الإرادة اليمنية في مواجهة المعسكر الصهيوأمريكي: مسارات الحرب والسلام وخياراتُ ما بعد 3 أعوام من العدوان
المسيرة | حُميد القطواني:
العدوان الأول على نواة الإرَادَة اليمنية 2004_2009:
لم تَكُنِ الحُــرُوْبُ السِّــتُّ التي شنَّتها السلطةُ على صعدة إلّا بإملاء أمريكي مباشر ودعم وتمويل سعودي إماراتي لإجهاض الرؤية القيادية للإرَادَة اليمنية وَالقضاء على حركة حملت الهُوية والمشروع الوطني، والتي بَـدَأَتْ حركة شعبية ثقافية سلمية، تنطلق في جوهرها الفكري والوجداني من التصوّر القُـرْآني والفكر الواقعي ورصيد الموروث الحضاري للقضايا الوطنية ومحدّدات هموم وتطلعات الشعب.
كما تضمّنت تلك الرؤيةُ تشخيصَ المشاكل والتحدّيات والخطر على اليمن أرضاً وإنْسَاناً وتبنّي حلولٍ واقعية إصْلَاحية نحو تحقيق البناءِ الإنْسَاني والنهضة المجتمعية والتنمية الشاملة، في ظل دولة مدنية مؤسسية تتمتع بالسيادة والاستقلال والأمن والاستقرار وتبسط العدال والمساواة وتكفل الحقوق والحريات والكرامة الإنْسَانية، وتصون الوطن والمقدرات وتحمي المواطن وتقود حركة النهضة والبناء والتنمية الشاملة وتنهض بمسؤولياتها تجاه قضايا شعوب الأُمَّــة العربية والإسْلَامية والإسهام في خدمة البشرية، كُلّ ذلك نواة رئيسية لرؤية المشروع الوطني الإيْمَاني.
وفي هذا السياق حدّدت عقيدةُ ووعيُ الحركة العدوَّ التأريخي لليمن وَللأُمَّــة العربية والإسْلَامية في الهيمنة الصهيوأمريكية بوصاية أدواتها الإقليمية وتسلط أدواتهم المحلية التي حالت دون تحقيق تطلعات شعبنا اليمني وشعوب الأُمَّــة وأغرقتها في الفساد الشامل والكامل في كُلّ الجوانب والمجالات كسياسات تدميرية ممنهجة، وتلخص ذلك في شعار ومفهوم الصرخة.
وقدمت تلك المحطة قيادات الحركة ومنتميها كطلائع قيادية للإرَادَة اليمنية والمشروع الوطني بهُويته اليمنية في ظل تنصل وتخاذل وانهزامية النُّخَب السياسية والفكرية في الساحة اليمنية وغالبية الدول العربية.
الإرَادَة اليمنية ومحطةُ التغيير 2011-2014:
في هذه المرحلةِ بدأ مشهدٌ جديدٌ يتشكّل في اليمن بشكل عام قاد إليه البؤسُ والحرمانُ والفقر والجهل والتطرّف وانعدام العدالة وانتشار الفساد ونهب ثروات الشعب الظلم والأزمات والفتن والحروب الداخلية، التي تجرّع مرارتها الشعب اليمني منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحمدي طيلة ثلاث عقود.
وكانت بمثابة سياسات تدميرية ممنهجة تنفّذها السلطة، هدفت لإجهاض أي توجُّه تنموي ينهض بالبلاد؛ لتقودَها يوما بعد آخر نحوَ الهاوية، حيث كانت تلك السياسات تعبر وتجسِّدُ إرَادَة الوصي السعودي والمهيمن الأمريكي من كان بأيديهما قرار الحاكم الفعلي لليمن كسلطة عليا.
أمام ذلك المشهد خرجت الجماهير اليمنية في فبراير 2011 لتقرير مصيرها للنهوض بالواقع في كُلّ المجالات وتوفير الحياة الكريمة اللائقة، والانعتاق من هذا الواقع البأس، وإسقاط تلك الإرَادَة والأدوات التي دمّرت اليمن بحرب ناعمة كانت أشد فتكاً من الحروب العسكرية، وهنا تشكلت الإرَادَة الشعبية في اليمن، ولكنها لم تكن في مستوى النضج وكانت مخترقة في كُلّ مستوياتها.
إلا أن مشاركةَ أنصار الله في الحراك أوجدت خياراتٍ جديدةً مكّنت من سدّ الفراغ الذي تركته النخب السياسية التقليدية التي أَرَادت أن تتحولَ الثورة إلى أزمة.
