العدوان على سوريا.. كشف عجزَ الدول الغربية والتواطؤ العربي
راسم عبيدات
العدوان الثلاثي الإجرامي الذي قامت به أمريكا وبريطانيا وفرنسا في الرابع عشر من الشهر الحالي، وبمشاركة إسرائيلية في تحديد الأَهْدَاف وبنك المعلومات في سوريا… هذا العدوان كانت إسرائيل والعديدُ من الدول العربية وتركيا تُمَنِّي النفس بأن يُحدِثَ تدميراً كبيراً في القوة العسكرية السورية، ويخرج الجزء الأَكْبَــر منها من الخدمة، بحيث يغدو الجيش السوري عاجزاً عن استكمال استعادة الجغرافيا السورية جنوباً وهو المهم، وهذا يعني بأن إسرائيل ستبقى في مأمن من أي قصف قد تتعرض له رداً على عدوانها على سوريا والقوى الحليفة، كما حدث في عدوانها الأخير على مطار “التيفور” السوري في حمص، حيث استشهد فيه مجموعة من العسكريين السوريين والإيرانيين، هذا الهجوم الذي ما زالت إسرائيل مستنفرة لقواتها وتعيش حالة هلع وخوف حقيقيين من رد إيراني انتقامي قادم… وهذا العجز السوري بعدم استكمال مشروع تحرير سوريا من الجماعات الإرْهَــابية والتكفيرية وطرد قوات الاحتلالين الأمريكي والتركي من الشمال السوري، المراد منه فرض شروط سياسية على الدولة السورية فشلت دول العدوان من تحقيقها في الميدان العسكري. فقد جاءت الضربة التي شنتها قوى العدوان الثلاثي، لكي تكشف عن عمق مأزق تلك الدول والدول التي تعمل على تحريضها، مشيخات النفط العربي، وفي المقدمة منها السعودية التي استعدت لدفع تكاليف بقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا، أربعة مليارات من الدولارات بلغة تاجر العقارات والمال والصفقات والوكالات والعمولات ترامب، بعدما صرح بأنه سيعمل على سحب قواته من سوريا بأسرع وقت ممكن في ابتزاز مالي واضح لعربان الخليج، وحينما نفي ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون الشريك في العدوان، بأن أمريكا ستبقي على قواتها في سوريا لأطول فترة ممكنه، أعلنت العديد من المشيخات الخليجية منها السعودية والإمَارَات وقطر عن استعدادها لدراسة مشاركة قواتها في الإحلال محل القوات الأمريكية، تلك الفكرة التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب.
المهم الضربة الثلاثية المعول عليها في إسقاط الأسد وقدوم المعارضة لاستلام الحكم على ظهر الدبابة الأمريكية، كما حصل أيام غزو العراق واحتلاله في عام 2003، حيث دخلت المعارضة العراقية المدعومة أمريكياً على ظهر دبابات الحاكم العسكري الأمريكي للعراق بريمر، لم تنجح في تحقيق أَهْدَافها، فقد كانت الضربة التي عبر فيها المتطرف ترامب عن سذاجته العسكرية في تغريدة على “توتير” “استعدي يا روسيا فصواريخنا قادمة”. لكنه حين واجهه وزير الدفاع ماتيس ورئيس هيئة الأركان الموحّدة جوزيف دانفورد بحقائق المعادلات، أُسقط في يده ولم يجد غير مستشاره جون بولتون يشد من أزره للحفاظ على ماء الوجه.
تلك الضربة التي تأجلت أَكْثَــر من مرة، جاءت أقل من متوسطة الشدة، وأقرب منها إلى الجانب الاستعراضي وحفظ ماء الوجه، وهي تمت خارج إطار الشرعية الدولية، وكذلك استبقت مجيء اللجنة الأممية من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، فيما بدى كأنها محاولة لطمس الأدلة، وخَاصَّــة بأن الوقائع والمعطيات تشير إلى عدم استخدام أي سلاح كيماوي في مدينة دوما المحررة، سوى فبركات إعْـلَامية تحريضية شاركت فيها المخابرات البريطانية.
