الشاعر عبدالحفيظ الخزان: أحب وطني وأتفاعل بسلاح الشعر حين أرى عدواناً تجاوز كل الخطوط الوحشية
أجرى الحوار /عبدالله شريف النعمي
على مر التاريخ مثّل الأدب والشعر سلاحاً هاماً للشعوب في نضالها بمواجهة أعدائها المختلفين، وظهر ذلك جلياً في العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، الذي فرز الشعراء والأدباء الوطنيين عن غيرهم من المدعين سواء ممن وظفوا أقلامهم لصالح العدو الأجنبي مقابل المال، أو من آثروا الصمت في مرحلة يعد فيها السكوت تواطؤاً مع العدوان، وإلا ما فائد الأدب والشعر إذا لم يكن في هذا الوقته؟ الأديب والشاعر اليمني الكبير عبدالحفيظ الخزان، أحد أبرز الشعراء على الساحة اليمنية وفي ميدان مواجهة العدوان على اليمن، والذي كان لنا معه الحوار التالي:
– كيف تقرأ الأدب العربي بعد الربيع العربي؟ هل زاد نشاطه أم اضمحل؟ وما الأسباب؟!
الأدب بكل فنونه ومنها الشعر لابد أن يتأثر بظروف وأحداث ثقافية ومنعطفات تاريخيه تؤثر في مخرجاته.
وفي الربيع العربي إن جاز التعبير صُدم الشاعر بمساراته ومآلاته غير المتوقعة التي أصابته بالنكوص فقد بدأ قويا غزيرا لإحساس المواطن العربي بقرب الفرج والانتقال الى واقع أجمل غير أن مآلاته فيما بعد صدمته لأنه يجهل الهدف والغاية.
– سأكرر السؤال ولكن من نافذة أخرى.. أين الأدب من المخاضات السياسية التي شهدته المنطقة العربية منذ 2011 وحتى الآن؟!
نعم المخاضات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية منذ 2011م كان الشعر صدى لها ومعبرا عنها في لحظة خالصة غير متوقعة ومن نفوس تجهل مقدار المؤاثرات التي حرفت الحلم العربي عن إيقاعاته التي كانت تتناغم مع الانسان العربي.. إن امتلاك الدول الاستكبارية لإمكانات استثمار النتائج لصالحها حولت الحلم إلى سخرية وواقع مؤلم لازال يؤثر في انتاج الشعر وصوره ومخرجاته وآلامه.
– ألا ترى أن ماجرى ويجري بحاجة إلى أن تدونه الذاكرة الأدبية؟!
الذاكرة الأدبية خاصة الشعرية هي الذاكرة الأكثر سيطرة في تاريخ الأمة منذ حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحه إلى البردوني والبرغوثي وكل الشعراء، وما كتب من شعر في تاريخ الأمة يكفي لإعطاء خلاصات نهائية لآلام وآمال الأمة وانتصاراتها القليلة ومآسيها الكثيرة.. إن الشعر صورة صادقة وواقعية للكثير من الأحداث.
– هل أنت مع ما يسمى الأدب السياسي؟!
لايوجد أدب سياسي بالمعنى الأدبي.. إنما توجد أعمال أدبية وشعرية كبيرة دونت المسار الأكثر حضورا في تاريخ الأمة وهو المسار السياسي.. فهذا المسار من أخطر المسارات لأن من يصنعه هم السواس والمشاريع السياسية بكافة أوجهها، وما المثلث الأموي جرير والفرزدق والأخطل بالإضافة إلى الكميت ودعبل و الزبيري …الخ إلا ظواهر شعرية في المضمون تحمل أهواء هذا التيار أو ذاك.
– كيف ينظر الأستاذ عبدالحفيظ إلى الشعراء الذين رعفت بهم اليمن منذ بزوغ فجر ثورة ال11من فبراير 2011وحتى هذه اللحظة؟!