وهنا تقدمت حركة أنصار الله لتسلم دفة قيادة الثورة، معبرين عن إرَادَة طن وشعب، مستندين لرصيد نضالي مشبع من الخِبرة والمعرفة والكفاءة القيادية ورؤية أثبتت صوابيتها وتجارب أثبتت جدوائيتها ونجاحَها..
انتهت الحروبُ الست الظالمة وبَـدَأَتْ تتساقط السلطة ومنظومة الحكم في اليمن وانتجت فراغاً كبيراً في اليمن بشكل عام ومنها محافظة صعدة التي تنامت فيها حاضنة المشروع الوطني بتصوّره القُـرْآني، أوجد ظروفاً مناسبة لتخلق نواة للإرَادَة اليمنية التي وجدت نفسَها مضطرة لسد الفراغ بقناعات تطوعية شعبية لم تقدم نفسها بديلاً عن الدولة، وَحوّلت ذلك الفراغ إلى فرصة لتجسيد المشروع الوطني بهُويته اليمنية على أرض الواقع، وَهنا بَـدَأَتْ أولى مراحل التحوّلات المفصلية، لنقل الرؤية والإرَادَة من النظري وَالخطوط العريضة إلى الخطوات التفصيلية العملانية في امتداد جغرافي مصغَّر شكل نموذج أثبتت نجاحاً جذاباً ضُربت به الأمثال..
وتمخض عن ذلك نضج المجتمع الحاضن وتكامل الرؤية وَرواد الرؤية القيادية للإرَادَة اليمنية وتشبع المشروع الوطني وأبجديته الاستراتيجية، في مواجهة المعسكر الصهيوأمريكي بريطاني بأدواته الحاكمة في اليمن.
إرَادَة المعسكر الأمريكي في مواجهة الإرَادَة اليمنية:
لمواجهة حراك الإرَادَة الشعبية فبراير 2011 تحَـرّك المعسكر الأمريكي البريطاني؛ لاحتواء ذلك الحراك الثوري عبر الأحزاب السياسية وأركان النظام المنشقة الموالية له؛ للالتفاف على الإرَادَة اليمنية وَإجهاض ثورة الشعب، لتحل محلها المبادرة الخليجية التي سعت إلى تغيير الأدوار وَأدوات الحكم والإبقاء على نفوذ وهيمنة ووصاية المعسكر الأمريكي والبريطاني ووكلائه الخليجيين؛ ولتحصين هيمنة ووصاية ذلك المعسكر الذي أَرَاد أن يفرض مُخَطّط الأقلمة والتفتيت؛ من أجل ضمان القضاء على الإرَادَة اليمنية للأبد، وإغراق الشعب في حرب أهلية تركعه وتطوعه لأطماعه وتنتهي بإعلان دويلاتٍ متناحرة طيعة له وتم تسليم راية التفاوض للمبعوث جمال بن عمر كإدَارَة سياسية المحطة.
طلائعُ القيادة للإرَادَة اليمنية وتحديات ثورة الشعب:
أدرك روادُ الإرَادَة اليمنية خطورةَ المؤامرة وحجمَ المسؤولية وكارثية إجهاض الثورة الشعبية وأبعادها، فقررت تلك الطلائع قيادةَ جماهير فبراير نحو الاستمرار في الثورة والنضال في الساحات، الأمر الذي أفضى إلى الانتصار الميمون في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 بقيادة أنصار الله مقدمين أنفسهم كحامل للمشروع الوطني والمعبرون عن الإرَادَة اليمنية ووظفوا الظروف والتناقضات والجهود للانتصار للإرَادَة اليمنية..
وانتصرت الإرَادَة اليمنية وتم إسقاط المؤامرة والنفوذ والأدوات التابعة للمعسكر الأمريكي البريطاني، الذي أدرك أنه هُزم في هذه المحطة أمام الإرَادَة اليمنية، وأنّ الثوار وثّقوا انتصارَ الإرَادَة اليمنية باتّفاق السلم والشراكة، وعليه أسدل الستار لمحطة انتصار يمني خالص، وعلّق عليها مبعوث الأمم جمال بن عمر بقوله: كانت الأطراف اليمنية على وشك الاتّفاق لولا التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية..
