من الذاكرة.. جرائم العدوان.. صور وثّقتها الكاميرا أوجاع لا تنسى
المسيرة | حسين الشدادي:
عديدةٌ هي الجرائمُ التي يرتكبُها العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ بحق الإنْسَـان اليمني وعلى كثرتها وثّقت الكاميرا ما استطاعت سبيلاً بعض من تلك الجرائم وأُخْـرَى كثيرة لم يصلها نورُ العدسة فطويت، وأنكر المجرمُ فعلتَه ليتلطّى وراءَ يافطات إنْسَـانية يواري بها سوءتَه.
في هذا التقرير صورٌ من الذاكرة تروي الكثيرَ من الحكايا عن الضحايا الشهداء والجرحى والموجوعين والمفجوعين برحيلِ أحبائِهم بآلة الحرب الأمريكية السعوديّة.
طفلُ الميزان
يومَ الاثنين الماضي، سقَطَ الطفل أمين فيصل وازع -13- عاماً شهيداً إثر غارات العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ على مكتب رئاسة الجمهورية بميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، كان الطفل أمين يجلسُ القرفصاءَ تحت أشعة الشمس في الميدان، متخذاً ميزانَه مصدراً للحصول على الفُتات من المال؛ ليعولَ أسرتَه، لم يكن قائداً عسكرياً ولا ميزانه بترسانة نووية تهدد أمن المعتدين.
ألفته عيونُ المارة في الميدان على كثرة ازدحام ميدان التحرير بالناس الباعة والمشترين والمتجولين والمارة، إلّا أن كثيرين ألفوه وحفظوه في ذواكرهم؛ لأنَّه على صغر سنه أخذ الحياةَ مأخذَ جد وكَـدٍّ، وعلى بساط البساطة أخذها بسيط التعامل والأحلام، كان يكافح للحصول على لقمة العيش بكرامة بـ “ميزان” وعلى قلة ما كان يتحصّله وكثرة ما كان يعانيه أبت آلةُ الحرب الأمريكية السعوديّة إلّا أن تخطفَ روحَه البريئة مِن يد مَن كانت يده تمُدُّهم باللازم للبقاء قيدَ الحياة.. فارق الفتى الحياةَ ليبقى أهلُه قيدَ الوجع.
حصل الطفل أمين على صورتين الأولى وثّقته طفل الميزان المكافح أنموذجاً لكفاح في وضع المعيشة الصعب للغاية والذي تسبب فيه وزاده تفاقماً عُـدْوَانُ وحصار الجار الجائر.
وحصل على الصورة الثانية والأخيرة والتي وثّقته طفل الميزان الشهيد، حيث رصدته العدسةُ بين عديد الضحايا؛ لتتداولَه بالتالي مواقع الأخبار الإلكترونية والتواصل الاجتماعي أنموذجاً لجرائم العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ بحق الإنْسَـان اليمني.
مأساةُ سميح..
وفي وقت سابق لمجزرة العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ الأخيرة في حي التحرير بالعاصمة صنعاء، حدث في 22 من أبريل الماضي أن أرتكب طيران العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ مجزرةً مروعة استهدفت حفلَ زفاف في مديرية بني قيس بمحافظة حجة شمال غرب اليمن استشهد إثرها 33 شخصاً وجُرح 55 آخرون.
وفي جريمة العُـدْوَان هذه التي على الرغم من فظاعتها ووحشيتها وضخامة عدد ضحاياها، لكنها كتب للناجين منها المنكوبين فيها أن تخلّدَ مآسيهم وأن لا تموت مع الضحايا الشهداء وأن تسطّر دماؤهم البريئة كُـلّ جريمة للعُـدْوَان الأمريكي السعوديّ بحق الإنْسَـان اليمني على تواليها وعلى كثرتها تراكم ديون قصيرة أجلها سيتوجب على دول العُـدْوَان سدادُها في الآتي القريب..
وثّقت الكاميرا جريمةَ العُـدْوَان على حفل زفاف بني قيس بحَجَّـة وعلى كثرة الشهداء والجرحى والموجوعين والمفجوعين برزت جليا مأساة سميح الطفل علي – 7 سنوات – الذي اوجعت مأساته الكثيرين والذي فقد أباه وثلاثة من إخوانه في هذه المجزرة المروعة حيث رصدته عدسة الكاميرا وهو يلازم والده المسجى جثة هامدة حتى الصباح وظهر في الفيديو الطفل سميح متوسلاً بالدارجة الخالصة على المنقذين أن يتركوه بجوار جثة أبيه المسجاة رافضاً فراقه..
