امرأةٌ من صعدة
نصر الرويشان
في أيامِ العُـدْوَان، ومنذ أن حلقت في سماء اليمن طائراتُ الموت الأمريكية كان أهلُ اليمن يعلمون علمَ اليقين أن اللهَ فوق كُلّ مستكبرٍ ومتغطرس، وما دام الله هو الملك وهو من خلق السماوات والأرض وخلق كُلّ كائن في هذا الكون الفسيح فلا شيء يعجزه، ولا يمكن أن يُفلِتَ من عقابه القتلة والمجرمون والطواغيت الظالمون.
هي امرأةٌ من صعدةَ أرضعت أَبْـنَـاءَها وبناتها العزةَ والكرامةَ، فنشئوا على الشيمة والإباء والعزة والشموخ، هي الكريمة بنت الكرماء، هي التي تحدث أَبْـنَـاءها عن عظمة الله وقدرته اللامحدودة التي تصغُرُ وتضعُفُ أمامها كُلُّ قدرة وتعجز في مواجهتها كُلّ قوة.
إنَّهَا الأُمُّ والمربية الفاضلة والمعلمة لكل خلق كريم ولكل فضائل الإنْسَانية التي يقرونها في عالمنا الذي نحيا به، ليس هذا فحسب، بل هي مدرسةٌ يتخرج منها أفواجٌ من رجال الله، رجالٌ غيّروا كُلّ المعادلات وكل الموازين، وفرضوا المعادلةَ الإلهية التي تفرِضُ الحقَّ وتساندُه ليدحرَ الباطل المستشري في أرض لم تكن إلا لعبادة الواحد القهار.
إنَّهَا المجاهدة التي تستيقظ والناس نيام لتتوضأ وتُقبِلَ على الله فتوحده وتطلق تكبيراتِها وتتلو آياتٍ من القُـرْآن الكريم، تناجي ربها وتدعوه فهو من تُرفَعُ له الأكف وتلهج بذكره الألسن وتتعلق بمحبته القلوب.
تكمل القيامَ، فتتجه نحو زوجها وأَبْـنَـائها وَبناتها ليتأبهوا لصلاة الفجر وتحثهم فينهضون وأعينهم تتجهُ نحو الأُمِّ العظيمة التي تستمدُّ روحيتَها وتطبع هُويتها الإيْمَانية من خلال تلك العلاقة المترسخة مع الرب الواحد، يؤدون صلاتَهم ويكملون برنامجهم فتأتي إليهم بطعامِ الإفطار وقهوة البن.
تذهَبُ لتأتيَهم بأسلحتهم وجُعبهم وتقول لهم: يله يا عيالي توكلوا على الله، واحتزموا وجاهدوا في سبيل الله وانطلقوا في ميادين الجهاد ولبوا نداءَ الله، ذودوا عن الأرض والعِرض وقاتلوا الذين يبغون في الأرض الفسادَ.
يا أولاد لا عيشَ إلا عيش الآخرة، فالدنيا دارُ متاع وغرور والآخرة خير وأبقى.. أوصيكم يا عيال بتقوى الله والصبر في سبيل الله، فعقباه الفرج، وثقوا بأن الله مع عباده المتقين الصابرين المتوكلين عليه الواثقين به، أعلموا أنْ لا قوة إلا قوة الله ولا قدرة إلا قدرته، ولا إله يُعبَدُ سواه.
ولتكونوا على يقين أن الشهادة في سبيل الله منحةٌ ربانية واصطفاءٌ لا يناله إلا الصادقون المخلصون لله الواحد الأحد الفرد الصمد..
وإني لا يحزنني أن ترزقوا الشهادة، وإنما يحزنني أن تفروا من لقاء الأعداء.. وأعلموا أنكم حمَلةُ الدين ورجال الحق وجنود الله الذين لا يخشون إلا البر الرحيم، أَكْثَــروا من ذكر الله وأَكْثَــروا من تلاوة القُـرْآن وكونوا مع الله يكن معكم، ثقوا بنصر الله وإنما هي إحْـدَى الحسنيين: فإما النصر أَوْ الشهادة.
فأنطلق الأولادُ في ميادين الجهاد وتمر الأيّام، والأم المجاهدة تمسك سبحتها وتدعو للمجاهدين بالنصر والتمكين، تأتي طائراتُ القتل السعوأمريكية وهي عاجزةٌ عن تحقيق شيءٍ في أرض المعركة، فتحلِّقُ في سماء صعدة التي أنجبت عظماءَ ورجالاً أرهقوا وأذهلوا دولَ الكفر والإلحاد، عجزت أمامهم كُلُّ فيالق النفاق وجحافل الكفر والارتزاق.
صعدةُ التي أنجبت أسداً حيدرياً هاشمياً علوياً.. إنه الشهيد القائد الحسين بن بدرالدين الحوثي رضوانُ ربي عليه.
صعدةُ التي أنجبتْ عظيماً كالسيد القائد المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلامُ الله عليه.
صعدةُ التي أنجبت عظماء ولا زالت هي الولّادة، وهي المدرسة التي تؤكد أن الحقَّ لا يُهزم وصعدة في الوجود.
في منتصف الليل كانت الأُمُّ في منزلها تسبِّحُ اللهَ وتذكره وتهلله وتكبره، تحمده وتشكره، فتأتي طائرة الحقد الأعمى لتلقي بصواريخِها منتقمةً من كُلِّ مَن يرفض أن يُعبَدَ الشيطان ويكفر بالصنم الأمريكي ويجحد بصهيون وكُلِّ منافق يعبد الطاغوت ويقف في صف الباطل البغيض.
تخترقُ صواريخُهم ذلك المنزلَ، فتدمره وتقتل كُلّ من يسكنه، وتأتي أفواجُ الناس؛ لتنتشلَ أجسادَ الضحايا، فتجد تلك العظيمةَ وهي محتشمةٌ ممسكةٌ بسبحتها، فتفرض نهايةً هي من أروع النهايات وتعلن بدايةَ حياة سعيدة وتقتل بصمودها كُلَّ جحافل الكفر وأرباب النفاق وتُرسِلُ رسالةً مفادُها: لبيك ربي.. وتقول لأَبْـنَـائها: ستلحقون بأُمِّــكم الشهيدة.. وتحفها ملائكة السماء بموكب عظيم يليقُ بها، وتسمع صوتاً قادماً يناديها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).