العجوز الشمطاء والأطماع القديمة الجديدة في اليمن (2-2)
عدلي عَبدالقوي العبسي
نعودُ مرة أُخْــرَى إلى السؤال المهم: هل هذه الأحداث والتحَــرّكات تمثّلُ بداية عودة للسيطرة السياسية الاقتصادية العسكرية (الكولونيالية) المباشرة، أي بعبارة أُخْــرَى فرض سلطة الاحتلال على البلد؟!! أم أن الأمر لا يعدو عن كونه تحَــرّكاً كثيفاً من أجل الحصول على نصيب وافر من الكعكة (أي الثروة الهائلة والمزايا الاستراتيجية للموقع الجغرافي).
وبالاختيار بين هذين الجزئين من السؤال الاستفساري نميل إلى الجزء الثاني، إذ أن الحديثَ عن عودة الكولنيالية بشكلها التقليدي أمر مستبعد في ظل ظروف عصرنا الراهن والتطورات الديموقراطية الحاصلة دولياً وإقْليْمياً ومحلياً مع بروز قوى جديدة تجعل حدوث مثل هذا الأمر شَيئاً صعباً جِــدًّا إنْ لم يكن مستحيلاً.
ولكن ماذا تريد العجوز الشمطاء من هذه التحَــرّكات والتدخلات العدوانية الواضحة على الصعيدين السياسي والعسكري؟!!
الجواب واضح: ثمة جملة من الأَهْدَاف والأغراض المكشوفة والمستترة للتحَــرّك البريطاني الذي يقوده فريق اليمين البريطاني المحافظ الحاكن الجديد تيريزا ماي وطاقمها السياسي الشرير نوجزها فيما يلي:
الأطماع الاقتصادية المتمثلة بالاستثمارات في ميناء عدن وَغيرها من الموانئ اليمنية وكذلك في جوانبَ متعددةٍ من الاقتصاد البحري اليمني الواعد: جزراً وشواطئَ ومناطقَ صناعيةٍ وأسماكاً ونباتاتٍ نادرة ومعادن وسياحة بحرية ونفطاً وغازاً وبنية تحتية وووو، وذلك بالشراكة مع إحدى بناتها دويلة الإمَارَات التي سارعت إلى شن حرب على البلد الفقير من أجل السيطرة على ثروات اقتصاده البحري والطبيعي الواعد ومن أجل التحكم في الممرات الملاحية سعياً لدرء الخطر الاقتصادي الجيوسياسي المتمثل بالتمدد والمنافسة للقوى الأُخْــرَى الإقْليْمية والدولية وأخطرها طموحات النفوذ والاستثمارات الصينية في سياق مشروعها التأريخي العملاق المسمى بـ (طريق الحرير)، ومعروفة قصة ميناء عدن وميناء جوادر الباكستاني والسباق على إمكانات الاقتصاد البحري للمنافسين المحتملين وَأَيْـضاً مخاوف إمَارَاتية سعودية ومن ورائهما بريطانية أمريكية إسرائيلية من تمدد نفوذ عسكري واقتصادي مماثل لقوى أُخْــرَى: روسية وإيرانية وتركية وهندية.
هذه المصالح المهددة والأطماع الواضحة لبريطانيا وتوابعها (أبقارها الحلوب أَوْ محمياتها الخليجية أَوْ بناتها الصغار إذا شئت) هي الدافع الأساس وراء هذه التحَــرّكات السياسية الدبلوماسية العسكرية في المنطقة استنقاذاً لمصالحها غير المباشرة عبر توابعها الخليجيات؛ وبحثاً أَيْـضاً عن صيد مباشر ونصيب وافر سريع من الكعكة المنوي تقاسمها في المستقبل القريب!!
وهناك مؤشراتٌ واضحة تؤكد هذه الأطماعَ البريطانية ووقوفها خلف التحَــرّكات الخليجية وتوجيهها لها ومؤازرتها أبرزها: منها ما ذكره محللون جيوسياسيون يمنيون قبل أشهر:
أولها: التحذير البريطاني المستمر للأمم المتحدة من أخطار استهداف القوات الوطنية في صنعاء للملاحة الدولية في باب المندب (مثال العام الماضي حادثة محاولة استهداف ناقلة النفط الليبية بعد يوم من تصريح المسئول البريطاني وكذا الإعلان عن استهداف ناقلة النفط الإمَارَاتية.
ثانيها: إشراف القوات البحرية البريطانية على القوات البحرية العسكرية للتحالف في عدن ومحيطها مثال لواء المغاوير السعودي وتحويل مقر القوات البحرية اليمنية إلى مقر للقوات البحرية البريطانية ووجود خبراء بريطانيين في عدن (لاحظ أَيْـضاً ما كشفته إحدى الصحف الأمريكية البارزة قبل مدة بسيطة من أن غرفة عمليات التحالف المركزية في المملكة مكونة من خبراء بريطانيين وأمريكيين!!!
