مقتطفات نورانية
ولأن الآيات هي في سياق الحديث عن أهل الكتاب وعن أعمالهم الخبيثة وخططهم الماكرة، بدأ التوجيه نحو الهداية من الأمر بتقوى الله حق تقاته، ثم الاعتصام بحبله، ثم ماذا؟. {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104) في طريق أن تكونوا بمستوى أن تواجهوا أهل الكتاب لا بد أن تؤهلوا أنفسكم فتتحَـرّكوا أولاً في مجال إصْلَاح المجتمع من الداخل؛ لأنَّ أهل الكتاب سينفّـذون إلى داخلكم إلى أعماق بيوتكم، إلى أعماق نفوسكم. فلا بد أن تكونوا معتصمين بحبل الله جميعاً. ثم تنطلقون بشكل جماعي – بعد أن تؤهلوا أنفسكم وتجعلوا من أنفسكم أُمَّـة قادرة على أن تتحَـرّك في الداخل أولاً- في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا تتصور أبداً بأن معنى المسألة في مواجهة أهل الكتاب هو: أن تتجه بعينيك إلى [نيويورك] أَوْ إلى إسرائيل أَوْ إلى [لندن] أَوْ [باريس] أَوْ نحوها، بل من هنا العمل يبدأ في مواجهتهم من هنا من الداخل؛ لأنهم – وهم في مجال أن يضربوا الأُمَّـة- يتغلغلون إلى داخلها بمختلف وسائلهم الخبيثة، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية33) فساداً ثقافياً، فساداً أَخْـلَاقياً، فساداً اقتصادياً، فساداً في البيئة، فساداً في كُـلّ مجالات الحياة. إذاً فلا بد للأُمَّـة – وهي في طريقها إلى أن تؤهل نفسها لتكون بمستوى مواجهة أهل الكتاب، وفي مجال أن تحصّن نفسها من خبث أهل الكتاب حتى لا تتحول إلى أُمَّـة كافرة، إلى أُمَّـة مرتدة بعد إيْمَـانها – سواء الأُمَّـة على مستوى الأُمَّـة أَوْ أي مجتمع داخل هذه الأُمَّـة لا بد أن تتحَـرّك في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، وإلا فماذا؟. قد تكون أنت تفكر بأنك تجهز قطعاً عسكرية لتضرب [واشنطن]، وهم يضربونك في داخل كُـلّ بيت من بيوت مجتمعك، هذا لا يتأتى، وهذا هو ما حصل فعلاً، أليس هذا هو الحاصل؟. تعقد الدول صفقات أسلحة للسعودية لليمن لمصر لهذه الدولة ولهذه الدولة صفقات أسلحة طائرات دبابات، كُـلّ مرة نسمع بصفقة أسلحة، لكن من الذي سيحرك هذه الأسلحة؟. بدأً من الكبير من الرئيس أَوْ الملك إلى آخر شخص في المجتمع من هو؟. لقد ضُربت الأُمَّـة من الداخل. والأمر بالمعروف لا يعني فقط أن تقول لفلان: يغطي ركبته فقط!، بل بكل ما هو معروف، بكل ما الأُمَّـة بحاجة إلى أن تهتدي به، أن تتحلى به أن تمتلكه، أن تعمل به في مجال السياسة في مجال الاقتصاد، في مجال الأَخْـلَاق، في كُـلّ مجالات الحياة، في كُـلّ مجالات الدين. المعروف باب واسع جداً، إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟. ليس المعروف فقط كما نتصور، حتى أَصْبَـح هذا المبدأ العظيم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني فيما يتعلق بأشياء بسيطة، بسيطة جداً مثل [غلِّق المسجلة، غَطّ ركبتك]. ألم يصبح هكذا؟، تقريباً تنتهي إلى هذا مسألة الأمر بالمعروف! ولهذا نحتاج إلى أن تكون هناك أُمَّـة، أن يؤهل الناس أنفسهم إلى أن يصبحوا أُمَّـة قادرة على أن تدعوا إلى الخير تحت عنوان (الخير) بمفهومه الواسع، وأن تكون أُمَّـة تأمر بالمعروف تحت هذا العنوان الواسع، وتنهى عن المنكر بعنوانه الواسع، هذه ثلاثة عناوين واسعة جداً، ثلاثة عناوين مهمة هي تشمل كُـلّ مجالات الحياة، سواء ما كان من وجهة نظرنا لا نراه متعلقاً إلا بالدنيا، وما كان منها متعلقاً بالدين.
* من ملزمة سلسلة سورة آل عمران الدرس الثالث.