الضربة الفضيحة والتي استخدمت فيها أحدث أسلحة الدول من صواريخ مجنحه وقنابل ضخمة، تمكن الدفاع الجوي السوري من الجيل القديم من إسقاط معظمها والمواقع التي تم قصفها، لم تكن سوى مواقع مهجورة أَوْ تم اخلاؤها قبيل عمليات القصف، ولذلك كانت الخسائر محدودة بشرياً ومادياً.
ولذلك هذه الضربة الحقت الضرر بهذا الحلف العدواني، والتي كشفت بشكل واضح أن ما يسوق من ادلة لتبرير هذه الضربة، استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، لم تعد مقنعة لطفل صغير، وهذه الضربة عمقت من أزمة هذا التحالف بانتهاكه للقانون الدولي، ومثل هذا التصرف يفتح الطريق أمام دول أُخْــرَى للتصرف خارج القانون الدولي، كما أنها رفعت من شعبية الرئيس الأسد والتفاف الجماهير السورية حوله داخل سوريا وخارجها، وكذلك الضربة عملت على تعزيز التحالف الروسي- الإيراني- السوري، وهي دفعت القيادة الروسية إلى تزويد الجيش السوري بشبكة دفاع جوي متطورة قادرة على ضرب الطائرات الإسرائيلية في الخاصرة الرخوة للشام الأجواء اللبنانية.
الضربة جاءت لتقول مجموعة حقائق بان الجيش السوري تعامل بكفاءة عالية مع العدوان، نتيجة ما اكتسبه من خبرة وتمرس في ميدان حرب جاوز عمرها السبع سنوات، وهذا مكن الدفاع الجوي السوري من إسقاط أغلب الصواريخ التي أطلقها الحلف المعادي (71) صاروخاً، وبالمقابل وجدنا بأن هناك قيادةً صلبة متماسكة، يقف على رأسها رئيس، يمتلك الشجاعة والإقدام، فهو صباح يوم العدوان مارس عمله اليومي بالقدوم إلى مكتبه بشكل طبيعي، وهذا التماسك والصلابة القيادية، جعلت الجماهير الشعبية، تلتف بشكل غير مسبوق حول قيادتها وتخرج للشوارع في تحد واضح لدول العدوان بحيث لم ترهب صواريخ العدوان، بل كانت تخرج في مسيرات ومظاهرات عفوية تندد بالعدوان وتشيد بالجيش والقيادة السورية.
عل المستوى السياسي، أكّــدت سوريا على تمسكه بمواقفها، بانه لن يكون هناك أية تنازلات سياسية أَوْ جوائز ترضية لدول العدوان، وما عجزوا عن تحقيقه في الميدان، لن تفلح صواريخ العدوان في الضغط على القيادة السورية، لكي تقدم تنازلات سياسية للجماعات الإرْهَــابية ومن يقفون خلفها.
+++++++++++++++++++++++++
تبعية الأنظمة العربيّة واستكبار الاستعمار
زهير أندراوس*
“مَنْ ظهر أولاً وَمَنْ أوجد مَنْ؟ العبد أمْ السيّد. هل السيّد مَنْ صنع العبد نتيجة لسلوكه العبوديّ أمْ العبد مَنْ صنع السيّد نتيجة لاستبداده؟”، هذا باختصارٍ شديدٍ لُبّ جدلية الفيلسوف الألمانيّ جورج هيغل، التي حاول سبر غورها في كتابه “ظواهرية الروح” الصادر عام 1807. والسؤال الذي يُستنبط ممّا ذُكر: هل ستبقى جدلية استسلام أوْ عبودية الأنظمة العربيّة قائمة أيضًا بلا نتيجة كما هي جدلية البيضة والدجاجة البيزنطيّة؟ وهل ستبقى العبودية والعرب رفاق درب وتأريخ طويل لا ينفصلان؟ سؤال لم تتّم الإجابة عليه حتى اللحظة، علمًا أنّه قد قيل إنّ عبوديتهم، أوْ تبعيتهم للغرب، جاءت من استبداد السيّد، وفي حالتنا الإمبرياليّة وموبقاتها، منذ أنْ تمّ غزو الوطن العربيّ ثقافيًا وبإرْهَــاب الأسلحة الفتاكّة.
