البصمات والأدلّة التي كشفت عن هوية قاتل الصمَّـاد
محمد الفرح
ردودُ الأفعال والتعليقات السعودية الإماراتية التي جاءت عقب إعْــلَان استشهَاد الصمَّـاد زادت من وضوحِ الحادثة وأثبتت أن أمريكا وإسرائيل هما القاتلُ المباشرُ للرئيس الصمَّـاد، حيث جاء الاعترافُ الرسميُّ للنظام السعودي على لسان سفيرهم بواشنطن خالد بن سلمان الذي لم يقل وضوحاً من إعْــلَان وتدشين الجبير للعدوان على اليمن من نفس الموقع.
ومن الإمارات، نشَرَ محمد بن زايد تغريدةً مقتضبةً عبر حسابه المعروف بالمزروعي تضمّنت (البطش والصمَّـاد في أسبوع دحر الإرْهَاب)، وفادي البطش هو عالم الطاقة الفلسطيني الذي اغتالته إسرائيل في ماليزيا في نفس الأسبوع، ويبدو أن القاسمَ المشتركَ بين الشهيدَين أن المجرم واحد، وأنهم حملوا توجّهات تصطدم باستراتيجية إسرائيل القاضية بالقضاء على أي كادر يمثل نواةً للبناء والنهضة والاعتماد على الذات داخل الأُمَّـة.
وبالتالي فهي تعليقات للتمويه على المجرم الحقيقي وميزتها أنها أبانت بجلاء عكس ما أرادته أمريكا وهو الدفع بهم إلى الواجهة للتخلص من التبعات القانونية والاجراءات العقابية وَالسخط الذي سينالهم جراء تلك الجريمة، فالأمريكي والإسرائيلي يدرك أبعاداً ودلالاتٍ لا تدركها، قفازاتهم واقنعتهم التي يتلطون خلفها واختيارهم لهذا الدور هو لتميزهم عن بقية العملاء بأنهم أَكْثَـرُ غباءً وأشدَّ وقاحةً.
إضَافَةً إلى أن بصمات جريمة اغتيال الرئيس الصمَّـاد تحمل نفس بصمَّـاد اغتيال الشهيد عباس موسوي والرنتيسي وغيرهم من المجاهدين الذين اغتالتهم إسرائيل. وبَعيداً عن الأدلّة الفنية والتحقيقات الأمنية التي لها متخصصوها سأقدم بعض الأدلّة والمعطيات القُــرْآنية والتأريخية والسياسية التي تكشف عن هُوية القاتل والمجرم الحقيقي.
أولاً ما يميز الشهيد الرئيس الصمَّـاد عن غيره من الكفاءات والرموز السياسية والتي جعلته هدفًا رئيسيًّا لأمريكا وإسرائيل هما قضيتان جوهريتان تتلخص في النموذج السياسي الإيْمَـاني القُــرْآني الجذاب الذي جسده والنموذج العملي في البناء والمواجهة الذي دشنه.
فالشهيدُ الصمَّـاد أساساً ينتمي للمشروع القُــرْآني الذي تتمثل أهمّ وظائف ومسؤوليات المنتمين إليه في التالي:
أولاً: تقديم النموذج القُــرْآني العظيم وتجسيد الشاهد على عظمة تعاليمه ورؤاه وقيمه.
وثانياً: إقامَة القسط بمفهومه الواسع الذي يشمل العدل والإنصاف والدفاع عن المستضعفين ورعايتهم ورفع المعانات عنهم والبناء للأُمَّـة في مواجهة أَعْدَائها وتخليصها من التبعية وُصُولًا إلى الاكتفاء الذاتي والحرية والاستقلال التام؛ لذلك يمكننا القول إن نموذجية الرئيس الشهيد الصمَّـاد هي الخطوط الحمراء لأمريكا وإسرائيل، وذلك هو الإرْهَابُ بعينه في نظرهم الذي لا بد من دحره.
حقّاً لقد جسّد رئيسُنا الشهيدُ الوظيفةَ والنموذجَ الأولَ بشهادة الجميع، حيث كان الشخصية الاستثنائية في تحمّله للمسؤولية بحكمة ونزاهة واهتمام، وكان الشخصية السياسية الإيْمَـانية الممتزجة بالقيم والأَخْـلَاق والوعي والحكمة والرزانة.
