبية: هكذا تحوّل العدوانُ إلى انتصارٍ سوري
مع شروق شمس أمس السبت، خرج آلافُ السوريين في العاصمة دمشق والمُدُن الأُخْـرَى رافعين أعلامَ بلدهم، مرددين أهازيجَ وهتافاتٍ منددةً بالعدوان، وفي ذات الوقت تعبّر عن فرحتهم بنجاح الجيش السوري في إبطال مفاعيل العدوان.
السوريون عبّروا عن إدانتهم للعدوان وكذلك سعادتهم بما اعتبروه انتصاراً لسوريا، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة لم تفشل في عدوانها الأخير فقط بل فشل مشروعها في سوريا الذي بدأته قبل ثماني سنوات وأن عدوانها ليس إلا تعبيراً عن إحباطها من انهيار الجماعات الإجْـرَامية التي شكّلتها وموّلتها لتدمير سوريا وخدمة إسرائيل.
أمَّا وزارتا الخارجية والدفاع السوريتان فاعتبرتا العدوانَ دعماً للجماعات الإجْـرَامية ودليلاً على فشل المشروع الأمريكي واستهتار دول العدوان بالقانون الدولي.
وقالت الخارجية السورية إن العدوانَ الثلاثي يشكل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، وأنه يظهر مجدداً استهتارَ دول العدوان بالشرعية الدولية.
وأكّدت الهزيمة والفشل والعار بانتظار دول العدوان، معتبرةً أنه جاء نتيجة الشعور بالإحباط لفشل المشروع التآمري على سوريا، وردّاً على اندحار أدواتهم.
من جانبها أكّدت وزارةُ الدفاع السورية نجاحَ دفاعاتها الجوية في إسقاط معظم صواريخ العدوان الثلاثي، مضيفةً أن “العدوان لن يثنيَ القوات المسلحة والرديفة عن سحقِ ما تبقى من الجماعات الإرهابية”.
- إيران: لن نتوقّفَ عن دعم سوريا
أكّدت إيرانُ استمرارَها في دعم سوريا بمواجهة الجماعات الإجْـرَامية والمشروع الأمريكي، مُدينةً في الوقت ذاته العدوانَ الثلاثي، ودعت لمواصلة القضاء على أدواتهم في سوريا.
وبادر الرئيس الإيراني إلى الاتصال بنظيره السوري بشار الأسد، وأكّد الأولُ أن العدوانَ الثلاثي الذي تعرضت له سوريا لن يزيدَ طهران سوى إصرارٍ على دعم حليفتها سوريا في حربها ضد الجماعات الإجْـرَامية.
أمَّا المرشدُ الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي فاعتبر أن العدوانَ على سوريا جريمةٌ وأن رؤساء الدول الثلاث مجرمون.
وأكّد خامنئي أن محورَ المقاومة انتصر على المشروع الأمريكي، وأن دول العدوان لن تحقِّقَ أيَّةَ نتائجَ مهما فعلت لإنقاذ أدواتها.
- روسيا: العدوانُ لن يمر
مع بدء العدوان الثلاثي سارع السفيرُ الروسي في واشنطن، أناتولي أنطونوف، إلى الإعلان أن العدوانَ الثلاثي على سوريا لن يمر دون عواقب. وقال في بيان “إن أسوأ المخاوف أصبحت حقيقةً، لقت ظلت تحذيراتُنا غيرَ مسموعة، يجري تنفيذ سيناريو أُعِدَّ مسبقاً، مرة أُخْـرَى، نحن مهددون”.
واعتبر أنطونوف أن الهجوم على سوريا إهانةٌ لرئيس روسيا فلاديمير بوتين، وأن ذلك غير مقبول، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة، التي تمتلكُ أكبرَ ترسانة من الأسلحة الكيميائية، لا تملك أيَّ حق أخلاقي في إلقاء اللوم على البلدان الأُخْـرَى”.
أمَّا الرئيسُ بوتين -وفقاً لموقع روسيا اليوم- فاعتبر الضربةَ الغربيةَ لسوريا عدواناً على بلد مستقل، وأعلن عن دعوة روسيا مجلسَ الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لبحثِ عدوان واشنطن وحلفائها.
