اليهود وراء كُـلّ جريمة: خفايا الحياة السياسة العالمية خلال الحرب العالمية الأولى
الحلقة السادسة والعشرون
فِي كِتَابِ “اليَهُوْد وَرَاءِ كُلِّ جريمة” للكاتب الكندي وليام كار، يُسلِّطُ المؤلِّـفُ الضَّـوْءَ على الأمور التي لم تكُن واضحةً من أساليبِ اليَهُودِ للسيطرة على العالم، مستخدمين كافةَ الوسائلِ القذرةِ والجرائم التي لم يكن يُدرِكُ الناسُ أن اليَـهُـوْدَ يقفون وراءَها؛ للوصولِ إلى غايتِهم بالسيطرة على العالِمِ وثرواتِه، مُؤَكِّداً أَنَّه ما سيكشفُه في الكِتَابِ سيَصدمُ القُــرَّاء؛ نظراً لعِدَمِ قُدرةِ الكثيرِ مِنْهُمْ على استيعابِ خُبثِ اليَـهُـوْدِ من تلقاءِ أنفسِهم.
في ترجمةِ الكاتبِ وفقَ موسوعة ويكيبيديا هو باحثٌ كنديٌّ وأستاذٌ جامعيٌّ اختصَّ بالعُلوم وبالآثار القديمة. وقد قضى فترةً بفلسطينَ، ودَرَسَ بالجامعة (العِبرية) في القدس المحتلة، وسبق له أنْ عَرَضَ القضيةَ الفلسطينيةَ من مختلفِ جوانبِها، وَأثبتَ (بُطلانِ الحَــقِّ التأريخيِّ لدى اليَـهُـوْدِ)، وبشكل علمي موثّق وببراعة نرى من خلالها الصدقَ والتعلُّقَ بالحقِّ والعدالةِ.
ونظراً لأهميَّةِ محتوى الكِتابِ، تقومُ صحيفةُ المسيرةُ بنشره في سلسلةِ حلقاتٍ، معتمدةً على النسخةِ المترجمةِ والصادِرَةِ في عام 1982 عن دار الكِتابِ العربي في بيروت، والذي تولَّى شرحَه والتعليقَ عليه باللُّغة العربية الكاتبُ والمؤلِّفُ العراقيُّ “خيرُ الله الطلفاح”.
تفجّرت الحربُ العالمية الأولى في عام 1914، وعاش العالَمُ بأسره السنين الأربع الرهيبة التي طغى فيها طوفانُ الدماء الشامل، ولا نرى من داعٍ لتكرار سرد الأحداث المعروفة التي سبقت قيام الحرب الأولى مما لا يجهله أحد: فقد دارت معاملُ الأسلحة كما لم تدُر من قبلُ، وقد سردنا في الفصول الأولى من هذا الكتاب كيف رسمت المؤامرة منذ أمد بعيد خطة حرب عالمية شاملة أولى تتلوها ثانية ثم ثالثة، والأسباب التي دعتها لذلك والنتائج التي تهدف إليها.. كما شرحنا دور المنظمات الخفية التابعة لسادة المال العالميين اليهود المنتشرة كالأخطبوط في قلب العديد من دول أوروبا وغيرها والتي كانت تهيئ هذه الدول للحرب وتدفعها إليها.
وعندما طلع فجر القرن العشرين كانت القوى الخفية قد أعدّت بصورة عامة حكومات الدول الأوروبية وهيئاتِها السياسية وجيوشَها للحرب المقبلة، أَوْ لتقبل فكرتِها على الأقل، وبقي عليها إعدادُ الرأي العام الأوروبي والعالمي من ناحية، وتطويق قادة قوى الخير في العالم من ناحية أُخْـرَى.. هؤلاء القادة من شخصيات ملكية وموجهين إصْـلَاحيين ممن يستندون إلى أنظمة شرعية راسخة ويمتلكون من السلطة والمهابة؛ ما يمكنهم من التحكم في الموقف لدى تأزمه والوقوف عقبة في وجه المُخَطّطات المرسومة.