***
الثلاثيّ غيرُ المٌقدّس: الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، ما زال يعمل وبوتيرةٍ مُقلقةٍ وخطيرةٍ جدًا على الإمعان في تكريس وترسيخ دونيّة الإنْسَان العربيّ، كمُقدّمةٍ لكيّ وعيه واستدخال الهزيمة، مُقارنةً بفوقية الغربيّ-الأبيض، والإسرائيليّ الحضاريّ والمُثقّف والمُتقدّم والمُتطوّر، وها نحن عشية إحياء الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطينيّ، وهي أَكْبَــر جريمة ارتُكبت في التأريخ الحديث، حيثُ قامت قوى الاستكبار والاستعمار، مدعومةً من الحركة الصهيونيّة العنصريّة التوسّعية، وبتواطؤٍ مع الرجعيّة العربيّة، بتقديم فلسطين على طبقٍ من ذهبٍ للصهاينة، أيْ أنّ مَنْ لا يملك أعطى لمَنْ لا يستحّق، نحن عشية الذكرى وفلسطين تتلاشى. سنُحيي الذكرى بألمٍ وحسرةٍ شديدين، ليس فقط لأننّا نتذكّر التشريد والتهجير والاقتلاع من الأرض والمجازر التي ارتُكبت بحقّ أبناء شعبنا، بل أيضًا؛ لأنَّ قضية فلسطين، “قضية العرب الأولى”، باتت هامشيّةً وثانويّةً على الأجندة العربيّة والدوليّة وحتى العالميّة، ولا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا بأنّ المُخطّط الشيطانيّ لتدمير سوريّة، الذي بموجبه تكالبت عليها أَكْثَــر من تسعين دولةٍ، كان هدفه المفصليّ وما زال وسيبقى الإجهاز على قضية فلسطين، بواسطة تفتيت هذا القُطر العربيّ، أيْ أنّ الطريق لسيطرة السيّد الإمبرياليّ على الـ ”عبد” فلسطين، تمُرّ عبر بوابة شطب دمشق عن الخريطة.
* * *
ولكي نضع بعض النقاط على عددٍ من الحروف، يتحتّم علينا العودة قليلاً إلى الماضي: فها هو دافيد بن غوريون، مؤسس دولة الاحتلال، أَكْبَــر مثال على ذلك، فهو الذي أطلق مقولته الشهيرة والخبيثة: “عظمة إسرائيل ليس في قنبلتها النوويّة ولا ترسانتها العسكريّة، ولكن عظمة إسرائيل تكمن في انهيار ثلاث دول، مصر والعراق وسوريّة”، وبالتالي لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، الفصل بين ما يجري هذه الأَيَّـام في سوريّة عن الماضي والتأريخ والأجندات الصهيونيّة والغربيّة الاستعماريّة معها. فاستهداف سوريّة لم يسقط يومًا في الاستراتيجيات الصهيونيّة منذ ما قبل زرع دولتها هنا على أرض فلسطين. سوريّة بقيت اليوم وحيدة في المعركة، بعد أنْ خانها العرب من المحيط إلى الخليج، وجيشها العربيّ العقائديّ يخوض معركةً شرسةً ضدّ القوى التي جاهرت بعدائها من جميع أصقاع العالم، فمصر، أَكْبَــر دولة عربيّة، تمّ إخراجها من محور الممانعة والمقاومة عام 1979 بعد التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل، فيما قامت أمريكا وبريطانيا في العام 2003 بغزو العراق وحلّ جيشه وإعدام رئيسه، الشهيد صدّام حسين، بذريعة مُلفقةٍ وكاذبةٍ بأنّه يمتلك أسلحة غيرُ تقليديّةٍ.
