تحوُّل جوهري في موازين القوى
د. أحمد الصعدي
ما ((الوضع القائم في المنطقة)) الذي أخلت به إيران وكيف ؟
عقبَ المواجهة غير المسبوقة بين الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة وبين جيش العدو الصهيوني فجر الخميس 10/ مايو (ايار) أطلق وزيرُ خارجية البحرين خالد بن أحمد آل ثاني موقفاً مؤيداً للكيان الصهيوني، جاء في تغريدة على تويتر قال فيها ((طالما أن إيران أخلت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأية دولة في المنطقة ومنها إسرائيل أن تدافعَ عن نفسها بتدمير مصادر الخطر)). هذا التأييدُ الصريحُ للاعتداءات الصهيونية المتكررة على سوريا الذي لاقى ترحيباً وإعجاباً كبيرَين من قادة الكيان الصهيوني اعتبره بعضُ العرب صادماً، وهو ليس كذلك، بل هو في حقيقته موقفٌ طبيعيٌّ في سياق النهج السياسي لدول عربية على رأسها السعودية وضمنها دولة الإمارات والبحرين وكذلك قطر والأردن، وَإن اختلفتا في الأسلوب لا في جوهر الموقف من التطبيع لأسباب خَاصَّـة بكُلِّ منهما.
وهكذا يمكن أن نعد الموقفَ البحريني إعلاناً صريحاً وصادقاً عن مواقفَ حقيقيةٍ لم تكن تظهر إلى العلن، وليس فيه ما يثير الاستغراب أَوْ يصدم أحداً، ولكنه يطرح سؤالاً محدداً عن ((الوضع القائم في المنطقة)) الذي أخلت به إيران حسب زعم الوزير البحريني وكيف جرى ذلك الإخلال.
لنعُدْ إلى جوهرِ المشكلة الإسرائيلية – وهي مشكلة مست الدول العربية المذكورة الموالية للكيان الغاصب – التي برزت بوضوح وجدية في ليلة العاشر من مايو، التي سمّاها السيد حسن نصر الله ((ليلة الصواريخ)). فمنذ انتهاءِ حرب أكتوبر 1973 دأب الكيان الصهيوني على انتهاكِ سيادة الجمهورية العربية السورية وازدادت الانتهاكات في سنوات الأزمة السورية من غير أن تلقى الردَّ المناسب، وكانت بعض وسائل الإعلام الخليجية –لا سيما في السنوات الأخيرة- تحتفي بكل حادثة قصف يقوم بها طيران العدو الصهيوني لموقع عسكري أَوْ مدني سوري وتشمت كثيراً بسوريا ورئيسها وجيشها وتتعمد إظهار عجزه عن الرد وتتحداه أن يفعل ذلك. وخلال سنوات الحرب التي خاضها الجيش السوري وحلفاؤه ضد الجماعات الإرهابية والمسلحة المدعومة بسخاء من دول عربية وغربية اكتسب خبرةً حوّلته إلى جيشٍ قادرٍ على خوض حروب في شتى الظروف ولم يعد جيشاً تقليدياً يقضي أوقاتَه حبيس ثكناته منتظراً أن يأتيَ عدو متفوق جِـدًّا بسلاحه الجوي ليسدد له ضربات قاضية. وزيادة إلى هذا التحول وجد إلى جانب الجيش السوري حلفاء مخلصون شاركوه ويشاركونه في معركة الدفاع عن وَحدة وسلامة وسيادة الدولة السورية. في الشهور الماضية بدأت الدفاعاتُ الجوية السورية تتصدى لطيران العدو الصهيوني فاعتبر قادةُ الكيان أن ما قامت به الدفاعات السورية هو إخلالٌ فظيعٌ وخطير وغير مقبول لقواعد الاشتباك التي تعني في مفهومهم أن يستمر الطيران الإسرائيلي في قصف ما يشاء ومتى يشاء في سوريا من غير أن يمارسَ الجيش السوري والدولة السورية حقهما وواجبهما في الدفاع عن سوريا شعباً وأرضاً ودولةً. ثم جاء إسقاط الدفاعات السورية لطائرة F16 ليُحدِثَ صدمةً كبيرة في الأوساط العسكرية والأمنية والسياسية في الكيان الصهيوني الذي كثف من اعتداءاته لإعادة ((قواعد الاشتباك)) إلى سابق عهدها غير مدرك مثله مثل الوزير البحريني أن أموراً كثيرة قد تغيرت.
ورداً على العربدة الصهيونية جاء الرد السوري في ليلة الصواريخ عبر قصف مواقعَ عسكرية مهمة في الجولان السوري المحتل بخمسة وخمسين صاروخاً، بعضها من الحجم الكبير كما قال السيد نصرالله، وهو ما أرغم سكان المستوطنات في الجولان وشمال فلسطين على الهروب إلى الملاجئ في حالة من الذعر والهلع لم يعرفوها منذ 1973، ما أرغم قادةَ الكيان على إبلاغ القيادة السورية عبر الأمم المتحدة رغبتَهم في وقف المواجهات بين الطرفين.
هذا التحوُّلُ الجوهري في موازين القوى بين سوريا والكيان الصهيوني يعني أن سوريا امتلكت قوةً وإرادةَ ردع الكيان العدواني، وتكون بذلك الدولة الثانية بعد لبنان الذي هزم جيش الاحتلال مرتين وأمن لنفسه قوة ردع فعّالة قوامُها الشعب والجيش والمقاومة.
إذا كان الوزيرُ البحريني يقصد بتصريحه المذكور حيازةَ سوريا لقدرة ردع الكيان الصهيوني ويعد هذه القدرة إخلالاً في الوضع القائم في المنطقة فهو محقٌّ، لكن مَن أخل بهذا الوضع ليست إيران وحزب الله بمفردهما بل الجيش العربي السوري الذي استفاد من دعم حلفائه.
يضخمُ بعضُ حكام الخليج وقادة الكيان الصهيوني وإدَارَة ترامب من دور إيران في سوريا وفي بلدان أخرى لشيطنتِها وجميعُهم يعرفُ أن أي دعم خارجي مهما بلغ حجمُه لا يمكن أن يحافظَ على نظام فاقدٍ لأرضيته الشعبية، والدليلُ الأوضح على ذلك هو ما يسمونه بـ ((الشرعية اليمنية)) التي حُشِدت الجيوشُ من أجلها وأحدث ترسانات الأسلحة والأموال الباهظة وكل ذلك ذهب هباء؛ لأن إرادةَ الشعوب أقوى من إرادةِ الطغاة مهما بلغ جبروتُهم المالي والعسكري والإعلامي.
لقد شاهدنا المواطنين السوريين وهم يبتهجون بصواريخِ جيشهم التي تنطلقُ نحو جولانهم العزيزِ المحتل، وسمعنا أحاديثَهم المفعمة بمشاعر العزة والكرامة وشكواهم من العربدة الصهيونية في العقود الماضية ونحن في اليمن المحاصَر شاركناهم نفسَ المشاعر والمواقف.
أما حلفاءُ سوريا من حِلف المقاومة فيستحقون الشكرَ والتقديرَ على وقوفهم مع سوريا مهما ناح النائحون وحزنوا أَوْ غضبوا لما أصاب هيبةَ حليفِهم من تصدُّعٍ وضعف.