اليهود وراء كُلّ جريمة: التأريخ الخفي للتغلغل اليهودي في أمريكا
الحلقة التاسعة عشرة
فِي كتابِ “اليَهُوْد وَرَاءِ كُلِّ جريمة” للكاتب الكندي وليام كار، يُسلِّطُ المؤلفُ الضوءَ على الأمور التي لم تكن واضحةً من أساليب اليهود للسيطرة على العالم، مستخدمين كافة الوسائل القذرة والجرائم التي لم يكن يدرك الناسُ أن اليهود يقفون وراءَها للوصول إلى غايتهم بالسيطرة على العالم وثرواته، مؤكداً أنه ما سيكشفه في الكتاب سيصدم القراء؛ نظراً لعدم قدرة الكثير منهم على استيعاب خُبث اليهود من تلقاء أنفسهم.
في ترجمة الكاتب وفق موسوعة ويكيبيديا هو باحثٌ كندي وأستاذ جامعي اختص بالعلوم وبالآثار القديمة. وقد قضى فترة بفلسطين ودرس بالجامعة (العبرية) في القدس المحتلة وسبق له أن عرض القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها وأثبت (بطلان الحق التأريخي لدى اليهود) وبشكل علمي موثق وببراعة نرى من خلالها الصدق والتعلق بالحق والعدالة.
ونظراً لأهميّة محتوى الكتاب، تقومُ صحيفةُ المسيرة بنشره في سلسلة حلقات معتمدة على النسخة المترجمة والصادرة في عام 1982 عن دار الكتاب العربي في بيروت والذي تولى شرحه والتعليق عليه باللغة العربية الكاتب والمؤلف العراقي “خير الله الطلفاح”.
إذا تتبَّعنا خيوطَ أحداث الحياة الأمريكية فسنجد أن أصولَ التغلغل اليهودي تعودُ إلى مطلع التأريخ الأمريكي.. بل لقد بدأ سادةُ المال اليهود محاولاتِهم الأولى لبسط نفوذهم على الولايات المتحدة الناشئة – آنئذ – قبل أن تظهَرَ هذه إلى الوجود كدولة وحين كانت لا تزال مكونةً من ثلاث عشرة مستعمرة إنكليزية.
بدأ تفكيرُ مجموعة المرابين العالميين اليهود يتجهُ إلى المستعمرات الأمريكية منذ العهد الذي وصل فيه (بنجامين فرانكلين) رجل الدولة الأمريكي الأشهر إلى لندن مندوباً عن هذه المستعمرات، فقد التقى به هناك المرابون العالميون الذين كانت السيطرة قد تمت لهم – كما بيناه سابقاً – على بنك إنكلترا والقرض الوطني الإنكليزي.
نجدُ في الصفحة (98) من وثيقة مجلس الشيوخ الأمريكي رقم (33) تقريراً كتبه (روبرت ل. أوين) الرئيس القديم للجنة البنوك والنقد في الكونغرس الأمريكي عن مقابلة جرت بين شركاء روتشيلد وبنجامين فرانكلين.. ويذكر هذا التقرير كيف أخذ هؤلاء في الاستفسار من المندوب الأمريكي عن السبب – في رأيه – الذي يعزو إليه ازدهار الحياة الاقتصادية في المستعمرات الأمريكية.. وقد أدلَى فرانكلين بالإجابة التالية:
(إن الأمرَ بسيط، فنحن نصدر عُملتنا بأنفسنا، كما أننا حين نصدرها نفعلُ ذلك بصورة تتناسب مقدارها مع حاجيات الصناعة لدينا)..
ويلاحظ (روبرت ل. أوين) أنَّ هذه الاجابة لفتت حالاً أنظارَ جماعة روتشيلد إلى الفرصة الكبرى المتاحة لهم لجني الأرباح الطائلة.. إذ يكفيهم لذلك -وهذا ما يتضح للوهلة الأولى- استصدار قانون يمنع المستعمرات من إصدار نقدها بنفسها وإجبارها على اللجوء إلى بنك إنكلترا، وكان ميشيل ملير روتشيلد لا يزال مقيماً في ألمانيا حينئذ يدير منها أعماله، ويمد الحكومة البريطانية بجنود محترفين يجمعهم من الريف الألماني مقابل (8) ليرات استرلينية عن كُلّ جندي.. فكان نفوذُه والحالة هذه كافية لاستصدار القانون المطلوب من الحكومة الإنكليزية بشأن إصدار النقد الأمريكي.