ومن المعروف أن من أخطر ما يركز عليه الأَعْدَاءُ دَائماً هو فصل الدين عن السياسة من خلال السعي لفصل الواقع العملي في حياة الناس عن الارتباط بالجانب الثقافي القُــرْآني في السلوك وفي الرؤى، فمثلاً يُقدمون كُلّ ما يحصل من صراعات ونزاعات وأَحْــدَاث ومشاكل وحروب وقضايا على أنها مشاكلُ سياسية، ثم يفصلون السياسة عن الدين ويُسوغون للناس أن يتحَـرّكوا في هذا الواقع وفي معمعته وفي أَحْــدَاثه وفي مشاكله بنفسيه مجردة عن كُلّ شيء بمعنى لا مجال للقيم هنا ولا مجال للأَخْـلَاق ولا مجال للمبادئ وكل ما يحصل من ظلم وجرائم وفساد وعمالة يبسطونه بقولهم هذه مشاكلُ سياسية وحرب وعمليًّا يقدمون فهمًا مغلوطًا عن السياسة أنها الخداع والكذب والغش.
إلا أن شهيدَنا الرئيس قدّم نموذجاً عكس ذلك ومن موقعه المهم والملفت كرئيس يقع على رأس هرم المسؤولية ومقارنة بالفاسدين من الزعامات التي حرقت كروتها وتعرت عمالتها وشاخت وبليت رؤاها من ذلك الموقع ومن زاوية المقارنة انجذب الناس إليه في الداخل والخارج وانشد الجميع إليه كنموذج ويتطلعون إليه كقدوة ووجدوا فيه ما يلامِسُ فطرتهم ويحقّـق أحلامهم، وأحيا الأملَ بفاعلية وثمار القِيَم وَالرؤى والاستراتيجيات القُــرْآنية رغم أن ما قدمه ماديا هو القليل جِـدًّا.
بالنسبة للعدو هو لا يريد ذلك مطلقا، فهو يريد أن تبقى النظرةُ إلى الإسْـلَام أنه مجرد ممارسات روحية وطقوساً عبادية لا علاقة لها بواقع الحياة ويريد أن تكون النظرة إلى أعْـلام الهُدَى وقرناء القُــرْآن في ما يقدمونه بأنهم مجرد وعاظ ومفتين لا يمتلكون أية رؤية حضارية وليست لديهم أية حلول عملية، وهذا الجدار كان شهيدنا الرئيس قد حطّمه وتجاوزه، وهذا يعتبر خطاً أحمرَ في نظر الأمريكي والإسرائيلي؛ لذلك بادر إلى قتله، في محاولة لوأد ذلك النموذج قبل أن يتعمَّمَ.
أمَّا النموذجُ والوظيفةُ القُــرْآنية الثانية هو أن الرئيسَ الشهيد الصمَّـاد تحَـرّك عمليًّا لتحقيقِه، وكانت ثمار تحَـرّكه ملموسة رغم قِصَرِ المدة وكثرة العوائق الأمنية والاقتصادية وعراقيل إرث الماضي وضغط الالتزام بالتفاهمات ومراعاة الشراكة المحكومة بمشاريع محدودة ونظرات استسلامية ومعنويات محبطة، لكنه بتوفيق الله تجاوز الكثير منها ووضع اللبنات الأولى لبناء الدولة ومُؤَسّساتها ومواجهة العدوان تحت شعار (يد تبني ويد تحمي)، وكانت تلك الخطوة في نظر الأمريكي والإسرائيلي تمثل أَيْـضاً تجاوزًا للخطوط الحمراء وتماديًا خطيرًا وغيرَ مسموح به في شرعهم، فهي تفهم أهميّة ذلك المسار وتعي أهميّة البناء وتدرك أن الرجلَ جاد في ما يقول وليست شعاراتٍ للاستهلاك أَوْ السفسطة.