تعتبر هذه الفترة التي ذكرتموها هي الفترة التي جاء فيها المئات من الشعراء الشباب من خلفيات غير مؤدلجة برواسب ثورات القرن الماضي أو بثورات شعراء البلاط، كما أنها فترة أسدلت الستار على فترة التسعينيات التي كانت تعج بالمدعين من المتشاعرين الذين زعموا حمل لواء الحداثة المبتورة والمبتسرة تقليدا لثقافات شعرية كان لها تأثيرها السياسي على الكثير.
-يلاحظ أن القصيدة السياسية طغت على القصائد الأخرى، أو بمعنى آخر الأدباء والشعراء السياسيون استحوذوا على الساحة الأدبية أكثر من غيرهم, هل هو الواقع من ساعدهم على ذلك أم أن نجم الشعراء في الفنون الأخرى قد أفل؟!
القضية ليست استحواذا فقد اسلفت لكم أن المسار السياسي في كل العالم هو أشمل المسارات وأخطرها لكثرة الموالين للحق والباطل وللتيارات الثقافية, وبالتالي فالأعاصير السياسية تعطي كثرة الأهواء وهذا يفرز الكثير من الشعراء المجيدين وغير المجيدين والفترة من2011 إلى الآن أكثر الفترات تعبيرا وصدقا عن مأساة المواطن العربي المقهور والطغيان السياسي من زعامات الاستعمار والرجعية وغيرها.
– هل الأدب محصور على القصيدة والشعر أم أنه يشمل فنونا أخرى؟!
الأدب مفهوم واسع فهناك الشعر والنثر.
الشعر بأنواعه ومدارسه والنثر بكل فنونه من روايات وقصص ومسرحيات أدبية لكن لايجوز أن ننسى أن الفن الأكثر انتشارا وتداولا وتعبيرا وسهولة هو الشعر فالشعر بين الفنون الأخرى مثل كرة القدم في أنواع الرياضات الأخرى حضورا وتفاعلا.
-هل من شعراء تأثر بهم الشاعر عبد الحفيظ الخزان في حياته؟!
التأثير والتأثر أدل على الأصالة لأن من لم يتأثر بمن هم أقدر منه فلا يمكن أن يؤثر بمن هم أقل قدرة منه ومن ذلك الشعب، وأنا أزعم أني قرأت للكثير من الشعراء في مختلف العصور وتأثرت في طرحي الشعري وأرقى التأثر هو الذي يفضي إلى تكوين الشخصية الشعرية المستقلة بصوتها ونبضها وبصمتها.
– معروف أن الاستاذ “عبدالحفيظ” معجب كثيرا بالأديب الراحل “البردوني” فإلى أي مدى تأثرت القصيدة الخزانية بالمدرسة البردونية؟!
الاستاذ الكبير “عبدالله البردوني” قامة أدبية وشعرية وثقافية مختلفة الى حد بعيد عن اساليب وأطروحات الكثير من الأدباء، فالبردوني كان قارئا ممتازا وبالتالي كاتبا ممتازا خدمته الموهبة والفهم السليم والحافظة القوية، فلم يخلط بين المطروق من الشعر وبين الجديد الذي طور به القصيدة العربية بمبناها القديم وتخطيطها الجديد.
البردوني عبقرية هامة يجب أن نبدأ في دراسة ظاهرته الشعرية بروح التواضع والإيمان بقدراته الاستثنائية.
والمدرسة البردونية بين مدارس الشعر كنظريات “اينشتاين” ونسبيته بين النظريات العلمية التقليدية.
– أين يجد الأديب “الخزان” نفسه في العدوان الأمريكي السعودي على اليمن؟!
أنا مواطن يمني أحب وطني بكل جغرافيته وبشريته، أرى عدوانا همجيا تجاوز كل خطوط الوحشية واللؤم والنذالة، ولذا لابد أن أتفاعل بكل صدق بسلاح الشعر والكلمة الصادقة المؤثرة ولو أقللت من الخيال والصورة المحلقة لأجل مجرد كتابة المأساة في تقرير عادي يؤثر في الآخر، ولا يخفى عليكم سيدي وعلى القارئ الكريم وكل أدبائنا أن أدب الحروب له خصوصيات وخواص كتب عنها كبار الشعراء والأدباء في أوروبا وروسيا والعراق ولبنان وقدم الشعر اليمني الآن تجربه عريضة جديرة أن تقدم جديدا في القصيدة الإنسانية والأدب العالمي.
