صفقة القرن ويوم الأرض
حنان محمد السعيد
أظهرت احتجاجاتُ الأرض التي قام بها الفلسطينيون في الأيام الأخيرةِ أن القضيةَ الفلسطينيةَ ما زالت حيةً، وأن كُلَّ ما كان يُحاكُ في الغرف المغلقة وعلى متن اليخوت من أجل دفنِ القضية وجعلها نسياً منسياً ليس أَكْثَـر من خيال مريضٍ لن يُكتب له التحقّقُ على أرض الواقع.
وقديماً قالوا ما ضاع حق وراءه مطالب، وخَاصَّـةً لو كان هذا المطالب يبذُلُ الغالي والنفيس في سبيل حقه ولا يتوانى عن الجود بحياته في سبيل بقاء هذا الحق حياً.
لم تفلح سنواتُ العزل والحصار والتنكيل في إثناء هذا الشعب العنيد عن المطالبة بحقه، فكُلٌّ منهم مشروع شهيد، ونساؤه أقوى من رجاله، ورجاله أقوى من رجال الأمة العربية مجتمعين، وأطفاله يولدون رجالاً، وكُلُّ فرد فيهم هو مشروع شهيد، كيف بربك يمكن لأممِ الأرض ومؤامراتهم أن تسلبَ من هذا الشعب حقَّه؟!.
إنَّ أعدادَ الشخصيات السياسية التي كان مبرر وجودها الوحيد في مناصبها هو الاتجار بالقضية الفلسطينية في عالمنا العربي أَكْثَـر من الحصر، وآخرُهم هؤلاء الذين يعملون على قدم وساق منذ تولي ترامب السلطة لإقرار صفقة القرن التي بموجبها يتنازَلُ الفلسطينيون عن حق العودة وعن إنشاء دولة مستقلة قابلة للحياة عاصمتها القدس.
إنَّ هذه الصفقةَ وحدَها كانت المسوغَ الذي به يتغاضى العالَمُ عنْ ما يفعلُه السيسي بمصر وما يفعله بن سلمان وبن زايد في اليمن، فالصهيونيةُ هي ما يسيّرُ العالَمَ الحديثَ وهم يملكون المالَ والإعلامَ والقُدرة على توجيه الجماهير وجيوش من المتجسسين والمتسللين ويمكنهم بوسائلهم أن يضعوا شخصاً، كان مجرد ترشحه لمنصب الرئيس مدعاةً لسخرية العالم أجمع، في كرسي الحكم.
لقد امن هؤلاء أن بإمكانهم فعلَ أي شيء والتحكّم في كُلّ شيء وإيصال أي شخص مهما كان فقيراً في الموهبة وغبياً وتافهاً للسلطة وتحريكه والتلاعب به لتنفيذِ رغباتهم ومُخَطّطاتهم من موقعه، إلا أن ما غفل عنه هؤلاء وما لم يحسبوا حسابَه أن أرض فلسطين تُنتِجُ في كُلّ يوم عهداً وفي كُلّ ساعة جندياً جديداً لا يَضُنُّ على أرضِ بلاده بالدماء.
إنَّ ما يحدُثُ في مصرَ من تنازُلٍ عن تيران وصنافير للتخلي عن ألف كيلومتر مربع من سيناء لصالح مشروع نيوم لبيع الأراضي والعقارات والشركات والمصانع للسعودي والكويتي والإماراتي وتجريف ثروات البلاد وإغراقها في الديون كان كفيلاً بأن يجعل الدنيا تظلم أمام أَكْثَـر الناس تفاؤلاً وخَاصَّـةً بعد أن تمكن السيسي من انتزاع أربعة أعوام جديدة لنفسِه كفيلة بالقضاء على ما بقي من ممتلكات للدولة المصرية، ولكن مشهدَ الفلسطينيين في يوم الأرض وما تلاه من أيام يعيد الأمل ويجعلنا نقف احتراماً أمام هذا الشعب الشامخ الذي نتمنى لو أن ما يجري بعروقهم من دماء يسري في عروق باقي العرب الذين أصيبوا بفقر في الدم والكرامة والنخوَة.