وداعًا فخامةَ الرئيس الشَّـهيد
محمد صالح النعيمي *
جمعتنا بالشَّـهيد الرئيس صالح الصمّـاد أمالُ وأحلامُ شعبنا اليمني في نضالاته الدؤوبة والمستمرة لتحقيقِ أهدافِه التحرّرية من التبعية للوصاية والهيمنة السعودية الأمريكية.
التقيت به في عام (2010 م) في صعدةَ في إطار عمل اللجنة المشتركة بين أَنْصَـار الله وأحزاب اللقاء المشترك، وهذا اللقاء كان البوابة لمعرفتي بالشَّـهيد وتجسّدت وتعمقت هذه المعرفة في إطار عملنا في المجلس السياسي الأعلى، حين ترأس الشَّـهيدُ المجلسَ منذ تشكيله، وكان من المفترض حسب الاتّفاق واللائحة الداخلية للمجلس أن يتم التدوير كُلّ أربعة أشهر، ولكن فاعلية الفقيد والقيم التي يحملها وظروف المرحلة فرضت أن يظل رئيسًا للمجلس حتى استشهَاده.
كان رجلًا قُــرْآنيًا بامتياز حافظًا له ومستوعبًا له في سلوكه وثقافته ومستحضرًا السنن وقوانينها الربانية والتأريخية في الصراع بين الحق والباطل انتصارًا وهزائمَ، وما تمَـثّـله صياغة أَحْــدَاثها ونتائجها في تلك الأزمان والأُمَـم التي ذكرها القُــرْآن الكريم، وما يجب علينا عند اتباع تلك السنن وقوانينها نصًّا ومضمونًا والمدلول لمنهج القيم القُــرْآنية التي يجب الاهتداء والاقتداء بها المحقّـقة استخلاف الإنْسَان في الأرض ليقيمَ الحق والعدل وإعمار الأرض..
كان يُمَـثّـل نموذجًا للعالم الفاضل المجتهد والقائد المحنك، يربط الأَحْــدَاث التأريخية في الواقع مع القُــرْآن، والدروس التي تضمنها في صراع أهل الحق مع قوى العدوان والاستكبار في الأرض، في منهجية متميزة صبغت مقاربته لواقع الأَحْــدَاث ووقائعها وفق سياق الاستنطاق لتأريخ الأُمَّـة وحاضرها، واستنتاج الشروط المحقّـقة للنصر على الأعداء مستقبلًا.
كان يؤمنُ بأن المرتكزَ للحل السياسي للصراع القائم يكمن في الشراكة الوطنية والتوافق، ويدرك أهميّةَ التصالح والتسامح بين أبناء الوطن، وأن ذلك لن يتحقّـقَ ما دامت بعضُ الأَطْرَاف مرتهنة للسعودية وللمشروع الأمريكي، وما دامت بعض الأَطْرَاف تسعى وراء حلول سياسية مفصلة على مقاسات أحزابها والمصالح الذاتية لقياداتها.
إنَّ التفكيرَ الصبياني لمُخَطّطي ومقرّري العدوان على اليمن واليمنيين يجهلون أبجديات قراءة التأريخ وأهميّةَ دروسه في وعي الشعوب، الذي جعل اليمن حصينة ومنيعة، مهما كانت التحديات والتضحيات المرتبطة بعزتها وكرامتها وسيادتها.
نعم لم يستوعبوا ذلك، وبالتالي فهم لا يستوعبون تداعياتِ قرار اغتيال الشَّـهيد الرئيس صالح الصمّـاد، ونتائج قرار جريمتهم وجرائمهم البشعة التي ارتكبت في حق الشعب اليمني على الضد من كُلّ القيم والقوانين والمواثيق والمعاهدات والاتّفاقات الدولية.
إنّ إجمالي ضحايا العدوان قد بلغ عشرات الآلاف، فكم يريدون من الدماء لتشبع غرائزهم، المتعطشة للقتل والتدمير والإمعان في استهداف الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين؟
وإذ لا جواب مقنع، فعلى الشعب اليمني وقياداته السياسية والعسكرية أن يعيدوا حساباتهم بما يتناسب مع نفسيات أولئك المتجبرين المغامرين. ولنستعد كشعب وكقوى وطنية لمرحلة عنوانها أن ما بعد استشهَاد الرئيس صالح الصمّـاد لن تكون كما قبله، وعلى الباغي تدور الدوائر.
إنها مرحلة لن يكون فيها السلام متأتيًا إلا بعد أن يثور شعبنا وينتقم من العدوان ومرتزِقته للدماء الزكية وآخرها دم الرئيس الشَّـهيد، وأن يدفع تحالف العدوان ثمن مغامرته في اليمن، وانتهاك الأرض والعرض، واستباحة الدماء والممتلكات.
وهنا نقول للمرتزِقة: عودوا إلى رشدكم وتوقفوا عن غيكم وعمالتكم للعدوان الذي لن يزيدوكم إلّا رُخصًا وذُلًا ومهانة.. نقولها: إن الفرصة لا تزال مواتية رغم عمالتكم وخيانتكم، ولكن لا تظنوا أن الفرصةَ ستظل مفتوحةً إلى ما لا نهاية، فمع تماديكم في الجرائم، تضيق فرصة السلام والتسامح، ولا شك أنكم أول الخاسرين باغتيال شخصية وطنية كانت مفتاحًا للسلام والحل السياسي.
سلامٌ عليك فخامةَ الرئيس الشَّـهيد، ولا نامت أعينُ الجبناء والمعتدين.
* عضو المجلس السياسي الأعلى