صدر أخيراً هذا القانون، وقامت سلطات الاحتلال البريطاني في المستعمرات الأمريكية، تنفيذاً له، بإيداعِ مبالغ النقد الأمريكي السابق لدى بنك إنكلترا كغطاءٍ نقدي للقروض بالفائدة التي سيقدمها المصرف لهذه المستعمرات بالنقد الجديد.. ونترك الحديث عن نتائج هذه العملية إلى بنجامين فرانكلين ذاته، كما وردت أقوالُه في وثيقة الكونغرس رقم 23:
(انقلبت الأوضاعُ بعد عام واحد من صدور هذا القانون إلى عكسها تماماً.. فانتهى عصرُ الازدهار وحلت محلَّه أزمة اقتصادية حادة بلغت من السوء مبلغاً أصبحت معه شوارع المستعمرات غاصة بالعاطلين عن العمل).. وتضيف الوثيقة: (أمّا بنك إنكلترا فقد رفض أن يقدم أكثر من (50٪) من قيمة الأوراق المالية الأمريكية التي عهد بها إليه بموجب القانون الجديد، وهذا يعني أن قيمة النقد الأمريكي خفضت إلى النصف تماماً بجرة قلم)..
ينسب المؤرخون والباحثون السببَ للثورة الأمريكية على إنكلترا إلى (ضريبة الشاي) الشهيرة، أما فرانكلين، وهو أحد الوجوه البارزة في هذه الثورة، فيحلل الأسباب كما يلي:
كانت الولايات الأمريكية مستعدةً عن طيب خاطر لتقبل هذه الضريبة الإضافية البسيطة وما ماثلها، لولا إقدام إنكلترا على انتزاع حق إصدار النقد من الولايات الأمريكية، مما خلق حالةً من البطالة والاستياء.. عَمَّ هذا الاستياء شيئاً فشيئاً كُلَّ سكان الولايات، ولكن أحداً منهم لم يدرك أن الضرائب الباهظة الجديدة والسلب الاقتصادي كانت نتيجةً فعل عصابة من اللصوص العالميين كانت تسلب في الوقت نفسه اقتصاديات إنكلترا ذاتها، وهكذا لم تلبث الثورة أن تفجرت وحدث الصدام الأول المسلح بين الثوار الأمريكيين والقوات الإنكليزية في (لكسنغتون) يوم 19 نيسان 1775، ثم تتالت الأحداث المعروفة جيداً، مما لا لزوم لذكره حتى عُيِّنَ جورج واشنطن قائداً لقوات الثورة، وأعلن الكونغرس (بيان الاستقلال) في 4 تموز 1783.
دام الصراعُ بعد ذلك أعواماً سبعةً، تعهد المرابون العالميون خلالها بتمويل هذه الحروب الاستعمارية التي كانت بلا ريب فرصةً جنت خلالها مجموعة روتشيلد أموالاً طائلة عن طريق إمداد الحكومة البريطانية بالجنود المحترفين من مقاطعة (هس) الألمانية..
وانتهت الحرب باستسلام قوات القائد الإنكليزي (الجنرال كورنواليس)، وعقد معاهدةَ باريس – التي كان المفاوض الأمريكي الرئيسي فيها فرانكلين – التي اعترف فيها باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية في الثالث من أيلول 1783.
بعد الاستقلال:
لم يستسلم المرابون العالميون بعد أن وضعت الحربُ أوزارها، بل عمدوا عن طريق مندوبيهم إلى العمل بكل ما وسعهم من جهد واللجوء إلى كُلّ ما أمكنهم من مناورات لتفادي تضمينِ الدستور الأمريكي فقرةً تتعلق بإصدار النقد، غير أن رجالَ الاستقلال الأمريكي كانوا متيقظين لهذا الخطر.. ومتنبهين لمؤامرات أولئك المرابين.. وهذا ما تُبرهِنُ عليه مناقشاتهم المحفوظة في سجلات الاجتماع الذي عقدوه في مدينة (فيلادلفيا) عام 1787 والمعروف باسم (اجتماع الآباء المؤسّسين للولايات المتحدة)، وهكذا جاء نصُّ الفقرة الخامسة في القسم الثامن من المادة الأولى للدستور الأمريكي كما يلي: (الكونغرس هو صاحبُ السلطة في إصدار النقد وإصدار القوانين المتعلقة بتنظيم قيمته)..
أسقط مخططُ المرابين العالميين بعد صدور هذا النص الدستوري؛ لأن الدستور اتخذ منذئذٍ طابعاً مقدساً في أعين الأمريكيين، فلم يعد باستطاعتهم الوصولُ إلى مآربهم مباشرة على أنهم لم ينفضوا يدهم من الأمر، بل عمدوا إلى المناورة لاستصدار قوانين تستندُ إلى هذا النص بصورة مغلوطة.. وهذا ما تبرهن عليه نصوصُ عدد من القوانين المالية التي صدرت منذئذٍ في حين يفترض الشعب الأمريكي وهو مخلص في اعتقاده أن كُلّ قانون صدر ينسجم وروحَ الدستور.!