21 سبتمبر.. محطة انتصار جديد للإرَادَة اليمنية:
محطة الحادي والعشرين من سبتمبر 2015م التي انتصرت فيها الإرَادَة اليمنية ومشروع الثورة الوطني مجدداً، وانهزمت إرَادَة المعسكر الأمريكي البريطاني وسقطت مؤامرات التفسخ والتخثر، ما تسبّب بقلق ذلك المعسكر على مصير أطماعه في اليمن، وَمن أن تتحول الإرَادَة اليمنية إلى مشروع دولة، دفع بوكيليه الإماراتي والسعودي لشن الحرب على الشعب اليمني لكسر الإرَادَة اليمنية وإجهاض المشروع الوطني بالحديد والنار، وتسلم رايه التفاوض مع الإرَادَة اليمني المبعوث ولد شيخ كاعتراف بالهزيمة في المحطة السابقة وبداية محطة جديدة من الصراع.
جرد نتائج الحرب بعد ثلاث سنوات من العدوان
بعد ثلاث سنوات من الحرب وارتكاب مئات جرائم الإبادَة الجماعية والفتك باليمنيين أَطْفَالاً ونساءً ورجالاً في الأسواق والمدارس وفي منازلهم وتدمير ونهب موروث الحضارات اليمنية وَالمقدرات والمكتسبات الخَاصَّة والعامة وتدمير المؤسسات والبنى التحية للدولة وحصار شامل في عدوان أهلك الحرث والنسل، وجد المعسكرُ الأمريكي البريطاني أن ما أنجزه وكيلاه الإماراتي والسعودي من سيطرة على منابع الثروات والموانئ والمنافذ لا تعدو عن كونها سيطرة على مناطق ميتة وشبه ميتة أَوْ مناطق لا يتجاوز إجمالي المواطنين فيها 20% من الشعب، حتميٌّ زوالُ هذه السيطرة، وأن الأمل بات منعدماً لأي حسم عسكري لكسر الإرَادَة اليمنية، خَاصَّةً بعد سقوط ورقة عفاش رهانه الأخير.. وتخلص ذلك في المشهد التالي:
أولاً: صمود دفاعات الإرَادَة اليمنية تزداد صلابة وتطوراً في العقيدة العسكرية الدفاعية والردعية في الجانب البري والبحري والجوفضائي، وأن تلك الإرَادَة الوطنية في صنعاء تتنامى قدراتها وقواتها برؤية طموحة جداً، تعد وتجهز بنجاح لاستراتيجية الاجتياح لمدن جنوب المملكة والتحرير للمدن المحتلة في الجنوب اليمني وتنشيط وتطوير الدفاعات الجوية والبحرية بفاعلية باتت تفرض قواعد اشتباك تكسر التفوق الجوي والبحري لدول العدوان في المدى القريب.
وأن الإرَادَة اليمنية توسّع الردع الصاروخي كماً ونوعاً ومدىً يغطي شعاعه ممالك وكلائه الخليجيين، بما يوصل تلك الإرَادَة لأن تلد مشروعَ دولة يمنية قوية سوف يجعلها مستقبلاً تتفوق إقليمياً..
– كما أن جرائم القصف الجوي التي كان يراد منها تركيع الشعب ارتدت عكسياً ودفعت الشعب للالتفاف والدعم والالتحام بالإرَادَة اليمنية بقيادة أنصار الله والإيْمَان بعقيدتها الوطنية التحررية وتبني موقفها ورفد خياراتها..
أيضاً الحصار على الشعب اليمني والحرب الاقتصادية وتداعياتها عكسياً.. إذ أوجد ظروفاً مكّنت قيادة الإرَادَة اليمنية في صنعاء من توجيه الشعب نحو العمل للاعتماد على الذات وتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، وهذا إن استمر سوف يمكن من تحقيق ذلك بل والتحرر من الهيمنة الاقتصادية للمعسكر الأمريكي البريطاني على اليمن عاجلاً أم آجلاً.
– سياسياً.. أنصار الله كحركة وقيادة ثورة استطاعت أن تتكيف مع المتغيرات وأن تمتص الصدمات وتستوعب التباينات والخلافات وتوظّف التوافقات، وعليها بنت تحالفاتٍ مجتمعية وسياسية عميقة ومتينة، مكنتها من إعَادَة ترميم البيت اليمني، وتعزيز عوامل التماسك والصمود، وإدَارَة الملفات الداخلية والخارجية بثبات، وإنعاش المشهد السياسي والعملية السياسية، وتطهير الجبهة الداخلية من النفوذ المرتبط بمعسكر الهيمنة بإسقاط فتنة ديسمبر ورقة العدوان الأخيرة، وأمام ذلك استطاع أنصارُ الله الحفاظَ على علاقات الشراكة في إدَارَة مؤسسات الدولة مع القوى السياسية المناهضة للعدوان.
