على السعودية أن تدفع الثمن..
معن حمية
في أواخر آذار الماضي، أعلن الرئيسُ الأميركي دونالد ترامب من أوهايو بأنّ قواتِه ستخرُجُ من سورية «في وقت قريب جداً»، وعلى أَثَرِ هذا الإعلان سُجّلت مواقفُ وتصريحاتٌ مرتبكة لعدد من المسؤولين الأميركيين تنطوي على ما يشبه النفي، منها ما صدر عن الخارجية الأميركية التي نفت علمها بأيّة خطة لسحب القوات من سورية، وتشديد المتحدّث باسم البنتاغون على أنّ مهمة العسكريين الأميركيين في سورية «لم تتغيّر»، ليعود ترامب ويعلن بعد أيام قليلة، بأنه إذَا أرادت السعودية بقاء القوات الأميركية في سورية فيتعيّن عليها أن تدفع!
وبعد أن ربط ترامب أمر بقاء قواته بفاتورة تدفعها السعودية ومعها بعض دول الخليج، أعلن وزير خارجية السعودية عادل الجبير استعدادَ مملكته لإرسال قوات إلى سورية، كاشفاً عن أنّ هناك دولاً خليجية أُخْــرَى وبعض دول التحالف الإسْلَامي هي الأُخْــرَى لديها الاستعدادُ نفسُه!
سريعاً تلقّفت الإدارَةُ الأميركية تصريحَ الجبير، وكشفت مصادرٌ لشبكة «سي أن أن»، بأنّ إدارَةَ الرئيس ترامب تدرس تقديم «مكافأة» للسعودية بأن تصبح دولة بدرجة «حليف رئيسي خارج الناتو»، إذَا وافقت على إرسال قوات وتقديم مساهمات مالية، وأنّ هذه «المكافأة» واحدة من الأفكار التي يدرسها حالياً مجلس الأمن القومي الأميركي..
المشهد إذاً هو على هذا الشكل:
ترامب يعتزم سحب قواته من سورية نتيجة ما تتكبّده بلاده من أكلاف.
مسؤولون أميركيون في إدارَة ترامب، وبينهم المندوبة الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي «قلّلوا» من جدية موقف رئيسهم!
ترامب يعود ويؤكد موقفه، لكنه يفتح المجال أمام تغيير الموقف بقوله: على السعودية ودول الخليج أن يدفعوا كي تبقى القوات الأميركية في سورية!
الجبير يتدخّل مبدياً استعدادَ السعودية وبعض الدول الخليجية لإرسال قوات إلى سورية!
مصادر مسؤولة في البيت الأبيض تكشف لوسائل الإعلام عن «مكافأة» للسعودية إنْ هي أرسلت قوات إلى سورية لتحلّ محلّ القوات الأميركية!
الأمر أشبه بأُحجية يصعب حلّها، لكن ما هو واضح، أنّ كلام ترامب عن الانسحاب من سورية ليس مجرد كلام، فالولايات المتحدة تريد أن تنأى بقواتها عن مرمى نيران الجيش السوري وحلفائه، وهذا يؤشر إلى أنّ الإدارَة الأميركية ربما ستلجأ إلى تكرار عدوانها على سورية، بواسطة الطائرات والصواريخ البعيدة المدى، من دون أن تعرّض قواتها للخطر.
أما عن «المكافأة» التي تدرس إدارَة ترامب تقديمَها إلى السعودية، فهي لردّ الاعتبار إلى الجيش الأميركي، بعدما تلقى صفعة قوية من ترامب، حين طلب من السعودية أن تدفع له، وللقول إنّ الجيش الأميركي ليس للإيجار، وإنّ أميركا هي من يستأجر الجيوش والعناصر بالمكافآت.
وربطاً بما تقدّم، فإنّ السؤال المطروح، هل تصريحات وزير البلاط السعودي عادل الجبير جاءت استكمالاً لعناصر الأحجية السابقة، أم أنها تهدف لإخراج ترامب من الحرج الذي وقع فيه تجاه جيشه، أم أنّ السعودية تفكّر جدياً بأن تحلّ محلّ القوات الأميركية في سورية!
ليس المهمّ معرفة ما تفكر به السعودية؛ لأنّ طبيعة تفكيرها واضحة تجاه سورية، من خلال دعمها للإرهاب وتمويله، وهي -أي السعودية- لا تستطيع تحمّل تبعات إرسال قوات سعودية صرفة إلى سورية من دون مشاركة قوات من بعض الدول العربية، وهذا ما يتولاه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إذ كشفت تقارير إعلامية عن سعي بولتون لدى مصر من أجل المشاركة في إرسال قوات إلى سورية، غير أنّ سعيه قوبل بالرفض.
وعليه، إذَا قرّرت السعودية أن تأتي وحيدة إلى سورية، فإنها حتماً ستدفع الثمن مضاعفاً.