***
والمُفارقة أنّه في الذكرى الـ15 لاحتلال العراق، عادت أمريكا، رأس الأفعى، بمُساعدةٍ من شريكتيها، فرنسا وبريطانيا، بشنّ عدوانٍ ثلاثيٍّ ضدّ سوريّة، فجر السبت الـ14 من نيسان (أبريل) الجاري، بزعمٍ أنّ النظام الحاكم في دمشق استخدم الأسلحة الكيميائيّة ضدّ شعبه. وغنيٌ عن القول إنّ هذه الدول الثلاثة، وهي مارقة وبلطجيّة بامتياز، لم تُبرز أدلّةً لتأكيد ادّعاءاتها، والطامة الكبرى أنّه بعد حوالي 24 ساعة من العدوان البربريّ-الهمجيّ على بلاد الشام عقدت جامعة الدول العربيّة، التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوعٍ، قمّتها في الظهران بالسعوديّة، ولم يجرؤ أيّ زعيمٍ عربيٍّ على التطرّق للعدوان، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، وفي هذه العُجالة يحّق لنا أنْ نسأل وبالصوت العالي: هل الأنظمة العربيّة أيدّت العدوان؟ أمْ أنّها مُرتاحة جدًا؛ لأنَّه بحسب جدلية هيغل، نحن أمام موقفين، موقف السيّد وموقف العبد، وفي حين أنّ السيّد قد خاطر حتى النهاية، فاستطاع أنْ يظفر باعتراف وعي الآخر به، نجد أنّ العبد قد رفض المخاطرة، وتخلّي عن رغبته، ومن ثمّ اقتصر ردّه على إشباع رغبه الآخر، وبذلك اعترف بِالآخر دون أنْ يلقي منه أيّ اعترافٍ، بكلماتٍ أُخْــرَى لم يرفع العرب العلم الأبيض فقط، بل استسلموا قولاً وفعلاً.
***
بالإضافة إلى ذلك، نؤكّد على أنّ عدم اتخاذ موقفٍ هو موقف في قمّة الانتهازيّة، وبعيدًا عن الـ ”تضامن العربيّ” الهلاميّ والخُرافيّ، نُشير إلى أنّ مَنْ لا يحترم نفسه، لا يملك أيّ حقٍ أخلاقيٍّ بمُطالبة الآخرين بحصافته ومهابته وتوقيره، وبالتالي: عندما ترى الأمم الأُخْــرَى هذه الـ ”مسرحيّة الهزليّة” من إعداد وإنتاج الأنظمة العربيّة، كيف ستحترم أمّة الناطقين بالضاد؟ والأدهى من ذلك: لماذا ستُقيم للعرب وزنًا وهُمْ يطعنون بعضهم البعض سرًّا علانيّةً؟ وأَكْثَــر من ذلك: بريطانيا، أمّ الاستعمار، أجرت استفتاءً للانسحاب من الاتحاد الأوروبيّ، أمّا نحن، فقد قررنا طرد سوريّة، وهي عضو مؤسس وفاعل، من جامعة الدول العربيّة، وهي خطوةً غيرُ مُبررةٍ بتاتًا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ كيان الاحتلال يُقيم علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ كاملةٍ وعلنيّةٍ مع مصر والأردن، مدعومةٍ باتفاقيتيْ سلام، أمّا عن العلاقات السريّة الإسرائيليّة مع الدول التي يُصّنفها مُعجم الصهاينة بـ ”الدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة”، فحدّث ولا حرج.
* * *
عوّلنا على الشعوب العربيّة، كنّا على أمل أنْ تنطلق المظاهرات المُندّدّة بالعدوان الثلاثيّ ضدّ سيادة دولةٍ عربيّةٍ في العواصم العربيّة لتوجيه رسالةٍ حادّة كالموس لأمريكا، التي قال عنها الشهيد جمال عَبدالناصر: “إذا وجدتموها راضيةً عنّي فاعلموا أننّي على خطأ”، ولكن خيبة الأمل كانت بحجم التوقعّات: الشارع العربيّ بسواده الأعظم التزم الصمت المُطبق، ولم يرتقِ إلى مُستوى الحدث، وإذا اختزلنا بعض التظاهرات اليتيمة فيُمكننا القول إنّ الأنظمة والشعوب العربيّة باتا في نفس قارب التبعيّة المُطلقة للسيّد الـ ”غربيّ الأبيض” والـ ”صهيونيّ الراقيّ”، وإذا كان الوضع كذلك، كان حريًا بالقمّة العربيّة الأخيرة، التي لم تُصدر كعادتها بيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض، اتخاذ قرارٍ بتأييد العدوان الثلاثيّ ضدّ سوريّة، ودقّ المسمار، ربمّا الأخير، في نعش هذه الأمّة و”قضيتها المركزيّة”، فلسطين.
*كاتب عربيّ من فلسطين