سوف نضرِبُ صفحاً عن ذكر الأزمات السياسية العنيفة والمنازعات الاستعمارية الحادة التي توالت بصورة مثيرة للاستغراب في مطلع هذا القرن، وأدت إلى تكون المحاور والأحلاف وسنكتفي هنا – حيث الأحداث تفسر نفسها بصورة بديهية – بذكر التسلسل التأريخي لعدد من تلك الأحداث تفسر نفسها بصورة بديهية – بذكر التسلسل التأريخي لعدد من تلك الأحداث المثيرة التي تميزت بها بصورة مريبة الفترة الأولى من القرن الحالي حتى اندلاع نيران الحرب العالمية الأولى، والتي أدّت إلى نتيجتين بارزتين:
1- اختفاءُ عدد من الرؤوس المتوجة والشخصيات البارزة من المسرح السياسي الأوروبي.
2- الانفعال الشديد الذي أصاب الرأيَ العام الأوروبي والذي جعل الحمى تسري إلى كُـلّ مكان..
وهذه الأحداث المثيرة هي:
– مقتل امبراطورة النمسا عام ۱۸۹۹.
– اغتيال الملك أوميرتو ملك إيطاليا عام ۱۹۰۰.
– اغتيال الرئيس ماكينلي رئيس الولايات المتحدة عام 1901 وتسلم تيودور روزفلت المسمى بـ (روزفلت الأول) كرسي الرئاسة بعده.
– اغتيال الأمير الروسي الغراندوق سرجيوس (عم قيصر روسيا) عام 1905.
– اغتيال ملك البرتغال وولي عهده عام ۱۹۰۸.
وتلت هذه السلسلة الدموية أخيراً حادثةُ الاغتيال الكبرى التي كانت الشرارة التي فجرت البارود، وهي اغتيال الأرشيدوق فرانسوا فردیناند ولي عهد الامبراطورية النمساوية وزوجته في مدينة سراجيفو في يوغسلافيا يوم ۲۸ حزيران 1914.
هذه الأحداث تفسر نفسها بنفسها كما ذكرنا.. وتكفي نظرة تحليلية يسيرة إليها وإلى تسلسلها الزمني الذي نشتم منه رائحة التنظيمِ الخفي واضحة، وإلى توزُّعها الجغرافي لكي ندركَ أنَّهُ لا يُعقل أن تكون من صنع الصدفة وحدَها بل من صنع يد خفية تلمُّس آثارها واضحة في كُـلِّ مكان وتشير إليها أصابع الاتهام بصورة لا تدع مجالاً للشك ولا تحتاج إلى تفسير.
المرحلة الثانية: فترةُ الحرب – ما وراء (كواليس) السياسة:
كان رئيسُ وزراء إنكلترا عندما تفجرت الحرب المستر (اسكويث) الذي كان سياسياً شريفاً معتدلاً يعمل لمصلحة بلاده، وعُرف بعدائه للصهيونية؛ ولذلك قرّر المرابون العالميون اليهود إزاحتَه واستبداله بالثلاثي السياسي المكون من اتباعهم المباشرين:
– لوید جورج.
– آرثر – جورج بلفور.. (صاحب وعد بلفور الشهير).
– ونستون تشرشل.
لم يكن هذا الأمر سهلاً؛ لأن إنكلترا كانت مشتبكةً في حرب عالمية يتوقف عليها مصيرُها، مما لا يدع مجالاً للمناورات السياسية المعتادة، هذا إلى أن تغيير الوزارة أثناء المعركة مما يشكل صدمة عنيفة الرأي العام الإنكليزي.
دارت عجلةُ المؤامرة بحذر شديد وباشرت الخلايا في إنكلترا بتنفيذ تعليمات القوى الخفية التي وضعت مُخَطّطها لتدمير البنيان الحكومي والاجتماعي القائم وتعبيد الطريق لـ (تشرشل) وَ(بلفور) وَ(لويد جورج).. وكان السلاح الرئيسي الذي اختير لتنفيذ المؤامرة هو نفس السلاح القديم الذي أثبت مضاءه في الثورة الفرنسية وفي روسيا القيصرية: التشهير والتلطيخ.. وحملة الدعاية الواسعة.