ومن يعرف طبيعة الصراع مع أَعْدَاء الأُمَّـة قُــرْآنيًّا ويتأمل شواهد التأريخ الماضي والحاضر يدرك أننا لا نبالغ في هذا القول، فوفق التشخيص النفسي لهم من قبل خالقهم ومن يعلم بطباعهم التي لا تتبدل مع طول الزمن بل تتطور وتتنامى يجد أنّ مشروعَهم عمومًا مشروعُ هدم وافساد فهم يسعون في الأرض فسادًا ويهلكون الحرث والنسل ويحملون النزعة العدوانية والشر تجاه الشعوب المسلمة خُصُوصاً (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنـزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)، ويحملون الحقد الشديد والتعامل المخادع حتى تجاه أخلص أصدقائهم ومن يحبهم (هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)، ونحن لا نتحدث عن ديناصورات انقرضت بل نتحدث عن كيانات حاضرة امامنا ودول عظمى وممارساتهم اليومية تجاهنا تثبت ذلك فهم يهدمون أي بناء ويستهدفون أي كفاءة أَوْ نموذج فعال ويستغلون مقدراتنا وينهبون خيرات الأُمَّـة، ولم يمدوا في يوم من الأَيَّــام أيديهم للمساعدة أَوْ السلام معنا بل كانوا طيلة الحقب التأريخية السالفة يضربون الأُمَّـة ويدمرونها، بدءً بالحروب الصليبية ومرورًا بالاستعمار وما تلاه من تمكين عملائهم على رقاب شعوبنا ثم بالاحتلال المباشر وتدميرنا بالقاعدة وداعش وأخواتها، وأخيرًا بقفازات رسمية مباشرة كالإمارات والسعودية وقطر.
ثم أليسوا هم من يشككون في قدرات الإسْـلَام في مواكبة الحضارة وبناء واقع الحياة الم يقدموا الإسْـلَام بأنه مشروع تخلف وتراجع؟، أليسوا هم من روجوا أنه أفيون الشعوب، وأن الأُمَّـة الإسْـلَامية إذَا أرادت أن تبنيَ حضارتها فعليها أن تترك الدين وأن تلحق بركاب الغرب؟، وما حربهم لإيران وحصارهم لها ومحاولة عزلها إلّا حربٌ للنموذج العلمي والتطور الصناعي والبناء الشامل فيها حتى لا يكون هنالك ما يشهد على أن الإسْـلَام قادر ٌعلى النهوض باتباعه، لقد تلقى الدكتور الراحل مصطفى محمود المضايقاتِ لمجرد حلقات معدودة بعنوان العلم والإيْمَـان ذلك البرنامج العلمي الذي كان يقدمه في الفضائية المصرية الأرضية والمحلية والذي توقف مؤخّراً بضغوط صهيونية، وذنبُه أنه ربط العلم بالإيْمَـان.
وبالتالي فشهيدُنا الرئيس بما حمله من مواصفات وبما بدء تدشينه عمليًّا كانوا يرونَه وفقَ البُعد الاستراتيجي يشكّلُ تهديداً خطيراً على نظرات ومفاهيم رسخوها منذ مئات السنين وعلى مستوى بلدنا اليمن يرون فيه سدًّا منيعًا وحصنًا مانعًا أمام وصولهم لتحقيق أَهْدَافهم العدوانية في اليمن التي مهدوا لها طويلاً.
ففي الشأن اليمني في السابق وفي الحاضر وعبر أدواتهم وبشكل مباشر كانوا يقفون للحيلولة دون أي بناء قوي للدولة ويواجهون أي تحَـرّك للاستقلال والاكتفاء الذاتي وطيلة الفترات الماضية لم يقبلوا أية شخصية لديها توجهٌ نحو بناء الدولة وربما من أَيَّـام الإمَـام يحيى مرورًا بالحمدي وانتهاءً بالصمَّـاد، وما كان لعفاش أن يبقى تلك الفترة الطويلة لولا أنه ترك اليمن مفتوحًا لهم على مصراعيه ودمّر الكفاءات وحطّم القدرات وتنازل لهم عن مناطق البترول وقتل الآلاف ارضاءً لهم.
ومن المعلوم أن الحلَّ السياسي كان ولا زال متاحًا جِـدًّا، وكانت كُلّ القوى قد وقعت اتّفاقَ السلم والشراكة، ففجروا الحرب وألغوا وأعاقوا الاتّفاق النهائي بإشراف أُمَـمي؛ لأنّهم يريدون أن يبقى الوضع مترهلاً والبناء هشًّا والاستقرار منعدمًا. اليوم ماذا جاءوا ليعملوا إلّا ليدمروا المدمر! ويتوجوا مشاريعهم الهدامة لكل بناء والوضع في عدن ومناطق الاحتلال واضح ولا يحتاج إلى دليل.