وكذلك أدرك ذلك المعسكر أن الإرَادَة اليمنية تجاوزت في الداخل كُلّ المؤامرات والتحديات بالتفاف شعبي، وهي في طور تحولها إلى مشروع الدولة وَبناء وتفعيل مؤسساتها بقرار حُرٍّ ومستقلٍ وفقَ بوصلة المصالح العليا للوطن..
ثانياً: في مقابل ذلك ثلاث سنوات من الحرب تآكلت خلالها عناوين الشرعية وتساقطت الأقنعة، وتهالكت مضامين المشروعة وتفككت منظومة السيطرة على الأدوات والوكلاء، وتبددت وعودُ التحالف الوردية، وتحوّلت إلى كوابيس خلقت ظروفَ بؤس وحرمان ومآسٍ وفقر وأزمات وانفلات أمني وانتشار الفوضى والإرْهَـاب وضياع الحقوق، وامتلأت سجونُ التحالف السرية والعلنية إلى جانب غياب دولة وانعدام خدمات في المناطق المحتلة.
كذلك ثلاث سنوات من سيطرة العدوان على الجزر والسواحل والثروات النفطية في جنوب اليمن التي يسكنها 20% من الشعب اليمني تعيش واقع لخصته التقارير الأممية:
_ أن اليمن كدولة أية دولة ما يسمى الشرعية لم تعد موجودة على الخارطة السياسية، وأن الشرعية أي التحالف الذي تبنى عنوان الشرعية لحملته العسكرية غير قادر الحسم بل وصار الحسم من المستحيل.
_ المناطق الواقعة تحت سيطرة العدوان غارقة في اللا أمن واللاإستقرار والفوضى والإرْهَـاب وتغذية الصراعات المناطقية والإثنية فيها وارتفاع معدل الفقر والبطالة وارتفاع مستوى الاسعار للاحتياجات الضرورية وانعدام الخدمات، إلى جانب التفجيرات والاغتيالات الإرْهَـابية بشكل شبه يومي في الأسواق والمعسكرات ودُور العِبادة دون استثناء، وتعرض اليمنيين الموالين والمعارضين والصامتين فيها للاعتقالات وانتهاك الحقوق والحريات والسحل والإخفاء القسري بالآلاف والتعذيب في السجون السرية والمعروفة التابعة للتحالف ومليشياته، وانتشار الجريمة المنظمة وغير المنظمة..
_انهيار كامل لمؤسّسات الدولة مقابل تمكين المليشيات المسلحة الخارجة عن النظام والقانون المتناحرة فيما بينها ضمن الصراع بين دول التحالف.
_توسع تواجد ونفوذ وجرائم القاعدة وداعش في تلك المناطق بدعم ورعاية مباشر من التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي البريطاني.
ثلاث سنوات حرب يراقبها اليمني لم تنتج غيرَ احتلال العدوان الأجنبي للجزر والسواحل والموانئ والتراث والثروات النفطية والمعدنية وتفكيك للدولة وسلطاتها واخضاعها للتحالف مباشرة خدمة لمصالحه..
هذا جزءٌ من مآسي اليمنيين تحت سيطرة التحالف السعودي الإماراتي البريطاني الأمريكي الذي يشن حربَه على اليمن تحت ذريعة إعَادَة الشرعية في مسرحية هزلية وسخيفة ودموية بعد ثلاث سنوات تنتهي بمطالبة أنصار الشرعية باستعادة هادي المعتقل من قبل السعودية.
هذا المشهد بعد ثلاث سنوات من العدوان أثبت للمجتمع اليمني بمختلف مشاربه، صوابيةَ موقفِ قوى الثورة وجدوائية خياراتها وجدارتها في إدَارَة المعركة التي أوجدت قلاعاً حصينة وثابتة ويداً رادعة، وأرضية صلبة للأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي داخل القلعة التي شكلت طوقَ نجاة ونافذة أمل.. ما دفعهم للالتفاف حول الثورة اليمنية بقيادة أنصار الله، نحو تعبئة استحقاقات وخيارات المواجهة، وحمل مسؤولية الصمود والتكيف والاستعداد النفسي للمواجهة، إيْمَاناً بأن الرهان لوقف العدوان هو على الميدان الذي شكّل طوق نجاة وأوجد نافذةَ أملٍ له بجدوائيته الملموسة خلال الثلاث السنوات الماضية، والبناء على هذا المسار النضالي والكفاحي الرادع؛ كونه المخرجَ الوحيدَ الذي سوف يأتي بالسلام والانصاف لحقوق اليمن أرضاً وإنْسَاناً ودولة مهما كانت الكلفة والثمن.
