مقتطفات نورانية
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: من الآية103) إذا كانت تهمكم أنفسكم فتبحثون عما يهديكم إلى ما فيه نجاتكم فلا تُظلمون في الدنيا، ولا تصيرون إلى ما تستوجبون به عذاب جهنم في الآخرة. ثم أي طرف في الدنيا أي جهة في الدنيا يمكن أن تكون أَكْثَـر رحمة بنا من الله سبحانه وتعالى؟. هل هناك أحد؟. وإذا افترضنا أن هناك من هو رحيم بنا، فهل هناك من يستطيع أن يهدينا كما يهدينا الله سبحانه وتعالى؟. لا. قد ترحمك أمك، قد يرحمك أبوك، قد يرحمك إخوانك، قد يكونون حريصين على نجاتك، حريصين على سلامتك، لكن لا يمتلكون علم الغيب، لا يمتلكون ما يستطيعون به أن يرسموا لك طريق الهداية التي تعتبر حقائق لا تتخلف، بل قد يحصل العكس، قد توجهك أمك أَوْ يوجهك أبوك أَوْ أخوك إلى الترك، أن لا تتحَـرّك في قضية يكون في الواقع سلامتك وهدايتك وعزتك ونجاتك في أن تتحَـرّك فيها، فتنطلق أمك من باب العاطفة من باب الرحمة فتقول: [اترك ذلك يا ولدي، لا تثير على نفسك المشاكل، لا تضيع مالك، لا تضيع وقتك، انطلق في شغلك وعملك]. أليست تتحدث من منطلق الرحمة، لكنها لا تستطيع أن ترسم لك الهداية الحقيقة، لا تستطيع مهما كانت رحيمة، فبالنسبة لله سبحانه وتعالى تجتمع أشياء كثيرة: رحمته العظيمة بنا، وعلمه فهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، يعلم الغيب والشهادة، علمه كيف يهدينا وما هو الذي فيه هدايتنا؟. ولهذا يتحدث بأن ما يهدينا إليه هو آيات. معنى آيات: أعلام على حقائق، حقائق لا تتخلف، حقائق هي تُـمَثّـل إذا سرتم عليها وفي طريقها هدايتكم، فآياته أعلام على حقائق نمشي وراء هذه الأعلام لنهتدي بها، ولا بد أن تحصل – إذا ما مشينا مهتدين بها – لا بد أن تحصل تلك الحقائق من وراءها، سواء ما كان منها في الدنيا من عزة ومكانة وشرف ورفعة واستقامة، وبالنسبة للآخرة الفوز العظيم بالجنة، أليست هذه هي الهداية الحقيقية؟. عندما يهدينا هو يهدينا إلى ما نحن في، أمس الحاجة إليه في الدنيا قبل الآخرة، هذا شيء مؤكّـد، الثمرة ليست مرتبطة بأنه فقط ثمرتها هي الجنة ولا شيء قبلها، بل يهدينا إلى ما نحن في، أمس الحاجة إليه في الدنيا؛ كي لا نُظلم، لا نُذل، لا نُقهر، لا نصبح جنداً للشر والباطل، لا نصبح عبيداً للشيطان، أليست هذه أشياء تهم الإنْسَان أن لا يقع فيها؟. وعلى الرغم من ذلك أيضاً يكتب لنا أجراً على كُـلّ ما نسير فيه مما نحن في، أمس الحاجة إليه فيكتب لنا أجراً عليه، ويكتب لنا الفوز بالجنة، وما أعظم الجنة، وما أعظم رضوان الله الذي هو أعظم من الجنة. أليست هذه هي منتهى الرحمة؟. ولهذا قال تعالى:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(آل عمران: من الآية107) كما سيأتي بعد في هذه الآيات، هذه هي الرحمة. أمك أبوك خالك جدتك أي واحد من أقاربك أي شخص يهمه أمرك لو انطلق بكامل الإخلاص فلن يستطيع أن يهديك على هذا النحو، ومتى ما هداك فإنه لا يملك لك شيئاً من بعد، لا يملك جنة ولا يملك ناراً، وقد لا يملك فعلاً أنك متى ما سرت على النحو الذي هداك إليه أنه سيقف معك بكل ما يملك، قد يكون مجرد نصح فقط، أما الله فقد وعدك أنك عندما تسير على ما هداك إليه فإنه سيقف معك، وسيؤيدك، وسينصرك، وسيهديك، ويوفقك، ويرعاك، ويرشدك. الإنْسَان إذا تأمل لا يجد أي طرف إطلاقاً يمكن أن يهديه كهداية الله، لا يمكن أبداً، وَلا يتحقّـق له من أي طرفٍ مهما كان ناصحاً له كما يتحقّـق له على يد الله سبحانه وتعالى.
* من ملزمة سلسلة سورة آل عمران الدرس الثالث.