رسالة إلى الإعلاميين المصريين
د. يوسف الحاضري
عندما عَرَفَ الحَقَّ سَحَرةُ فرعون ورأوه بأعينهم البصرية والبصيرية لم يثنِهم ترغيب وترهيب أبطش الجبابرة في الأرض عن الإقرارِ به إقراراً لفظياً ونفسياً وعملياً، بل لم تشكل عقود من الزمن وهم يعملون في السحر وما في السحر من ظلم للناس وتحريف الحقائق لنهب الأموال وتثبيت الأوضاع التي كانت مسيطرة عليهم ومهيئة لهم ليواصلوا عملهم ذلك والذي ينعكس عليهم بالثراء والسلطة على أن ينبذوا هذه الحياة وراء ظهورهم منتقلين من تبعية الباطل فرعون إلى تبعية الحق موسى وهارون رغم رفاهية العيش وأمنه في كنف فرعون والخوف والعذاب والتقطيع للأيدي والأرجل والصلب والجوع والفقر في كنف موسى.. فلماذا يا ترى أقدم السحرة إلى هذا العمل؟
هل يمكنُ أن نصفَ الأمرَ في جزئية “معرفتهم للحق” فقط أم أن هناك أموراً أُخْــرَى بجانب المعرفة؟، فلو كان الأمر يقتصر على معرفة الحق، فهناك بشرٌ كثيرٌ على مر التأريخ يعرفون الحقَّ ولكنهم لا يتبعونه، بل يحاربونه وعلى رأسهم اليهود (الذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم) ولكنهم يحاربونه ويستميتون في ذلك بكُلِّ ما أوتوا من قُـوَّة ومال وأفكار، أَيْـضاً هناك كثير من العرب في عصرنا هذا يعرفون الباطل معرفة الأُم ببنيها ومع ذلك ينبطحون له انبطاحاً شديداً.
إذاً ما الذي ميز السحرة في عصر موسى على السحرة هذه الأيَّـام؟ رغم أن النفسيةَ التي يمتلكونها واحدةٌ والرغبات واحدة والطموح والأَهْـدَاف واحدة، خَاصَّـةً بعد أن عرف الجميعُ الحقَّ والباطلَ في عصرنا كما عرف السحَرة الحق الباطل من قبل، وما الذي جعل سحرة فرعون يؤمنون بالله ورسولِه (موسى وهارون) من منطلق معرفتهم للحق في نفس الوقت مازال الكثير من سحرة هذا العصر يرفضون الإيْمَان بالحق رغم معرفتهم به؟
الخوفُ من الأذى والعقاب والعذاب الدنيوي غالباً يشكّل نفسيةً مهزوزة تجعل من صاحبها صامتاً خانعاً ذليلاً للباطل عندما يدرك أنه لو يتحَـرَّكُ ضده (ضمن مسئوليته) ولا نجد له همساً ونخساً وكلمة وصوتاً إلا عندما يجد نفسَه آمناً بشكل كلي فيتكلم وُفْـقاً لأَهْـدَافه الشخصية كأن يتكلم أناس ضد باطل آل سعود عندما يتعلق الأمر بجماعتهم (الإخوان المسلمين) وأن هناك خطراً محدقاً عليها من آل سعود ويصمتون عندما يكون هناك تقارب بينهما رغم أنهم موقنون كُلّ اليقين أن آل سعود هم الشر كُلُّ الشر في الأرض؛ كونهم يُمَثّـلون الماسونية الأمريكية في المنطقة، وقس على ذلك.
عندما نجدُ إعلاميين مشهورين يمتلكون برامج منتشرة بكثرة يهاجمون الباطل وأهل الباطل في الأرض ثم لا ينصرون الحق وأهله فهنا كارثة كبرى وهنا أعمالهم مجزأة وغير مقبولة وليست ذات فائدة، فمثلاً وجدت برنامجاً للإعلامي المصري معتز مطر يتباكى بحُرقة على طفل مجزرة عُرس حجّـة الذي رفض أن يقومَ من فوق جثة أبيه الشهيد جراء قصف طيران آل سعود للعرس، وتباكى كثيراً عليه مهاجماً الباطل من جزئية الموقف المؤلم الذي حصل ثم لم يقم الإعلامي بنصرة الحق وأهل الحق وهم “أنصار الله” الذين يناهضون العدوانَ العالمي، بل كان ضمن حديثه تبنياً لحديث الباطل نفسه في أن اليمن هي سبب ذلك عندما تكلم معتز مطر على أن (أنصار الله) هم امتداد للمشروع الإيراني في اليمن وهذا ما جلب صراع أَدَّى لهذه المجزرة لينهي حديثه ببعض من الأبيات الشعرية وكعادته.. فأين معرفتُك للحق أيها الإعلامي المخضرم وهل بالفعل أنت تسعى للحق كائنا ما كان وعند من يكون كيفما يكون دون أن يكون لما تم بناؤه في نفسيتك بناء مرتكزاً على أَهْـدَاف شخصية وفئوية وفكرية أي تأثير على سعيك للحق أَوْ أن القضيةَ جدلية عدائية بينك وبين أسرة آل سعود مثلاً تستغل مثل هذه الأحداث لترسل رسائلك ضدهم، فلماذا نجد سحرة فرعون يمتلكون نفسية أقوى من نفسيتك؟.
