البُنيــــان المرصــــوص.. طبيعةُ الواقع الداخلي في المسيرة الإيمانية الجهادية
المسيرة| هنادي محمَّـد
لم يأتِ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بتوجيهاتٍ وأوامرَ في كتابــه الكريم دونَ أن تكون من وراءها حكمة ومصلحة كُبــرى للإنْسَان؛ كون هذا الكتاب هو المنهــج الذي رسم الله بــه سبيــل النجــاة وأوضح طريق الهلاك..
فعندما يقول عــزَّ مِن قائــل:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[سورة الصف 4].
يعنــي أنَّــه مطلوبٌ منّــا كمجاهدين، ونحنُ نتحَرّك في مسيرتنــا الجهاديــة أن نحرص – ولِزاماً علينا – أن تكون حركتنا العملية (مُتوازنــة)؛ بحيث تُشكّل صفّاً وبِناءً مرصوصــاً..
ولن يحدث ذلك إلّا عن طريق اعتماد المنهج الرَّبانــي كمصدر أساســي وأوّلي لاستقاء الرؤى والمنهجيــات، ولِتقويم كــلَّ خَللٍ عــارض وإشكالٍ قائــم، ســواءً في الميــدانِ الأَكْبَــر (النَّفــس)، أَوْ في الساحةِ العمليةِ الميدانية..
ومن قلب هذا الموضوع يجب أن ندرك أنَّ حركةً في سبيــل الله، وضمن مشروع قُـرْآنــي لا تُشكّــل صفّــاً، هي حركةً شلليــة غير سليــمة ستُنتــج مُخرجات يملؤهــا النَّقْــص، وحركةً كهذه – غير مصفوفة – هي تفتح ثغــراتٍ عديــدةٍ للعدوِ يَسْتَغِلُّهــا ويدخل من مَداخِلها..
وفي سيــاقِ الحديــث يجب أن نعلمَ أنَّ السّيدَ القائدَ – يحفظه الله ويرعاه – دائمــاً ما يؤكّدُ في لقاءاتهِ الداخلية على ضــرورة الالتفات للواقع الداخلي بشكلٍ مستمرٍ والعمل على إصْلاحه، والحرص على أن يكــون واقعهُ واقعاً مُهيّئاً للتدخّل الإلهي، والمعية والعون، وأن يكون جَوّهُ السائد والقائــم جــوّاً مُساعِداً لعملٍ جماعيٍّ تتحَرّك تحت سقفهِ الإيماني (أُمّة)، والسعي الجاد لسدْ منافذ الفردية والحركــة القُطبيــة التي تعني ببسيط العبارة وموجز الكلام:
(إلغــاءُ الذّاتيّــة والمقاصد والمطالب الشخصيــة)..
ومن رحمــة الله الشاملة والواسعة بعباده أن دلَّ على أشياءَ تؤهل وتعين الإنْسَان على الاستجابة لبقية الأوامر القُـرْآنية الأُخْـرَى كونها تُمثّل منظومة متكاملة مترابطة مع بعضهــا، وتبني واقعاً جِهادياً إيمانيــاً كما يريده الله.
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}، وهي عبارة عن توجيهات بطابعِ مواصفات أوردها القُـرْآن الكريم نستعرضُ بعضاً منها:
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والقُـرْآنُ مليءٌ بالكثيرُ والكثيرُ من مثل هذه الآيات الباهرات..
وبعد أن أُقيمت علينا الحُجّةُ البيّنة.. أفلا يجدرُ بنا أن نكون أول المستجيبين والعاملين بِها كمؤمنين؟.
في الأخيــر: كما تحدّث الشهيد القائد – رُضــوان ربّي عليــه – في الدرس الأول من الأخلاق قائِلاً:-
[الهداية ليس هنالك آلية مبرمجة للهداية بحيث أن الإنْسَان ممكن أن يوفرها، لا بد من الرجوع إلى الله، لا بد من الدعاء، أن نطلب من الله الهداية، أن نطلب من الله التوفيق، أن نطلب من الله الاستقامة، أن يوفقنا للاستقامة، أن نطلب من الله أن يثبت خطانا، أن نطلب من الله أن يسددَ أقوالنا. الإنْسَان لا يستطيع بنفسه، لا يستطيع من خلال الاعتماد على نفسه أن يحقق لنفسه الهداية، والتوفيق في المجـالات التي ترتبط بحيـاته، وفيما يتعلق بآخرته].
أيْ أن أيَّةَ هدايةٍ نرجوها ونسعى لها في أيٍ مجالٍ كانت، سواءً في واقعنا الداخلي الجهادي أم في واقع حياتنا بشكلٍ عام فلن يتم ذلك إلّا بالعودة الصادقة والجادة للاستعانة بالله وتجديد النية المضمرة؛ ولنؤمن يقيناً أنَّ منشأ التغييــر الحقيقــي والجذري والذي ستنعكسُ نتائجــهُ صلاحاً في الواقــع يبدأ من (النّفــوسُ نَفْسُها)، يقول عزَّ مِن قائل:
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[سورة اﻷنفال 53].
نسألُ من الله الهداية والتوفيق الثبــات، والعون والسداد والرشــاد، وحسن الخاتمة بالاستشهــاد..
والعاقبــةُ للمتقيــن.