وفي الفيلم التسجيلي الموثّق للجريمة يظهر المنقذون وهم يحاولون عبثاً انتزاعَ سميح الطفل المنكوب من جوار أبيه المسجى؛ لاسعافه لكنه يترجاهم بلكنته التهامية التي حتى وإنْ لم تكن تعرفها تدرك جيداً المدى الذي وصلت إليه حالة هذا الطفل الخائرة قواه، تعي ما تحمله ترجياته لهم في طياتها من معاني للقهر، للعجز، للوجع !… ” أنا جار أبوك ” يقول الطفل سميح للمسعفين مترجياً منهم المساعدةَ.
يترجى الطفل المقهور الذي تحمّل قلبُه الصغيرُ وجعاً أَكْبَـر منه ومن أن تستطيعَ السماءُ اتساعاً بكل ما تبقى له من قواه الخائرة قوة يتوسل بما تبقى في الآدميين من إنْسَـانية أن ينقذوه بأن يعيدوا له أباه أو يدعوه وأباه، فما جدوى نجدته بعد أن بات كُـلُّ شخص وكل شيء يخُصُّه أشلاءً، وما قيمةُ البقاء قيد الوجع بعد أن توارت كُـلُّ شخوصه وأشيائه وراءَ الشتات.. لامست توسلاتُه أوتارَ قلوب المسعفين، فانصاعوا لطلبه وتركوه مع والده المسجى جثةً هامدةً ليتاخمها الطفل سميح من حين الحادثة ليلاً حتى الصباح الباكر في الوداع الأخير..
سيدةُ الأحزان
يتذكَّــرُ الجميعُ الثكلى حمدة الباكية دماً؛ لما أصابها إثر غارة لطيران العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ على منزلها في صرواح مأرب، حيث أظهر تقريرٌ مصورٌ على شاشة قناة المسيرة في يناير العام الماضي الثكلى حمدة حينذاك وهي تذرف الدموع دماً وهي تروي الألم بغصة عالقة في حلقها قصة جريمة العُـدْوَان بحقها وأسرتها..
فقدت الثكلى “حمدة” خمسةً من أفراد أسرتها وجرح العديدُ منهم إثر غارة للعُـدْوَان استهدفت منزلَها في وادي حباب بمديرية صرواح مأرب في 3 يناير من العام الماضي 2017.
عينُ الإنْسَـانية
الطفلةُ بثينة الريمي، الناجيةُ الوحيدةُ في عائلتها من غارة للعُـدْوَان الأمريكي السعوديّ على منزلها في سبتمبر العام الماضي 2017، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة الطفلة بثينة الريمي التي التُقطت لها صورة وهي تحاول فتح عينها بعد أن تعرضت لإصابات جرّاء الغارة.
تعاطف العديد من الناشطين حول العالم مع الطفلة بثينة البالغة من العمر ثماني سنوات على موقع تويتر، فأطلقوا هاشتاغ #بثينة_عين_الإنْسَـانية و #لعيون_بثينة، مطالبين بوقف العُـدْوَان على اليمن.
وفي وقت لاحق، أثار شريطُ فيديو المشاعر مجدّداً بظهور الطفلة بثينة فيه وهي تغنّي عن والديها، اللذين فقدتهما بغارة للعُـدْوَان الأمريكي السعوديّ على مجمع سكني في منطقة عطان بالعاصمة صنعاء.
واختارت بثينة أن تغنيَ الأغنية الشهيرة: “بابا وماما يحبوني.. علّموني وربوني”، ما أثار مشاعرَ الألم والتعاطف معها مجدّداً بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
شهيدة العلم
الطفلةُ إشراقُ طالبة في مدرسة الفلاح بمديرية نهم بمحافظة صنعاء، استشهدت ظهر الثلاثاء 10 يناير 2017 بعد استهداف طائرات العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ محيط مدرستها “الفلاح ” أثناء خروج الطلاب، ما أدّى لاستشهاد 5 طلاب ووكيل المدرسة، تداول ناشطون على نطاقات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي صورَ جريمة العُـدْوَان القاسية بحق إشراق الطفلة الطالبة الشهيدة الظاهرة في الصورة ممتدةً على التراب، وبقُرْبِها بقايا من قدمها التي لم تسعفها للهروب من غدر طائرات الحقد السعوديّة والى جانبها حقيبتها المدرسية التي كانت تحملها إشراق حُلُماً في عتمة العُـدْوَان.
وربِّ الكعبة ما راحت له سلمان
في العام 2015، ألقى العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ بقنبلة محرمة دولياً ذات تدمير هائل على حي فج عطان السكني بالعاصمة صنعاء، التي عُرفت فيما بعد بـ ”جريمة فج عطان”.