وبدأ تنفيذُ الخُطَّة بعد اندلاع الحرب بقليلٍ بصورة أبعدَ ما تكون عن لفتِ الأنظار، فقد استأجر مندوب لجماعة من كبار الأثرياء الانكليز ظلوا في قيد الكتمان قصرةً واسعة في إحدى ضواحي لندن حوله بعد أن صرفت عليه مبالغ طائلة إلى نادٍ خاص شديد الفخامة يتجلى في أرجائه آخرُ ما وصل إليه فن الترف من أساليب؛ لخلق جو من الأرستقراطية الباذخة والشاعرية الحالمة يسود صالاته ومشاربه وملاعبه ومخادعة، وزعم المشرفون على النادي أن قصد مؤسّسيه من إنشائه هو التعبير عن وطنيتهم وتقديرهم لضباط القُـوَّات المحاربة في الميدان عن طريق تأمين راحة مثالية لهم عندما يقدمون إلى لندن في إجازة للنقاهة من جراحهم..!
لم تبخل السلطاتُ بالتشجيع والتسهيلات على منتدى أُسِّس لمثل هذا الهدف النبيل!، وعمد هذا النادي من ناحيته – تحقيقاً لغرضه النبيل – إلى توفير كافة ضروب المتعة والتسلية لرواده وأعضائه.. وقد حظر دخول النادي على غير الأعضاء، أما الضيوفُ الجددُ فيتم قبولهم بعد إجراءات شديدة تتحقق فيها إدارة النادي من شخصياتهم ومن جدارتهم بالانتساب إليه.
تمكن المشرفون على النادي الزجاجي – بوسائلهم الشيطانية ونفوذهم الواسع وتغلغلهم في الأوساط الاجتماعية العليا وغيرها، من ضم عدد من كبار سيدات المجتمع البريطاني إلى هذا النادي ومن استجلاب الكثيرات من النساء.
أما الحياة في النادي فكانت تدور بين صالات المقامرة والأركان الخافتة الضياء وقاعات الشراب والرقص والمخادع الوثيرة.. وعندما يتقدم الليل تتوقف الرقصات بين الفينة والفينة وتعلو الأصوات الخافتة بعض الشيء لتقدم بعض البرامج الترفيهية الشبيهة ببرامج علب الليل أَوْ تؤدي بعض النسوة المقنعات من سيدات أَوْ زوجات أَوْ فتيات المجتمع رقصة تبعث الحمى في الدماء كرقصة (الأقنعة السبعة) التي تمثل مشهد، داخل أبهاء حريم السلطان مستمدة من رقصة (سالومي) التأريخية.. فتظهر النساء أولا بكافة ثيابهن والقناع يغطي وجوههن، ثم تبدأ الرقصة المحمومة فيخلصن قطعة من ثيابهن شيئا فشيئا حتى يرقصن أخيرا عاريات من كُـلّ شيء سوى القناع على وجوههن على أنغام الموسيقى المجنونة. وحينها يكون الموجودون قد عبوا من الخمر حتى الثمالة وانتشوا بالانفعالات والجو المحموم والتعب والاضواء شبه المعتمة..!.
وحدث في إحدى أمسيات شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1916، أن وصلت رسالة إلى أحد الوزراء من الحكومة البريطانية آنئذ تطلب منه القدوم إلى هذا النادي لتلقي معلومات على غاية من الأهمية، فقدم بسيارته الخاصة وطلب من سائقه الانتظار ثم دلف يصحبه مستقبلوه الذين قادوه إلى الداخل حيث تعرف إلى النادي وجوه المحموم.. ثم قاده أحدهم إلى مخدع وثير أنيق الرياش حيث تركه منفرداً.. ولم تلبث أن دلفت إلى المخدع امرأة شابة شبه عارية يغطي قسماتها القناع والضياء الخافت، بيد أنها حين التصقت بالرجل كاد أن يغمى عليها، فيما أصيب الوزير بنوبة من الذهول والغضب.. ذلك أن هذه المرأة لم تكن سوى زوجته بالذات، وكانت تصغره سنا بأعوام كثيرة وحين احتدم غضبه قدم بعض المشرفين على النادي وأطلعوا الزوج على بيانات السجل الأسود المتعلقة بزوجته.. والتي أوضحت له كيف كانت هذه تشارك في حياة النادي الإباحية منذ أمد بعيد، ولما كان الوزير عاجزاً عن إثارة فضيحة بحكم مركزه السياسي والاجتماعي فقد اضطر للانصراف مطأطئ الرأس..
