وقفة مع برنامج رجال الله.. معرفة الله – نعم الله – الدرس الرابع الحلقة الأولى
المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين
إنَّ الحديثَ عن نِعَمِ الله يُعتبَرُ من أهمِّ وسائل معرفة الله، التي غابت عن واقع الإنْسَان، وبقيت مجرد [شكليات دينية]، لا تتعدى العبادات الأربع: الصلاة والزكاة والصيام والحج.! فالكثير ممن يقدمون الدين، يقدمونه ناقصًا؛ لأنهم لم يقدموه من خلال القُـــرْآن الكريم، بل قدموه من خلال تلك الكتب الوضعية، التي حصرت التدين في شكليات فقط، ولم تحسب أيَّ حسابٍ للقضايا الكبرى التي أعطاها القُـــرْآن أهميّة بالغة، والتي شهد الواقع بأهميتها، وفداحة التفريط فيها.
ومن خلال القُـــرْآن الكريم تأمَّلَ السيدُ حسين بدر الدين الحوثي في مضامينه العظيمة وقدَّمَ معرفة الله كما قدّمها القُـــرْآن، فقدّم (رضوان الله عليه) للأُمّة [خمسة عشر درسًا] في معرفة الله، تتوزّع بين: نعم الله، وعظمة الله، ووعده ووعيده.
وقد تحدثنا في حلقات سابقة عن أهميّة تذكُّر نِعم الله؛ كونها تصنع وتؤسّس لمعرفة كاملة وصحيحة بالله العلي القدير. وفي الدرس الرابع من دروس معرفة الله يتحدث الشهيدُ القائد (رضوان الله عليه) عن أنّ من أهمّ وسائل معرفة الله تذكّر [نعمة الهداية] و[النعم المادية]، وأنّ نعمة القُـــرْآن، ونعمة إرسال النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) من أعظم النعم الإلهية، وكذا نعمة التأييد، وتأليف القلوب، وكذلك بقية النعم الأُخْــرَى التي تشمل جميع مجالات الحياة.
واعتبرَ الشهيدُ القائدُ أنّ الكثيرَ لا يدرك عظمة [نعمة الهداية] وخَاصَّـةً علينا نحن شيعة أهل البيت، ولا يعترفُ إلا بالنعم المادية، وأنّ المتحدثين باسم الدين لم يقدموه متكاملاً، فمن يعرف عظمة هذا الدين سيبذل نفسه وماله، ونسيان هذه النعم، خَاصَّـةً بعد الانتقال من وضعية الذل إلى وضعية العزة سيجعلنا عرضة للاستبدال والفسق كما حصل لبني إسرائيل.
من أهمّ وسائل معرفة الله تذكّر نعمة الهداية والنعم المادية:
ولأهميّة معرفة الله التي هي أول الدين كما قال الإمام علي (عليه السلام) في خطبة طويلة له: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ..).
فقد أعطى القُـــرْآن الكريم أهميّة بالغة للقضايا المهمة، والتي يحتاجها الإنْسَان في مسيرة حياته، واستخلافه، فنجدُ أن القُـــرْآنَ كريمٌ وغنيٌ بتلك الآيات العظيمة التي تقدم معرفة الله من خلال نعمه المختلفة والمتعددة على عباده، ومن خلال تلك الآيات التي تتحدث عن عظمته وكماله المطلق، ومن خلال تلك الآيات التي تتحدث عن وعده ووعيده. وغيرها من الآيات العظيمة والباهرة التي تعطي الإنْسَان معرفة حقيقية بالله وتعزّز جانب الثقة به تعالى، والتي يفتقدها معظمُ المسلمين وليس لها أيّ وجود في واقعهم ولا وجدانهم.
ويؤكد الشهيدُ القائد في الدرس الرابع من دروس معرفة الله، على أهميّة أن يتذكر الإنْسَانُ نعم الله الكثيرة، المادية منها والمعنوية والتي من أهمها [نعمة الهداية]، والتي لا يلتفت إليها الكثيرُ من الناس علماء ومتعلمين..! بالرغم أن القُـــرْآن الكريم تحدث كثيرًا عن هذه النعمة، وبيّن للناسَ أهميّة تذكرها، ومعرفة قيمتها وأثرها. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):
((وكما أسلفنا في الدروس السابقة بأن من أهمّ المجالات، أَوْ من أهمّ الوسائل لمعرفة الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى هو تذكر نعمه، نعمه الكثيرة، نعمة الهداية بكتابه الكريم وبالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين) وهي أعظم النعم، والنعم الأُخْــرَى، النعم المادية، وهي كثيرة جداً كما قال الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى عن نعمه بصورة عامة: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(النحل: من الآية 18).