فعلى الرغم من ادّعائهم المجيء لإعَادَة الشرعية واستعادة الدولة إلّا أنهم يوميًّا يضربون ما تبقى من الدولة، ففي الجنوب وباستمرار يسعون لملشنة كُلّ فئات المجتمع وتسليح المجاميع الداعشية والقبَلية ويدعمون أنشطتها خارج المُؤَسّسات الرسمية؛ لأنّ مصلحتهم في بقاء الوضع فوضى تحت التحكم والاستغلال حتى يضربوا هؤلاء بهؤلاء؛ ولأن أي بناء للدولة قد يُفقِدُهم صلاحياتِ البقاء ويسلبهم أَهْدَافهم في الاحتلال والسيطرة وفي الشمال كذلك لا يريدون أن يتحقّـقَ نموذجاً لدولة حقيقية وفاعلة تضم جميعَ المكونات تحت عباءتها ويكون قرارها السياسي موحدًا ومستقلًّا يريدون أن تبقى مبعثرةً ومشلولة داخليًّا ومعزولة خارجيًّا، فبدون بناء الدولة وتفعيل مُؤَسّساتها يمكن أن يتحقّـقَ لهم هذا الهدف؛ ولهذا قتلوا الرئيس الصمَّـاد.
على مستوى الاكتفاء الذاتي لا يريدون أن يكون هنالك أية استفادة لأبناء اليمن من خيراتهم ولا يريدون أن يتطوروا في أي مجال وقلقهم الكبير ملحوظ إزاء التطور والبناء الصناعي العسكري فبداية كانوا يواجهون أي منتج بالسخرية والاستهزاء، وعندما أحسوا بأسها إذَا هم يوجهون أصابع الاتهام إلى إيران ويجيرون ثمارها للآخرين مع أنهم يعلمون علمَ اليقين أنها بفعل قدرات وكوادرَ يمنية.
الشهيد الرئيس الصمَّـاد لم يكن غافلاً عن خطورة ما أقدم عليه، بل قال هو بنفسه في نفس السياق ونحن نعلم أن الطريق طويل ومحفوفٌ بالتحديات.. وكان يعي أن هذه خطوطاً حمراءَ في نظر الأَعْدَاء لهذا قال (يَـدٌ تحمي ويَـدٌ تبني).
وكان يعي أن الأَحْــدَاثَ تمثل الفرصةَ الذهبية للبناء، فالأُمَـم العظيمة هي التي بنت واقعها ونهضت من بين الركام، وواقع الألمان يشهد بذلك فبعد أن دمرت بلادهم ونهبت إمْكَاناتهم وتم تفكيك حتى مكائن مصانعهم وأخذها إلى روسيا وإنجلترا وانهارت عملتُها إلى درجة عاد معها الألمان إلى البيع والشراء بالمقايضة بدلاً عن التعامل بالنقد، وبرغم ذلك نهضت وتطورت، كذلك اليابان والصين وإيران وغيرها من الدول التي أَصْبَـحت في مصافِّ الدول الكبرى إنما نهضت بعد صراع وبعد أن عصرتها الأَحْــدَاث.
لذلك فهو يعي أهميّةَ وقَداسةَ وعظمة ما بدء العمل فيه، ومن هذا المنطلق كان الشهيد الصمَّـاد مصممًا على السير في هذا المسار لو كان الثمن حياته فقبل أن يكون رئيسًا هو مجاهدٌ في سبيل الله وهو من المؤمنين الذين يبذلون أرواحَهم وينطلقون بكل استعداد للتضحية مهما كانت الأخطار.
بالفعل قدّم روحَه واستشهد وأمله أن يرى لليمنيين دولةً قوية استشهد ولسان حاله يقول: لو استقرت قدماي لغيّرت أشياءَ.
إذاً هذا هو العمل المؤثر بشهادة العدو وهذا المشروع الذي عمّده شهيدُنا بدمائه ودفع حياتَه ثمنًا له هو ما تقتضيه المرحلة وتتطلبه الوضعيةُ، ونَشُدُّ على يد فخامة رئيسنا مهدي المشّاط، ونحن نثق أنه الرجل القوي الذي يستطيع أن يتخطى جميعَ العوائق بحكمةٍ وأن يواصلَ مشروعَ الرئيس الصمَّـاد نفسيةً وروحيةً وعملًا، وفي هذا السياق نقول له: تحَـرَّكْ واثقاً بالله، فمن ورائك شعبٌ عظيمٌ ومشروعٌ عظيمٌ وأَحْــدَاثٌ عظيمةٌ، وهذه واللهِ من أهمّ المقومات لنهضة وبناء الأُمَـم واستقلالها.