أما السجل الأسود المذكور فهو مجموع البيانات التي يمتلكها المشرفون على النادي الزجاجي أَوْ يجمعها مستخدموه من رجال ونساء – وكانوا جَميعاً بالطبع جواسيس للإدارة – عن كُـلّ الرواد والأعضاء من رجال ونساء وعن كُـلّ ما يحدث داخل النادي.. وتتكون هذه البيانات من معلومات وصور وبقايا ألبسة ووثائق الخ.. كما تتضمن التقرير الكامل عن صفات وعيوب ونقاط ضعف عن كُـلّ عضو من هؤلاء وأوضاعه المالية والمنزلية والزوجية والجسدية والاجتماعية والدينية الخ..
لم تبقَ جميعُ وقائع الكتاب الأسود وتفاصيل الأمسيات المجنونة قيد الكتمان المطلق كما قد يظن.. بل كانت تتسرب مصحوبة ببراهينها أحياناً إلى الصحافة وتسري في أوساط الرأي العام منظمة غامضة، بحيث أخذت الصحف تشير إليها بصورة مغطاة، كما بدأ الاستياء يسود الجو العام الأخبار هذه الفضائح المثيرة التي تنغمس فيها الأوساط الحاكمة في وقت تخوض فيه إنكلترا حرب مدمرة يموت فيها شبانها بالآلاف ويتراقص مصيرها على كف القدر..
وفي شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 1916 نفسه، أثار أحدُ أعضاء البرلمان قضية النادي الزجاجي في جلسة علنية كاشفاً بصورة رسمية لأول مرة حقيقةَ هذا النادي وطالباً بإجراء تحقيق حكومي كامل بشأنه.. وقد أعلن هذا النائب أنه استقى معلوماته من ثلاثة من كبار ضباط الجيش الانكليزي كانوا في البدء قد تبنوا تشجيع النادي نظراً لأغراضه النبيلة التي أعلن عنها.. ثم انساقوا وراء تياره دون وعي حتى تمكن المشرفون عليه من تجميع عدد من المعلومات المتعلقة بهم بعد توريطهم في بعض الأمور الخلقية التي تجري فيه عادة.
لم تجد الحكومة بُداً والبلاد في حالة الحرب من اتخاذ الإجراءات اللازمة الخنق الفضيحة في مهدها.. بيد أن الفضيحة كانت قد أثيرت في البرلمان رسمياً وفي الصحافة، وتسربت أخبارها بصورة منتظمة إلى الرأي العام المستاء. وشرعت الصحافة المأجورة بمهاجمة حكومة اسكويث موجهة للوزراء شتى أنواع الاتهامات ومحيطة أساءهم بعدد من نقاط الاستفهام الاتهامية، ولم ينج منها رئيس الوزراء نفسه الذي اتهمته بوجود ارتباطات قديمة بينه وبين بعض الصناعيين الألمان تعود إلى فترة ما قبل الحرب.. وكانت البراهين والاشاعات مديرة بشكل تدمغ فيه عددا كبيرا من أقطاب السياسة والحكم في نظام اسكویث بالفضائح الخلقية التي كانت مسرحها النادي الزجاجي…).
وهكذا تقلقل وضعُ اسكويث ونظامه إلى درجة لم يجد معها مناصاً من الاستقالة بعد شهر واحد في كانون الأول 1916.. وتلته وزارة ائتلافية كان أقطابها الثلاثة” للويد جورج “رئيس الوزراء” ونستون تشرشل” وَ”بلفور”..