كما أوصل هذا الوضعُ اليمنيين في المناطق المحتلة والنخب غير المرتبطة بالتحالف أَوْ التي غدر بها التحالف أوصلها إلى قناعة أن التحالف لم يأتِ من أجل التحرير وإعَادَة الشرعية وإنما من أجل الاحتلال وجعلها تحسم قرارَ المواجهة المصيرية ضد التحالف والواقع الذي انتجه..
وأن الجماهير في المناطق المحتلة التي تعيش ذلك الجحيم وهي تنظر أمامها نموذجاً جذاباً تفتقد إليه وَتراه في المناطق خارج سيطرة الاحتلال، جسدت نجاحات الإرَادَة اليمنية في صنعاء وثورة الواحد والعشرين من سبتمبر بقيادة أنصار الله وصدقية وطنيتها وتمثل ذلك في تحقيق الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي والعدالة والمواطنة المتساوية، لا فرق بين نازح من المناطق المحتلة وآخر من أهالي صنعاء أَوْ غيرها..
كُلُّ ذلك جعل الجماهير في المناطق المحتلة تبحث عن حامل لهمومها وقضاياها، وفي أنصار الله تجد بغيتها، بل صارت تنطر إلى ثورة سبتمبر كمخلص يجب الالتحام بها والالتحاق بمعسكراتها كضرورة حتمية ومخرج وحيد لإنقاذ الوضع وإسقاط الواقع الجحيمي وَإسقاط أَسْبَابه ومنها طرد الاحتلال..
ثالثاً: تساقطت رؤى ونظريات وسيناريوها تحالف الغزو والعدوان وأحرقت الأوراق كلها وتجلى مشهد هزيمة معسكر الأمريكي البريطاني الذي كان يطمح بإجهاض الإرَادَة اليمنية في مهدها الأول.
ثم سقوط مؤامرة تفتيت اليمن وإغراقه في الحروب الأهلية لضمان هيمنة كاملة ونفوذ شامل للمعسكر الصهيوغربي ووصاية وكلائه عربان الخليج على اليمن وشعبه وثرواته وتراثه لعشرات السنوات وبدون تكاليف أَوْ جهد أَوْ خسارة..
ثم سقوط النظرية العسكرية التي هدفت إلى تطويع الإرَادَة اليمنية وتركيعها بالحديد والنار والحصار واحتلال مباشر لجنوب اليمن ووضع شماله تحت الوصاية عبر سلطة موالية له لضمان ديمومة نفوذ وهيمنة الاحتلال المباشر.
سقطت تلك الإرَادَة والروية العسكرية وسقطت معها الأدواتُ والأوراق وَالرهاناتُ على التفوّق العسكري والتقني وامبراطوريات البترودولار والمكَنات الإعلامية العالمية وأعتق العقول والخبرات في التكتيك والقيادة العسكرية وعمليات الحرب النفسية وطوابير الارتزاق والخيانة في الداخل الجبهة الداخلية والخارجية.
حساباتُ وخياراتُ هيمنة المعسكر الأمريكي البريطاني:
ولأن المعسكر الأمريكي البريطاني يدرك أنه من غير المجدي أن يُدخِلَ قواتِه الحربَ بشكل مباشر تجاه الحديدة وصنعاء تحت عنوان الشرعية المتأكل وأن الأمل الوحيد أمامه لكسر الإرَادَة اليمنية باحتلال الحديدة وفي ذات الوقت يدرك أن تصعيد تحالف وكلائه نحو الحديدة محتوم بالفشل والعاجز عن الحسم السريع، الذي سوف يمكّن الإرَادَة اليمنية من الانتقال إلى عسكرة الملاحة الدولية في الشريان الأحمر، وخَاصَّةً أمام مصالح دول تحالف العدوان بما يقود الأمور نحو التالي:
1- قطع الشريان التجاري لدول العدوان الخَاصَّة وتوسيع الاستهداف اليمني الصاروخي للنقاط الحياة الاقتصادية في دول التحالف، بما يحول الأزمات فيها إلى كوارث تفقدها السيطرة على سير الحرب وتعجل بالانهيار من الداخل..
