مقتطفات نورانية
نعمة الهداية
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من ضل بعد هذا الهدى، بعد هدى الله، هذا الهدى الذي هو القرآن الكريم، والنبي العظيم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) فما له من هاد، لن يكون هناك من يهديه إطلاقًا.
هذا فيما يتعلق بنعمة الهداية، ولكن لما كانت نعمة قد يكون كثير من الناس لا يلمس قيمتها، لا يدرك قيمتها، وإلا فهي من أعظم النعم؛ لأن الله قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (الحجرات:17).
هو الذي له المنة علينا أن هدانا للإيمان، والنعم الأخرى وهي تشمل جميع مجالات الحياة، ونعم أخرى تبرز في مواقف الناس المتعددة في ميادين العمل، من التأييد بالنصر، من الدفاع عن المؤمنين. إذا تأمل الإنسان القرآن الكريم وهو يعدد النعم الكثيرة على الناس ليست فقط هذه المادية التي نحن نتقلب فيها مما بين أيدينا من النعم المختلفة، بل هي نعمة أيضًا يجدها المؤمنون وهم في ميادين العمل، في ميادين نصر دين الله، والعمل لإعلاء كلمة الله.
الله سبحانه وتعالى أكد في كتابه الكريم لعباده أن عليهم أن يذكروا نعمه، أن يتذكروا نعمه، أن يشكروا نعمته في آيات كثيرة، والقرآن الكريم متى ما كرر شيئًا، متى ما أكد على شيء فإنه فعلًا ليس كلام لمجرد الكلام، أو لتستقيم السجعة كما يعمل الناس، أو ليستقيم وزن البيت الشعري كما يعمل الشعراء، وإنما يكرر الشيء لأهميته، وكل شيء هام باعتبار أنه تمس الحاجة إليه بالنسبة لنا، وفي مجال علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بحياتنا، فيما يتعلق بالتعامل مع بعضنا البعض، فيما يتعلق بأعمال المؤمنين في مجال نشر دين الله وإعلاء كلمته، وفي ميادين المواجهة مع أعداء الإسلام.
من العجيب أن تجد آية تحكي، عندما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: من الآية144) يقول لنبيه موسى وهو ذلك الرجل العظيم الذي قطع على نفسه عهدًا {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} (القصص: من الآية17) من أجمل ما قاله الأنبياء جميعًا، هذه الكلمة التي قالها موسى (صلوات الله عليه)، من أجمل وأعمق الكلمات التي قالها الأنبياء فيما تدل عليه من مشاعر الارتباط القوي بالله سبحانه وتعالى، وإدراك عظم النعمة التي أنعم الله بها عليه، وقد كان ذلك قبل النبوة. ما هي هذه النعمة؟ قد يكون أكثر ما نلمسه في هذا الجانب هو أنه توفق إلى أن يقف موقف حق، وأن يعلن كلمة حق، وأن يقارع الظالمين.
ماذا تعني نعمة الهداية؟
نعمة الهداية التي هي تتلخص في كلمة: إخراج من الظلمات إلى النور، بكل ما تعنيه الظلمة في الجانب الأخلاقي، في الجانب المادي، في الجانب المعنوي، وبما تعنيه كلمة النور، النور في النفس، النور في القلب، النور في الحياة، النور في القيم، لكننا نحن البسطاء قد يكون الكثير منا لا يدرك أهمية وعظمة هذه النعمة، نعمة الهداية، لا نكاد نعترف بأن النعمة الحقيقية إلا هذه النعم التي نلمسها: أموال، ماديات الحياة هي هذه، ولكن حتى هذه التي نحن نتقلب فيها طيلة أعمارنا، كل ما تتحرك فيه خلال الأربع والعشرين ساعة من النعم العظيمة هي من الله، ولكن حتى هذا على الرغم من أننا نلمسها وندرك حاجتنا الماسة إليها لا نكاد نتذكرها بأنها نعمة من الله، ولا نكاد نتذكر أنه يجب علينا أن نشكره عليها، وأن نستشعر عظم إحسانه إلينا بها، فنحبه ونتولاه، ونشكره ونعبِّد أنفسنا له، إن الإنسان لظلوم كفار.
النعم المادية
لهذا تجد الحديث في القرآن الكريم عن النعم المادية واسع جدًا، والحديث عن النعم المعنوية، نعمة الهداية، نعمة إنزال الكتاب، نعمة الرسول، تجدها قليلًا، لكنها تتوجه إلى أصحابها كما يقول لأنبيائه هنا: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: من الآية144) يقول لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ويقول لموسى؛ لأننا نحن البسطاء لا نزال نحتاج إلى نقلة، أن نستشعر أن ما بين أيدينا هو من الله، ونعترف بأنه نعمة، ثم يتوفر لنا ما يعطيه هذا التذكر من المعاني العظيمة، ولو بعض منها فيكون من حصل منا على هذا الشيء يعتبر أنه قد حصل على مكسب كبير، أنه قد تذكر نعم الله عليه أو جانبًا منها وعرف بعضًا من الفوائد المعنوية التي تتركها في نفسه.