أيضاً هناك الكثير من الإعلاميين والسياسيين اليمنيين وغير اليمنيين ممن يصفون أنصار الله وإدارتهم للوضع وتحَـرّكهم في الأرض ومعاملتهم وأسلوب حربهم ضد المعتدين بأنه النموذج المثالي في مقارنة مع كارثية العمل الذي يقوم به التحالف بقيادة السعودية والإمارات وأدواته في الداخل، فنجد مقالاً لوكيل وزارة الأوقاف التابع لهادي يتباكى على الأخطاء الكثيرة التي يقومون بها في مناطقهم التي تحت سيطرتهم، ويقارن ذلك بإيجابيات قرآنية هي السائدة في مناطق من أسماهم الحوثيين (أنصار الله)، ثم في الأخير يطلق نداءً للباطل الذي يعيش في صفه ويتمتع بثرواته وفي فنادقه أن يقومَ بتعديل هذه الأخطاء في وقت أنه كان يجبُ عليه أن يسعى للانضمام للحق حتى ولو كان الثمن نفسه وماله وأهله فلا يجب أن يكون سحرة فرعون أرفعَ شأناً وأقوى نفسيةً منهم.
وجدنا مقالاً لمرتزِق يمتلك منصباً سياسياً كبيراً في حكومة فنادق الرياض أَيْـضاً يتكلم بحسرة وألم عن معاملة السعودية لهم ولأعراضهم ويصفُهم بالشياطين ثم لم يفقه هذا المرتزِق أن الشيطانَ لا يعادي إلّا مؤمناً وأن الباطل دَائماً يتحالَفُ ضد الحق وأن يرى أن الحقَّ لا يمكن أن يكون بعيداً عن أنصار الله ويسابق الرياح للإيماء بقضية اليمن الحقيقية التي يتبناها أنصار الله خَاصَّـةً وقد تجرع مرارة الارتزاق والعبودية كما كان سحَرة فرعون ينظرون للقضية.
أيضاً نجد كثيراً من إعلامييهم كفتحي بن لزرق والذي بنيت نفسيتُه على المال وتوجهت قبلته نحو البترودولار أينما يكون فثم وجهُ الله (عنده)، وجدنا غالبية مقالاته تصف أنه يقف مع الباطل كُلّ الباطل وأن ما يدور في مناطقهم التي يطلقون عليهم محررة أمور كارثية شيطانية؛ بسبب دول التحالف ثم لا ينفك إلّا وقد تجذرت قوائمه في أعماق البقاء مع الباطل وأهل الباطل.
وجدنا الكثيرَ والكثير يصف جماعة أنصار الله بالثبات والتماسك والتحَـرّك الحقيقي وتصف انتصاراتِهم بالمعجزات ولكنهم تعمى بصيرتهم أَوْ تتعامى على أن يطلقوها بقُـوَّة وإيْمَان وحُب لله وحدَه بقولهم (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا)، فما نعيشُ فيه من بينات ودلائل خلال 3 أعوام تضاهي بحوالي ألف ألف مرة ما عاشه سحرة فرعون من بينات ودلائل ومع ذلك ما زالت نفوسهم تأبى أن تعترفَ بالحق واهله وتنضم للحق وأهله وتنفق أمواله في نُصرة الحق وأهله وتبيع جمجمتَها للحق وأهله، بل ما زالت تضع نفسها في مواجهة الحق وأهله مع الباطل وحزبه، فبأي حديثِ وبينات ودلائل بعد كُلّ هذا سيؤمنون؟!.