نحن ذكرنا سابقاً ما يتعلق بالنعم المادية، وهي أخذت مساحة واسعة في القُـــرْآن الكريم، وهي كثيرة جداً، هي كُلّ ما يتقلب فيه الناس في حياتهم {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(النحل: من الآية53) ونعمة الهداية التي هي أعظم النعم، الهداية إلى الإيمان، هذا الدين العظيم دين الإسْلَام، يقول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}(المائدة: من الآية3) فهذا هو الفضل العظيم من الله، هو ذكر فيه بأنه قد أتم النعمة، نعمة تامة ليس فيها نقص، لا تحتاج إلى من يكملها {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} هذه النعمة ما أوجب شكر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى علينا في مقابلها!)).
نعمةُ إرسال النبي محمد (ص) هي نعمةٌ كبيرة:
وتعتبر [الرحمة العالمية] بإرسال النبي محمد (صلى الله عليه وعلى آله) من أعظم النعم المعنوية على هذه الأُمَّـة، بل هي من أعظم النعم على الإطلاق. ولذلك يقول الله تعالى في سورة يونس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. فالموعظة المتمثلة في القُـــرْآن وفي الإسْلَام وفي شخص النبي محمد، أعتبرها اللهُ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى رحمةً، وفضلا تستحق أنّ يفرح بها المؤمنون. ومما قاله الشهيدُ القائد في ذلك:
((ويقول سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى بالنسبة لنبيه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله): {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164) أليست هذه نعمة كبيرة؟. {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ولقد كانوا فعلاً قبل هذه النعمة العظيمة، نعمة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقوم بهذه المهمة في إبلاغ دين الله فيتلو على الأُمَّـة آيات الله، ويزكي أنفسهم، ويعلمهم كتابه، ويعلمهم الحكمة، {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(المائدة: من الآية16) كما قال في آيات أُخْــرَى)).
القُـــرْآنُ الكريمُ هو أعظمُ نعمة أنعمَ اللهُ بها على عباده:
والحديثُ عن نعمة الهداية حديثٌ لا ينتهي، ولو لم يكن أمام هذه الأُمَّـة سوى نعمة القُـــرْآن الكريم لكانت كافية؛ لأنّ هذا الكتاب العظيم قد اشتمل في مضامينه وفيما يدل عليه، على كُلّ ما يحتاجه الإنْسَانُ والبشرية في هذه الحياة، من جوانب مادية وحياتية، وجوانب معنوية وروحية. ولو تأملنا في كثيرٍ من الآيات الكريمة نجد أن الله سمَّى القُـــرْآن الكريم نورًا، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}.
بمعنى أنّ الإنْسَان، أنّ البشرية كلها، بدون هذا الكتاب في حقيقة أمرها تعيش في ظلامٍ دامس، وإنْ تدثّرت بدثار التكنولوجيا والترسانة العسكرية، إلا أنها تظل بحاجة لأنْ تتلمس واقعها، وتمد جسور الصلة الوثيقة بهذا الكتاب الذي يعتبر امتدادًا للحيّ القيوم.
كذلك الأُمَّـة الإسْلَامية عند فارقت كتابَ الله في واقعها، أصبحت أُمّةً ذليلة ومقهورة، ومستعبدة من قبل أعدائها. فلا هي عملت بالأسباب المادية لترتقي بواقعها ولو في الحدّ الأدنى من مجالات الحياة كما هو حال دول الغرب، ولا هي التي تمسكت بكتاب الله لترتقي في كافة المجالات، وتقدم الشهادة على عظمة الله في الدنيا والآخرة؛ لذلك يذكر الشهيدُ القائد بعض مظاهر الرحمة المُهداة في القُـــرْآن الكريم؛ باعتباره أعظمَ نِعم الله على الإطلاق. ومما قاله في ذلك:
((ويقول سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى عن نعمة القُـــرْآن الكريم: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(ابراهيم:1) أليست هذه نعمة كبيرة؟. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. ويقول أيضاً في كتابه الكريم عن القُـــرْآن الكريم: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(الزمر:23) فسمى كتابه الكريم بأنه أحسن الحديث، متشابهاً في حكمته، في فوائده، في عظمة آياته، في تفصيل آياته، فيما تشتمل عليه من فوائدَ كثيرة، في عظمة معانيها، في تفصيلها، في إحكامها.
مثاني: تتكرر فيه المواعظ، يتكرر فيه الحديث عن المبادئ المهمة والقيم المهمة، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم لشدة وقعه على أنفسهم, ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. هذا هو بالتحديد ما يصنعه القُـــرْآن الكريم في من يفهمون القُـــرْآن الكريم، وفي من يعرفون عظمته وأهميته، ويعرفون أنه أعظم نعمة أنعم الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى بها على عباده؛ ولهذا قال بعد: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} ويقولون بأن {ذَلِكَ} تستخدم أَيْـضاً للتعظيم، كما أن اسم الإشارة للبعيد يشار بها أيضاً إلى الرفيع الدرجة، البعد المعنوي في درجات العظمة.
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من ضل بعد هذا الهدى، بعد هدى الله، هذا الهدى الذي هو القُـــرْآن الكريم، والنبي العظيم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) فما له من هاد، لن يكون هناك من يهديه إطلاقاً)).