قراءة في مفهوم الهيمنة عند السيد حسين بدر الدين الحوثي
عبدالغني علي الزبيدي
في محاضَرةِ بعنوانِ “وإذ صرفنا اليك نفراً من الجن” تطرَّقَ السيدُ حسين بدر الدين الحوثي لجُملةٍ من المقولات والمفاهيم الهامة ذات العلاقة بالاجتماع السياسي المعاصِر للعرب والمسلمين كمفهوم الهيمنة ومفهومي الأمن والسلام المرتبطين به على المستويين النظري والمادي.
يشيرُ السيد حسين إلى أن الهيمنةَ على الأُمَّـة العربية والإسْـلَامية ليس بالضرورة أن تأتيَ على شكل جندي مدجَّج بالسلاح أَوْ بالسيطرة المباشرة فالهيمنة الحديثة تأتي بأَكْثَـر من شكل وبأشكال خفية ومنها تزييف المفاهيم وتطويع الوعي للتقبل بهيمنة الأعداء أَوْ ما يسمى في الدراسات الاجتماعية بالهيمنة الناعمة، والفَرْقُ بين السّيطرة والهيمنة أن السيطرة تقوم التّسلّط بالقهر والغلبة والقُـوَّة، بينما الهيمنةُ هي الصناعة العقلانية للسيطرة أَوْ ما يسميه غرامشي بالهيمنة الثقافية فالمفكر الماركسي يرى أن هيمنةَ الرأسمالية لا تنبني على القُـوَّة والمال والسلطة فحسب، بل على عامل القبول الذي تكونه ثقافة الطبقة الحاكمة في أذهان الناس.
والتحوّلُ الذي حدث في تعامل الغرب الرأسمالي هو التحوّلُ من السيطرة إلى الهيمنة والاستعمار السري.
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الدول الرأسمالية الكبرى لفرض سيطرتها عبر الاستعمار العسكري المباشر ثم بعد ذلك من خلال الأنظـمة العميلة التي زرعتها في البلدان العربي، وراهناً من خلال أذرعها الاقتصادية كمنظّـمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي ومن خلال الهيمنة الثقافية.
نحج الغربُ الرأسمالي في فرض هيمنته المعرفة وأَصْبَـح النموذج المعرفي الغربي هو الذي يوجه التفكير السائد وَالنظر البحثي والمعالجة السياسية والإعْـلَامية واختصار المعرفة الاجتماعية والسياسية في مفاهيم تصُبُّ في صالح “التكيف” مع مصالحه
ومن هنا يركّز السيد حسين على أهميّة المقاومة الثقافية تحرير الوعي من الاستلاب والإرَادَة من السلبية وإرهاب الجماهير وإخافتها من التغيير بحُجّة تهديد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي والفوضى والوقوع في الفتنة “سلطان غشوم خيرٌ من فتنة تدوم”، والأهم من ذلك التعرض لغضب الرب بعد توحيده بغضب السلطان وَإنتاج أيديولوجيا دينية للقهر والاستبداد تصيب المجتمع بالشلل السياسي والاجتماعي والموت المعنوي وتجرم الثورة والمعارضة.
يقول المفكر الإيراني على شريعتي: من أجل إحكام السيطرة على قوم ما يجبُ أن تسلبَهم شعورَهم بالإنْسَانية أَوْ إضعاف هذا الشعور، فالشخص ذو الشخصية خادمٌ رديء، لكن فاقد الشخصية خادم جيد.
كما أن اتخاذ سياسَة المهادنة والتزام حكمة الصمت لن يجعلَك في مأمن من أطماع أمريكا وغيرها من دول الاستكبار، ذلك أن اتساعَ مصالح الرأسمالية وتجاوزها حدودها الوطنية، يدفعها للتوسع خارج حدودها وتنظر للعالم سوق تتمتع فيه الشركات العابرة للقومية والاستثمارات الكبيرة بكل الامتيازات وإزاحة أية عقبات تقفُ أمامهم.
وعلى عكس المبررات التي يسوقُها أنواع ثقافة الصمت والهروب من المواجهة يؤكّـد السيد حسين أن ذلك لا يحقّق الأمن ولا الاستقرارَ، مستشهدا بقول الإمام علي “بقية السيف أبقى ولداً وأَكْثَـرُ عدداً”. فليس صحيحاً أن نظامَ الاستكبار يحقّق الأمنَ والسلامَ الاجتماعي، فالموت والدمار والخراب المنتشر في منطقة الشرق الأوسط ما هو إلّا ترجمة لمبدأ “دمّـر ثم عمّر”؛ لتفوز في النهاية الشركات الرأسمالية بعقود ضخمة لإعَادَة الاعمار..
وللحديث.. بقية