– هل استطاعت القصيدة اليمنية أن تستوعب وتواكب الأحداث في اليمن؟!
الشعر اليمني ذو طيف واسع وكبير ومتعدد ومتداخل، فبالإضافة للقصيدة الحكمية (الفصحى) استطاع الشعر اليمني أن يخرج أقوى طاقة كامنة بداخله فعاد الزامل الشعري بصدقه وتلقائيته وعروبته بعد أن كان قد اضمحل وتلاشى نتيجة توجيهات وتوجهات سياسية معينة تدّعي المعاصرة التي لم تحقق منها إلا الكرفته التي تعلق أو تعلم بعض اللغات.. ومعركة الوطن الآن معنويا هي بسلاح الزامل الذي أجاد فيه الكثير وحقق البعض فيه الحد الأدنى من النضال بالكلمة.
– لماذا لم يستطع الأدباء اليمنيون أن يحركوا اتحاد الأدباء العرب ويوصلوا مظلوميتهم للشعوب العربية عبر الأدب؟!
ياسيدي كما أسلفت لكم أن الاتحادات الأدبية هي اسطبلات سياسية في كل الدول العربية اذا لم تسبّح باسم الزعيم أو الوالي فلن يكتب لها الرضى والتشجيع، فانظر الآن إلى من كانوا أعضاء في اتحاد الأدباء في اليمن أين أصبحوا.. إن بعضهم ساكت يضع خط عودة وبعضهم مرتزق خارج وطنه وبعضهم وبعضهم وبعضهم – مع الاحترام والتقدير للثابتين مع الوطن ومظلوميته منهم – ومنهم من لا يهمه إلا الحصول على أرضية ومال لأن انتمى للإتحاد ذات يوم.
– هل كان للشاعر “الخزان” مشروع يريد أن يقدمه أدبيا يخدم القضية والمظلومية اليمنية فحالت عوامل معينه بينه وبين تحقيقه؟!
المشاريع كثيرة.. وأنا ممن يصنع المشهد الوطني اليومي والجهادي ويتأمل تفاصيله، أتمنى أن أوفق في كتابة ملحمة شعرية عملاقة راقية تعطي الأجيال القادمة من كل الأمم صورة عن أعظم مظلومية وأكبر مأساة وأقذر حرب خاضها الأعراب والأمريكان والصهاينة وغيرهم ضد بلدنا الحبيب، أتمنى أن نكتب ملحمة الشهداء والجرحى والمعاقين.. أتمنى.
– ألا تلاحظ أن هنالك قصور في الجانب الرسمي لترتيب واستيعاب وتنظيم القدرات والمواهب الأدبية فيما يصب في مقارعة العدوان؟!
الجانب الرسمي باتحاداته ونقاباته كان غارقا في السياسة التي تستقطب وتشجع من يدور في فلك الأشخاص لا الوطن وتمجيد الأشخاص لا الإبداع، فلولا أن “البردوني” مثلا قامة ابداعية وجبلا شاهقا من المعرفة والحضور لأمكن تغييبه تحت عجلات عربة السلطان، وأرجو أن لا يكرر الجانب الرسمي الجديد هذه المسألة فيقوم باحتواء المبدعين أو تجييرهم واستبعاد من لم يحالفهم الحظ للدخول في دائرة أضواء السياسة والمناصب.
– هل هنالك شيء تريد أن تقوله قبل الوداع؟!
أريد أن أحييك أخي الرائع المجاهد الصدوق المثقف الموسوعي الذي ماسمعت له حديثا الا وهو يحمل هما مختلفا عن سابقه، فأنتم من الشخصيات التي تبدع في إخراج أي هم تحملونه. .شكرا للفتتك الكريمة وتشريفي بإجراء هذا الحوار السريع في هذه الصحيفة المجاهدة المبدعة..