ثالثاً: سياسة تشكيل القوات العسكرية (الميليشيات) على أساس مناطقي جهوي وبأنواعها المختلفة قوات نخبة + أحزمة أمنية + ميليشيات محلية (مثال قوات الصبيحة) وهي سياسة تشبه سياسة الاستعمار البريطاني في الجنوب.
رابعاً: سياسة إحياء مشروع تدويل الجزر اليمنية والسيطرة عليها وأبرزها جزيرة ميون في باب المندب.
خامساً: السيطرة على الموانئ الجنوبية وَالرغبة المحمومة في السيطرة على موانئ البحر الأحمر، بما فيها الحديدة وكذا السيطرة الحالية على ميناء المخاء والمناطق الساحلية جنوب غرب البلاد.
سادساً: محاولات إحياء مشروع اتحاد الجنوب العربي وهو مشروع بريطاني انتهى مع قيام ثورة أكتوبر.
نفهم إذاً لماذا قدمت بريطانيا مع كبرى بناتها أمريكا – والتي هي أَيْـضاً لديها أطماعُها ومصالحها وإن بدرجة أقل – دعماً متنوعاً غير محدودٍ للدول الخليجية الرجعية الحليفة التابعة لها أثناء شن الحرب الامبريالية العدوانية بالوكالة نيابةً عنها على بلدنا ونفهم أَيْـضاً لماذا تكاد تنفرد بريطانيا بالملفات السياسية ذات الصلة بالمنطقة وبلدنا على وجهِ الخصوص.
إنه إذاً التناغم لدول ذات أرومة تأريخية واحدة هي هَـذِه الامبرياليات الأطلسية وكياناته الوظيفية (ممالك الخليج + الدولة الصهيونية) وهو ما نراه بوضوح في تنسيق السياسات الهادفة إلى خدمة المصالح المشتركة في اليمن.
إنه (الاقتصاد يا غبي) من يقف خلف هَـذِه الحرب الظالمة والتحَــرّكات السياسية والدبلوماسية والتضليل الإعْـلَامي الثقافي باستخدام وتوظيف الأطروحات القومية اليمينية الفاشية التي يروج لها الصداميون والساداتيون والفيصليون عن خطر القوميات المجاورة على الأمن القومي العربي وهو الخطر المزعوم القائم على نزعات تأريخية قديمة كورشية وشعوبية وطورانية وووو.. إلخ.
وكذا توظيف الأساطير الدينية تارةً (لاحظ كثافة المواد المتنوعة في الانترنت والمكتبات ودُور العبادة عن ارماجيدون وعلامات الساعة وأشرار المشرق وعن الحرب المشتركة الإسْـلَامية اليهودية ضد هؤلاء الأشرار..
واضحٌ هنا الرغبة المحمومة في حرف الصراع والتعمية على الخطر الحقيقي المتمثل بالمشروع الاستعماري الصهيوني وليس القوميات المجاورة التي تعاني من نفس مشاكل العرب وتتعرض، مثلهم للتآمر الغربي الاستعماري الصهيوني ومشروعة في استنهاب الثروة وتدمير المجتمع وتفكيك الدولة الوطنية.
إنه الاقتصادُ والأطماع الاستعمارية الاقتصادية وليست الحرب؛ بسبب صراع المذهب والطائفة أَوْ العرق والقومية أَوْ الرغبة في تفكيك البنى الاجتماعية المتخلفة وتحديث المجتمع أَوْ الاستبداد الآسيوي أَوْ الديموقراطية وحقوق الإنْسَان وإعادَة الشرعية ومكافحة الإرْهَــاب أَوْ الصراعات التأريخية والأحقاد القديمة ولا حتى الاختلافات السياسية والحزبية، فكل هَـذِه عوامل ثانوية تتحكم في الصراع أَوْ تقف كدافع وراء الهجمة الاستعمارية الراهنة وليس أي منها هو العامل الأساس.
لكن للتأريخ كلمته في النهاية ولا بد أن تصطدم مثلُ هَـذِه السياسات العدوانية المحفزة بالأطماع الاستعمارية بالنضال الشعبي الثوري المقاوم وكذلك بالتدخلات والتحَــرّكات الصديقة للدول الوطنية الكبرى الناهضة في الشرق والتي لديها أَيْـضاً مصالحُها المشروعة في اليمن وتتمتع بعلاقات ممتازة مع شعبنا وذلك لمواقفها التأريخية المنحازة دوماً إلى جانب نضاله الوطني التحرري وهي وإنْ كانت الآن بعيدةً عن الموقف الإيْجَــابي ولها حساباتها الخَاصَّــة.
فإن تدخلها لصالح الشعب اليمني أمرٌ سيتكرر حتماً عندما تحين الظروف لذلك وتنفجر ثورة شعبية جديدة قادمة في وجه الغزاة، وهو ما سيجعل التدخل الإنْسَاني الصديق أمراً لازماً.
فضلاً عن الحوافز المشروعة التجارية لهما مع دول المنطقة ومنها بلدنا… وإن غداً لناظرة قريب.