في رحابِ حسين العصر
طه محسن السفياني
السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا أبا عبدِالله الحُسَـيْن، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا سليلَ الأنبياء، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا علَمَ الهُدَى، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا منارَ التقى، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا صفوةَ الأولياء، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ نقوةَ الأوفياء، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ خيرة الأصفياء، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا قرينَ القُــرْآن، السَّــلَامُ عَلَـيْـكَ يا سَـيِّـدِي وقدوتي ابنَ بدر الهدى.
في مثل هذه الأيام، وفي شهر رجب كانت آخرَ أيام نلتقيك فيها، لكنك لا زلت حاضرا معنا، في قلوبنا، في مشاعرنا، في أحاسيسنا، في حياتنا، بفكرك ومنهجك القُــرْآني وسيرتك الناصعة، في هذا الشهر المبارك ضحيت بنفسك في سبيل الله تعالى، في سبيل أن تحيا هذه الأُمَّــة، في سبيل أن نعيشَ أعزاءَ كرماءَ مرفوعي الرؤوس، أن نعيشَ في حُرية وكرامة.
يا سَـيِّـدِي، ماذا عساي أن أقولَ في فراقك، في فقدك؟!
سَـيِّـدِي، حقاً لقد رحلتَ إلى الحياة الأبدية، حياة الخلود، وتركتنا في الحياة بلا حياة.
سَـيِّـدِي لقد ذهبتَ دون أن تمسحَ من خيالي مشاهدَك التي لا يمكن أن يمُرَّ يومٌ دون أن أشاهدَك فيها، وأنت تعلِّمُ وتربّي وتدرّس وتنصح وترشد وتهدي وتحُثُّ وتحذر وتحدث الآخرين بكل لطف وتقدير وبصيرة.
سَـيِّـدِي، لقد ذهبتَ من الحياة الدنيا وتركتَ بصمةً في قلوب من لم يعرفوك عن قُربٍ، بل سمعوا بك واهتدوا بهديك، فما بالك بمَن عرفك وعايشك وارتشف من فكرك واستنار بنورك، لقد فارقتنا يا سَـيِّـدِي جسدا فقط، فآثارُك لا زالت باقيةً في كُلّ شيء في الحياة، وستظل كذلك إلى قيام الساعة بمشيئة الله عز وجل.
آه آه يا سَـيِّـدِي على فراقك، ففي ذلك اليوم المشؤوم وفي تلك الليلة الكئيبة، ليلة السادس والعشرين من شهر رجب شهدت أرجاء جبل سلمان موجات صوتية صدرت من مكبرات الصوت تعلن مقتل الشهيد القائد الذي أراد للناس الحياة وأرادوا له الموت!! وحينها يا سَـيِّـدِي لم أكن لأستوعب ذلك الخبر المؤلم والمحزن والذي كان بمثابة الصاعقة لي، إذ لا أستطيع إخفاء ما كنت أشعر وأحس به وكأن السماء قد سقطت فوق رأسي، غمرتني أحاسيسُ من الحزن والكآبة والألم لم تحدث لي من قبل منذ عرفتُ نفسي، أحسست أن نظام الكون قد تغير، كنت أسمع جبال مران تئن وتتأوه، وكان دمعي يجري من عيناي كما يجري السيل في مجراه، وكنتُ أنظر للآخرين من زملائي وهم ما بين شهيد وجريح يئن ويبكي كما أئن، كما أحسست أن بابَ المستقبل قد اغلتق أمامي.
حينها فكرت أنه لا بد من الرجوع إلى الله وأن نصبر ونجاهد كما علمتنا وهديتنا وأرشدتنا وأنرت لنا سبيل النجاة، إذ لا سبيل لنا غير الرجوع الله والمضي بدربك الذي هو طريق الأنبياء وأهل البيت الكرام والأولياء والصالحين من أبناء الأُمَّــة.
سَـيِّـدِي عرفتُك أنك أهلٌ لأن تقبل اعتذاري، فاعذرني إن قصّرت بلا قصد في حقك أثناء حياتك وبعد استشهادك، وكما يعلم الله يا سَـيِّـدِي أن عينَيَّ ما كفتا عن الدمع على فراقك بخلاً وإنما جف دمعُها وانتهى من هول المصاب.
سَـيِّـدِي أصبحنا الآن بفضل الله وفضلك – فيما كنت تكلمنا منه في ذلك الجراش الصغير وفي تلك المنطقة الصغيرة أصبحنا – نواجه أكبرَ امبراطورية عالمية، إنها الإمبراطورية الصهيوأمريكية، محور الشر ورأس الاستكبار العالمي.
سَـيِّـدِي: يقف القلمُ عند الحديثِ عنك عاجزاً والفكر حائراً، فمهما قلنا فيك وفي سيرتك وتقواك وقربك من الله وحبك لنصرة وعزة وكرامة الأُمَّــة لا نستطيع أن نفيك عشر معشار ما تستحق، وإذا كنت قد رحلت عنا يا سَـيِّـدِي فيكفيك أنك رسمت لنا طريق النجاة والفوز والفلاح، أتذكرك يا سَـيِّـدِي كيف كنت تمشي فوق الأرض حتى صارت الأرض بأحجارها وترابها وأشجارها تذكرني بك.
سَـيِّـدِي بأية لُغةٍ كنتَ تخاطِبُ الناسَ حتى استطعت أن تتركَ في نفوسهم هذا الأثرَ الكبيرَ لحبك؟!
سَـيِّـدِي والاقتداء بك.
بماذا أختم كلامي لك يا سَـيِّـدِي وماذا أقول وماذا عساي أن أقول غير أن عهداً مني أقطعه لك وإلى مقامك الرفيع أن نسير على ما سرت عليه، فو الله الذي خلق السموات بغير عمد أن فراقك أدمى قلوبنا وقطع مشاعرنا، فسلام الله عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.