2- أن عسكرة البحر الأحمر وتعطيل الملاحة سوف يكون ارتدادُه الطبيعي أن يجعل أقطاب العالم التي تضررت مصالحها تدفع بكل ثقلها لوقف الحرب فليست صاحبة مصلحة من الاشتراك في الحرب بل هي متضررة، وهذا يعني إيقافها بشروط صنعاء الذي يعني انتصار الدولة اليمنية بالاعتراف بها وبدور اليمن الإقليمي كدولة وقوة إقليمية ضامنة لحماية المصالح الدولية في الشريان الأحمر وباب المندب وبحر العرب، بما يعنيه أن انتصارَ الإرَادَة اليمنية في المعركة سيجعله نصراً نهائياً وهزيمة مباشرة للمعسكر الأمريكي البريطاني..
نتائج الحرب الشاملة على اليمن بعدَ ثلاث سنوات.. انتصرت الإرَادَة اليمنية في فرض معادلة السلام على قاعدة “أمن واستقرار وسلامة ومستقبل اليمن يساوي أمن واستقرار وسلامة ومستقبل دول التحالف” كحق طبيعي ومنطقي ومشروع وحجة منصفة باتت أمراً واقعاً امتلك به اليمن مقومات ومرتكزات تثبيته..
أمام المعسكر الصهيوأمريكي خياراتٌ محدودة:
الأول: القبول بالتعايش مع إرَادَة الشعب اليمني وجمهورية يمنية قوية تنهض بواقع شعبها وتسد الفراغ في الدور القيادي العربي الذي يعني سقوط هيمنة ذلك المعسكر من الجزيرة العربية، وهذا مستبعد.
وسوف يجعل الكيان الصهيوني أمام دولة عربية قوية تمتلك عواملَ القُـوَّة الذاتية والمكتسبة وعناصر التحكم والسيطرة وَتمتلك القُـوَّة والإرَادَة ومقومات الريادة والمنافسة والتفوق الإقليمي والمشروع القيادي العربي وعقيدة المناهضة له..
الخيار الثاني: التهور والقفز فوق معطيات الواقع وحسابات المصير بالتعجيل بمعركة الساحل الغربي عبر القوات الأمريكية والبريطانية بما يجعلها مغامرة تعطي ذات الارتدادات السابقة تفرز شكلاً جديداً للمنطقة وربما العالم.
الخيار الثالث: صنع مشهد وهمي لمؤشرات الانفراجة وتوقف الحرب لامتصاص الضغوط وتضليل وتخدير الجيش واللجان الشعبية والمجتمع اليمني لخلق ثغرة معنوية تمكّن من احداث صدمة مفاجئة، وهذا المسار محتمل جداً سوف يدفع إليه الكيان الصهيوني ذاته، خَاصَّة أن قرار النفوذ الأمريكي في المنطقة ينطلق من حسابات الكيان الاحتلال الصهيوني الذي ينظر إلى المتغيرات في اليمن من عقيدة المصير والمخاطر وأن انتصار الإرَادَة اليمنية وبناء دولة قوية في اليمن يعني حتمية زواله ككيان مصطنع غير أصيل لا ينتمي لهذه المنطقة وإنما فُرِضَ فرضاً على حسب طرد شعب ودولة فلسطين العربية..
ويوضح دوافع هذا الخيار الموقف الذي يعبر عن الرؤية الصهيونية أحد صناع القرار في العدوان على اليمن عبر رئيس هيئة الجيش الإسرائيلي في تصريح نقلت صحيفة هآرتس 28 مارس: بأنه إذَا ما انتصر الحوثي فعلى إسرائيل أن تغادرَ إلى أوروبا.
الخيار الرابع: البحثُ عن فرص تُعيقُ تقدمَ ونهوضَ الإرَادَة اليمنية وتحوّلها إلى دولة، وكسب الوقت لتهيئة الظروف المناسبة لشن حرب عسكرية من قبل القوات الأمريكية والبريطانية في مواجَهة مباشرة وجهاً لوجه مع الإرَادَة اليمنية.
وهذا يقتضي إحراق المراحل والاعتراف بهزيمة الوكلاء الإماراتي والسعودي والتسليم باستحقاقات وترحيل معركة المصير للمعسكر الصهيو أمريكي بريطاني حتى تتهيّأ الظروف..