وحذّر بوتين من أن هذا التصعيد المحيط بسوريا يؤثر تأثيراً مدمراً في منظومة العلاقات الدولية بأسرها، مشيراً إلى أن التأريخ سيضع النقاط على الحروف، كما سبق له وسجّل لواشنطن حملَها الثقيلَ إثر ارتكابها المجازرَ بحق يوغوسلافيا والعراق وليبيا”.
- محور المقاومة: العدوانُ غيرُ مقبول ويستكملُ الاعتداءَ الإسرائيلي
أدان الرئيسُ اللبناني، ميشيل عون، العدوانَ على سوريا، مؤكّداً رفضَ لبنان أن تُستهدَفَ أية دولة عربية باعتداءات خارجية بمعزل عن الأسباب.
أمَّا حزبُ الله فأكّد أن العدوانَ الثلاثي على سوريا انتهاك صارخ للسيادة السورية وكرامة الشعب السوري وشعوب المنطقة، معتبراً أنه يمثل “تأييداً صريحاً ومباشراً لعصابات الإجْـرَام والقتل والإرهاب التي طالما رعاها وموّلها واستكمالاً واضحاً للاعتداء الصهيوني الأخير على سوريا”.
حركة حماس أيضاً أدانت العدوانَ على لسان ناطقها الرسمي فوزي برهوم الذي استهجن “الادّعاءات الأمريكية بحماية المدنيين، بينما هي تؤيّد وتدعم بقوة جرائمَ الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وقتل المدنيين الفلسطينيين العُزَّل”.
ودعت حماس إلى “توحيدِ صفّ الدول العربية وتعزيز عوامل ومقوّمات صمود شعوبها وحقن دمائهم واحترام إرادتهم كركيزة أساسية في مواجهة أي عدوان”.
- موقف مصري قريبٌ من الرفض وبعيدٌ عن الإدانة
في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م أدّت الغاراتُ البريطانية الفرنسية الإسرائيلية لتوقّف إذاعة “صوت العرب” المصرية عن البث، بعدَما كانت تمثل وسيلة إعلامية نادرة في ذلك الحين، فبدت مصر وكأنها قد فقدت صوتَها الذي يصل لشعبها والشعوب العربية، فانبرت سوريا لتعوِّضَ ذلك الغياب عبر إذاعة دمشق التي افتتحت بثها في يوم العدوان بالقول “من دمشق: هنا القاهرة”.. عبارة ظلت تتردد بفخرٍ في الأوساط العربية خلال الفترة الماضية، لكن العرب يتذكّرونها اليوم لتذكير أنفسهم بالانحدار الذي وصل إليه الموقف العربي. إلا أن اليمنَ وكما سيظهر في المواقف من العدوان خلال هذه التغطية أظهرت أن صنعاءَ وبعضَ العواصم العربية تولّت مهمة الإبقاء على الأمن فكانت “من صنعاء: هنا دمشق”.
أما اليوم، فانعكس الوضع، الذي تعيشُه مصر اقتصادياً وأمنياً وابتعادها عن دورها العربي، على موقفها من العدوان الثلاثي على سوريا الذي جاء عائماً، لكن يمكن وصفه بأنه أقربُ لرفض العدوان الثلاثي وفي الوقت ذاته بعيد عن إدانة العدوان.
بيانُ الخارجية المصرية عبّر عن “تضامُنِ مصر مع الشعب السوري الشقيق في سبيل تحقيق تطلعاته للعيش في أمان واستقرار”، كما عبّرت عن “قلقها البالغ نتيجة التصعيد العسكري الراهن على الساحة السورية؛ لما ينطوي عليه من آثار على سلامة الشعب السوري الشقيق، ويهدّد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول تحديد مناطق خفض التوتر”.
وأبدت الخارجية المصرية تحفّظاً ملحوظاً عن المزاعم الغربية باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا من قبل الجيش السوري، لكنها حاولت أن تمسِكَ العصا من الوسط، حيث أكّدت في البيان “رفض مصر القاطع لاستخدام أية أسلحة محرمة دولياً على الأراضي السورية”، مطالبة بإجراء “تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن وفقاً للآليات والمرجعيات الدولية”.