حينذاك أظهر تقريرٌ لقناة المسيرة من مسرح جريمة العُـدْوَان مواطناً يمنياً يخاطب الملك السعوديّ متوعداً الأخذَ بالثأر منه للضحايا المدنيين “ورب الكعبة ما راحت له سلمان هو واسياده”، وانتشر بالتالي هذا الوعيد وعمّم على الجميع متوعدين العدوَّ السعوديَّ بالثأر للضحايا حتى بعد حين.
الطفلة رنا
الطفلة رنا الجماعي، البالغة العاشرة من العُمُرِ، الناجية الوحيدة من غارة استهدفت أسرتَها، أصيبت الطفلة بصدمة نفسية عصبية بعد أن فقدت كامل أسرتها جراء استهدافِ طيران العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ منزلَهم في منطقة هران بمحافظة حجة في نوفمبر من العام الماضي 2017.
تظهر في تقريرٍ لقناة المسيرة الطفلة رنا، رافضةً للحديث، مكتفياً بالانزواء لذرف الدموع بعيداً عن أعين العالم الذي باتت جرائم العُـدْوَان في اليمن لا تعني لأحد فيه أيَّ شيء ولا تحَـرّك ساكناً على المسرح الدولي.
الطفلة سناء
الطفلة سناء البدوي 14 عاماً، استشهدت في يوم الجمعة في أبريل من العام 2015 إثر غارة للعُـدْوَان الأمريكي السعوديّ استهدفت منزلها بالعاصمة صنعاءَ، لقيت سناء حتفَها جراء الغارة في الأثناء التي كانت فيها في منزلها “تذاكِر” لاختبارات الصف التاسع من التعليم الاساسي، إلّا أن العُـدْوَان وضع حداً لطموح الطالبة سناء التي في تمام الساعة 12 و36 دقيقة منتصف ليل جمعة اليوم الرابع من سبتمبر من العام 2015، كانت تراسل تحتَ هدير طيران العُـدْوَان زميلتَها في الصف “ملوك” عبر الــ “واتس آب”؛ لتخبرها أنها تشعر باقتراب الموت منها وقد تنتقل إلى جوار الله قَريباً؛ لأنَّه جل شأنُه يختار الطيبين وسناء طيبة من شجرة طيبة.. بعثت سناء إلى زميلتها ملوك عديدَ الرسائل طلبت منها ومن زميلاتها المسامحة قائلة ” أمانه إذَا مت سامحيني وخلي البنات كلهن يسامحنني”.
وفي تمام الدقيقة 43 بعد الثانية عشرة أنهت الصديقتان محادثتهما على أمل اللقاء في اليوم التالي بقاعة مدرسة خولة بنت الأزور لأداء امتحان مادة الاجتماعيات.. غير أن سناء لم تطلع عليها شمسُ الصباح.. فبعدَ نحو 23 دقيقةً وبالتحديد في تمام الساعة الواحد و 6 دقائق من صباح يوم السبت 5 أغسطس مرَّت من سماء منزلها طائرات العُـدْوَان لتخطف روحَها البريئة، فكان في ذاك اليوم آخر ظهور لها.
الصعداوية المسنة التي استشهدت وهي تسبّحُ اللهَ
تداوَلَ ناشطون في أبريل الماضي من العام الجاري صورةً في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية لامرأة مسنة استشهدت إثرَ غارة لطيران العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ على منزلها في منطقة مران بمحافظة صعدة، ما أَدَّى إلى سقوط 7 ضحايا مدنيين منهم 5 قتلى وجريحان بينهم أطفال.
تظهر في الصورة المرأة المسنة مستلقيةً وبيدها “مسبحة” غارقةً تحت أنقاض منزلها، وهي كما يبدو في الصورة أنها أسلمت لله روحَها والمسبحة في يدها، في لحظة استهداف الطيران لمنزلها كانت مستلقيةً تذكُرُ اللهَ وتسبّح في أمانِه ورحمتِه، قصفها الطيران المتوحشُ وهي لا تملك أيَّ سلاح تواجه به أحدثَ الطائرات والصواريخ إلا مسبحةً بيضاءَ، في مشهد يذكرنا بقصة نبي الله يونس عندما استمر بالتسبيح وهو في بطن الحوت.
الرضيعة ورد
في التاسعِ من أبريل الفائت من العام الجاري نجت الرضيعةُ ورد جمال جميل عبده.. من بين ضحايا أسرة المواطن “صادق الحاج” الذي تعرض منزلُهم في دمنة خدير بتعز للقصف من قبل طيران العُـدْوَان الأمريكي السعوديّ، ما أَدَّى لاستشهاد كامل أفراد الأسرة البالغين 14 شخصاً جُلهم أطفال ونساء.
وأكّـد المنقذون إخراجهم للطفلة الرضيعة “ورد ” من تحت الأنقاض بعد يومين من البحث المتواصل حيةً تُرزق.