الخلل في الواقع النَّفسي يُخلُّ بالتَّرتيبات العَملية
هنـادي محمّـد
بطبيعة الحال في مختلف الأعمال في الحياة التي يشغلها الإنْسَان، هناك عوائقُ وصعوباتٌ وأتعاب تواجههُ، كذلك بالنسبة لمسيرته الجهادية هو طريق يُصاب فيه المجاهد بأمور مطلوب منه الصَّبر معها لقوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [سورة آل عمران 146]، أي أنَّهُ يصيبهم أمور ومتاعب ولا يعني ذلك أن يتحرك الإنْسَان في هذا الطريق ويتوقّع أنه لن يحتاج فيه لتحمُّل المعاناة وتقديم التضحيات.
قد تبرُز أمام المجاهدين إشكالاتٌ وعوارضُ في ميدان عملهم، في هذه الحالة يحرص الجميع على الاجتهاد في سبيل إيجاد حلول ومخارج باذلين أقصى طاقاتهم في تقصّي جوانب القصور لتداركها، ومعرفة مكمن الخلل لمعالجته..
لكن في بعض الحالات قد نلحظ عدم حدوث أي تغيُّر.. أليسَ كذلك؟.
فهل تساءلنا مع أنفسنا عن السبب؟.
في هذا المقام يرشدنا السيّـد القائـد – يحفظه الله ويرعاه – للتأمّل في قضيّة مهمّة يغفل عنها الكثير، فيقول:
[الخطأ أحياناً قد لا يكون في التَّرتيبات العملية بل في الواقع النَّفسي].
نفهمُ من هذا القول أنَّ علينا أنْ نعيَ جيّداً ونتفهَّم بِأنَّ: وجود خلل في واقع النَّفـس إمّا عُجب , غرور , تباهي , تنافس سلبي , تباغض , تحاسد , حب للظُّهور , أَوْ غرور وما إلى ذلك من الأمراض الشَّيطانيّة القاتلة التي تفتك بالرّوح الجهادية وتنسِفُ الإيْمَـان الحقيقي القائم على مبدأ وقيمة الإخلاص لله – جـلَّ شأنه – وتُفْقد الإنْسَان الحكمة والبصيرة عند أداءهِ لمسؤوليتهِ فلا تكون كما يريد الله، لابدَّ لهذا الخلل أن تكونَ لهُ نتائج في الواقعِ العَملي، ونتائج يَصْعُب حلُّها؛ لأنَّ منشؤها (النُّفوس)، النُّفوس التي ما كان ليكون للشيطان عليها من سبيل فيما لو ذابت في الله فتذيب معها الذَّاتية التي تُغرق الإنْسان وتُعرّضهُ للسقوط كما تحدّث الشهيد القائد (رضوان ربّي عليه) في الدرس السادس من دروس مديح القُــرْآن قائلاً:
[أخطر شيء على الإنْسَان هو عندما يكون غارقاً في ذاتيته, في نفسيته, هذه هي المشكلة الكبيرة, مثلما إبليس, أخذ يتعبد, ومعارف, وأشياء من هذه, وفي مقام هناك مع الملائكة لكنه شخص غارق في ذاتيته! كُلّ سنة, كُلّ سنتين, وكل قرن وهو يلتفت إلى نفسه, وهذه هي التي جعلته في الأخير يسقط. لكن الإنْسَان إذا بداياته صحيحة, ونفسه هو يثبِّت نفسه بأنه هكذا, ما هناك مجال لأن يغرق في ذاتيته, يفهم واحد بأن الباري لا يأتي [يخلطف] لأوليائه أبداً, أذا أنت تسير على طريقة صحيحة عشرات السنين بحيث أنه لم يبق بينك وبين الجنة، [إلا شبراً أَوْ ذراعاً] مثلما في ذاك الحديث, وفي الأخير يمكر لك , ويخلطف لك ليدخلك جهنم هذا غير صحيح!. يأتي تثبيت إلهي, تثبيت متواصل, لكن إذا فيك خلل, إذا كان يوجد عندك بذرة خلل لا بد ما تكبر, وفي الأخير تغرق في الضلال؛ لهذا ربطت الأشياء هذه كلها أن الله يقول للناس هم يسلِّموا أنفسهم إليه, وما لهم دخل من نفوسهم, هو سيجعل في دينه رفعة لهم, عظمة لهم, مجداً لهم, سمواً لهم].