لا ريب لدينا في أن دراسة تأريخ سيطرة المرابين العالميين على الاقتصاد الأمريكي تشكل صفحة من تأريخ العالم على جانب كبير من الأهمية، وهذا ما سنسرده فيما يلي:
كان المنهج الذي عمد إليه المرابون العالميون هو منهجهم التقليدي، منهج الشركة الخفية، فقد عين مديرو بنك إنكلترا مندوباً لهم في أمريكا منذ عام 1780 أحد عملائهم الرئيسيين وهو (الكساندر هاميلتون)، الذي استطاعت حملةُ الدعاية الموجَّهة أن تضفيَ عليه شُهرةَ زعيم وطني تحرري، وعمد هذا إلى تقديم اقتراح بإنشاء مصرف اتّحادي يقوم بإصدار العُملة والإشراف عليها، عوضاً عن الحكومة، على أن يكون هذا المصرف مؤسسة خاصةً تعود ملكيتها إلى المصالح الشخصية، وبالتالي إلى البيوتات المالية الفردية.. وأضاف (هاملتون) إلى اقتراحه أن يكون رأسمال هذا المصرف (12) مليون دولار يقدم بنك إنكلترا مبلغ (10) ملايين بعُملة ذلك العصر، أما الباقي فيسمح للمموّلين الأمريكيين بالاكتتاب به.
لم يأتِ عام 1783في الواقع إلا وكان هاملتون وشريكه (روبرت موريس) قد نظّما بنك أمريكا.. وكان موريس هذا المراقب المالي في الكونغرس الأمريكي قد تمكن بحكم إشرافه المالي على النفقات من أن يجعلَ الخزينة الأمريكية في حالة عجز مالي حين انتهاء حرب الاستقلال، وهذا برهان بليغ على أساليب السلطة الخفية واستخدامها الحروب والعملاء وقد أقدم موريس على المزيد أيضاً.. فقام بالإجراء الأخير الذي أجهز به على المبلغ الأخير الذي كان متبقياً في الخزانة الأمريكية ومقداره (250) ألفاً من الدولارات عن طريق الاكتتاب به في رأسمال بنك أمريكا.. ولما كان مدراء بنك أمريكا مندوبين لبنك إنكلترا – بالطبع! فإن النتيجةَ المنطقية كانت حتمية.. وهكذا أصبح مجمع سادة المال اليهودي يسيطر على كلا الطرفين: بنك إنكلترا وبنك أمريكا.
بيد أن زعماءَ ثورة الاستقلال الأمريكية أحسوا بالخطر الداهم وبأن تسلط بنك إنكلترا على بنك أمريكا قد يؤدي بالتالي – في حالة وضع ماليات أمريكا تحت إشراف هذا الأخير – إلى تسلطه على الاقتصاد الأمريكي بمجموعه، فتدخلوا لدى الكونغرس واستطاعوا حمله على رفض منح بنك أمريكا حقَّ إصدار النقد.
لم يقنط المرابون العالمون من هذا الفشل الموقت، بل أصدروا تعليماتِهم لعملائهم بمضاعَفة جهودهم ولبثوا بانتظار الفرص.. وهكذا نجحوا أخيراً في إيصال مندوبهم (الكسندر هاملتون) إلى منصب وزارة المالية الأمريكية… وتمكّنوا بالتالي عن طريق هاميلتون من الحصول على موافقة الحكومة الأمريكية على منح بنك أمريكا امتيازاً لإصدار النقد المستند إلى قروض عامة وخاصة..
وكانت الحُجّة التي قدمها هاملتون إلى الحكومة هي أن النقدَ الذي يصدرُه الكونغرس والمستند إلى قرض وطني سيكون عديمَ القيمة في الخارج.. في حين أن النقدَ المستندَ إلى القروض العامة والخاصة سيكونُ قابلاً لكل أنواع المعاملات المالية الخارجية وللتحويل، وقد حدّد الرأسمال الجديد للمصرف بمبلغ (35) مليوناً من الدولارات اكتتب فيها الممولون الأوروبيون بمبلغ (28) مليوناً، وكانت مجموعة الماليين الأوروبيين هذه خاضعة لروتشيلد.
كان الوقت قد حان لمكافأة هاملتون على جهوده.. وتلقى بالفعل الجزاء الذي يستحقُّه.. ذلك أن المرابين العالميين شعروا على أغلب الظن بأنه أصبح يعلمُ أكثرَ مما يجب، وكان أن افتعلت مبارزةً بينه وبين مبارز محترف اسمه (هارون بور) لقي فيها هاملتون حتفَه.