وعليه:
كما نهتم بواقعنا العملي ونعمل بكل عناية على أن يكون ناجحاً، يجب علينا – لِزاماً – أن نهتم بواقعنا النَّفسي ونحرص على بناءهِ بناءً سليماً من جميع الشَّوائب المؤثرة فَيملؤهُ الطُّهر والزكاء والنَّقاء فـ (واقعٌ إيْمَـانيٌّ).
وأن نلتفتَ لواقعنا النفسي ونعقد جلسة واجتماع مغلق مع أنفسنا وسنجد أنَّ كُلّ تلك الإشكالات ستتلاشى.
ويجب علينا أن نتأسّى عملياً برسول الله (صلوات الله عليه وآله) الذي ما عاشَ للحظة – بالرغم من عظيم شخصيتهِ وعظيم بطولاته – مشاعر الحب للذات والعظمة، وإنما عاش مشاعر التَّعظيم لله مع كُلّ إنجازًّ عظيم يُحققهُ اللهُ على يديه، ومع كُلّ نصرٍ يكتُبهُ وفتحٍ يُباركهُ، وهنا يقول الشَّهيد القائد:
[هي بهذه الطريقة, مثلما حصل في القُــرْآن بالنسبة للنبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه من الآيات العجيبة في سورة: {إذا جاء نصر الله والفتح}, وتكلمنا كثيراً حولها, في الوقت الذي هو يحصل لأي إنْسَان, عمل إنجازات من ذلك النوع, يلتفت إلى نفسه, ويرى نفسه كبيراً! أليست هذه قد تحصل؟ يسحب ذهنيته يقول: لا, {فسبح بحمد ربك}, أليس هكذا؟ في لحظة الإنجازات الكبيرة هذه اغرق في ماذا؟ في تقديسك لله, إنسَ نفسك نهائياً, واعرفْ بأنك ما تزال قاصراً ومقصراً, {واستغفره إنه كان توابا}استغفره, ترجو توبته. أليست هذه عبرة كبيرة جداً؟]. ” الدرس السادس من دروس مديح القُــرْآن “
وعندما يربينا الهدي على أن نلغي ذاتيتنا، ليس لأنَّ الله لا يريد لجنودهِ المجاهدين الرِّفعة..!، بل لأنَّه يريد منا أن ننظر نظرة العظمة للمسؤولية حتى لا نُخل بِها وهو من سيعلي من شأننا على أساس استشعارنا لمسؤوليتنا وليس على أساس تعظيمنا لذواتنا ونسياننا لتقديس الله وتعظيمه في نفوسنا، وفي ذات السياق من الحديث السابق المُهم للسيد حُسين رضوان ربّي عليه يستكمل قائلاً:
[نفس الوقت هل الله يأتي يضرب الإنْسَان لا يَكْبُر؟ لا, يأتي هو من الجانب الآخر يقول:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}(الشرح4) ألم يرفع له ذكره؟ يقرن اسمه باسمه في الأذان, يقرن اسمه باسمه في الشهادة بالوحدانية, في التشهد للصلاة, أليس هذا حاصل؟. هو لا يقول: لا نريد أن يكون لك رفعة. يقول هو:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}(الزخرف44) لكن أن تأتي أنت, أنت تريد تبني نفسك ـ مثلما نقول نحن ـ يريد واحد هو, هو, هو غارق في ذاتيته, ما هو طالع على الإطلاق, سيحبط, وينحط, مهما رأى نفسه كبيراً, ويغرق في الضلال؛ ولهذا جعل الله القضية أَكْبَـر من أن تلتفت إلى ذاتيتك, إلى نفسك, نفس حمل المسئولية, حمل المسئولية هي جعلها بالشكل الذي تكون أَكْبَـر منك].
أسألُ من الله الهداية والتوفيق والثَّبات، والعون والسَّداد والرَّشاد، وحُسن الخاتمة بالاستشهاد.
والعاقبـةُ للمتَّقيـن.