لماذا تحارب السعودية في اليمن؟
إبراهيم سنجاب
لقد عاد غالبيةُ العرب العاربة والمستعرِبة لعصور الظلام فتراجع علماؤهم ليبحثوا فِي الكتب العفنة عن أصول الفرق والجماعات, يريدون أن يستغنوا بالمعتزلة عن علوم الفضاء وبالولاية عن بحوث الدواء، وبالخلافة عن تكنولوجيا الاتصالات (أضف ما تشاء من معارف عن عيشة الموت بلا أية قيمة بديلاً سهلاً عن علوم الحياة). ولماذا يبحثون فِي علوم الحياة وقتيلهم إما شهيد وإما صريع بفتوى من جرئ على النار!، وقادتهم إما أولياء الله وإما خونة مرتزِقة بمقالة من أعور دجال لكل العصور! وشعوبهم إما نعاج وإما أبطال فاتحون بكلمة تخرج من فم طاغية مخلط. العرب لا يعرفون منتصف الطريق، والوسطية ليست من قناعاتهم رغم مرور أَكْثَـر من ١٤٠٠ سنة علي نزول جِبْرِيل عليه السلام بآية وجعلناكم أمة وسطا.
لقد فسدت كُـلّ الادعاءات منذ الزعم بتهديد التجارة العالمية بالسيطرة على باب المندب وتسليمه للفرس الإيرانيين الصفويين الاثني عشريين الكفرة الزنادقة الـ.. الـ… أضف ما تريد من صفات معرفة وَنكرة ومستنكرة رددتها العربية وسكاي نيوز و(تراجعت عنها الجزيرة) بعد مقاطعة قطر، وحتى تهديد الكعبة المشرفة. كأن باب المندب هو ممر لتجارة السواك!!! خطاب غريب وإعْـلَام لا يعرف الخجل. أَوْ كأن الكعبة المشرفة قاعدة عسكرية أمريكية.
نعود للسؤال الغبي:
لماذا تحارب السعودية فِي اليمن؟
قالت العربية وسكاي نيوز والجزيرة قبل أن تتراجع: إن الحوثي الكافر السلالي الفارسي الشيعى الـ… الـ… (لم يُتهم بالزندقة بعدُ) سيهدم الكعبة المشرفة وقبر الرسول الأعظم، بينما صواريخه تمرح فِي سماء الرياض وجيزان ويمكنها أن تزعج سكان ثلثي جغرافية المملكة حتي لو اعترضتها باتريوت الأمريكان. ولا ترد العربية وسكاي نيوز والجزيرة حتي بعد أن تراجعت علي ما يقوله الحوثي بأن الكعبة المشرفة اليوم مخبأة بين عشرات الفنادق والمولات، وأن من هدم قبور آل البيت والصحابة هم الوهابيون الأوائل وهم من أقدم على هدم قبر الرسول لولا أن تدخلت مصر وباكستان فتركوه؟
ولكن لماذا تحارب السعودية فِي اليمن؟
الفقرة الكوميدية فِي العدوان علي اليمن هي إعادة الشرعية! إنها بحق فقرة مضحكة ولكنها محظوظة فِي العمل الأسود كله، أداها ممثلون من الصف الثالث وربما الرابع وجدوا أنفسهم بالصدفة علي خشبة مسرح عبثي، أتتهم البطولة تحبو علي قوائمها الأربعة، ولما لا ونحن فِي الزمن الذي هاجمت فيه طائرات قطرية دمشق الشام، وَشاركت فيه طائرات إماراتية قصف طرابلس الليبية! إنه الزمن الذي أفلتت فيه الشاة السورية بينما يتهاوش عليها عربان قطر والخليج!
ولكن لماذا هي كوميدية؟
لأنه تم تحرير 80 % من أراضي اليمن التي اغتصبها الحوثي السلالي الشيعي الفارسي الـ.. الـ.. (لم يتهم بالزندقة بعدُ) ومع ذلك بقي -الشرعي- وحكومته فِي الرياض وتوزع بقية المرتزِقة على العواصم وفقاً لحاجة كُـلّ عاصمة، الذي يريد بيعَ حضرموت فليذهب الي الرياض ومن يريد الإطاحة بالحوثي والشرعي معاً فإلى استانبول، أمَّا الذي يرهن الجنوب العربي فليذهب إلى الإمارات (المتحدة)، علي أن تستمر تعز ومأرب جبهتي قتال تحت رحمة خونة الإخوان والسلفيين بأجر، وَينتهى الحال بجزيرة سُقطرى إلى محل نزاع فِي انتظار وعد بلفور جديد، أما الحديدة فتبقى ساحة للمناكفة ليوم الفصل وهو قريب.
السؤال ليس غبياً:
لماذا تحارب السعودية فِي اليمن؟
كل الأسباب التي جرى ترويجها إعْـلَامياً لتبرير قتل اليمنيين ثبت زيفها، ولو قالت السعودية إنها لا تريد يمنيين فِي اليمن لكان أكرم ولو قالت الإمارات أنها تريد سواحل اليمن وجزره لوجدت من تفاوضه دون قتال. ولو قالت كلاهما أنهما يحاربان فِي اليمن تنفيذا لرغبة أمريكية إسرائيلية تبرر هذا الانفاق الخرافي على صفقات السلاح لكان أوقع. ولكنهم وللأسف يشترون اليمن من صغار البائعين ولم يعلموا أن اليمن ليس فلسطين وأن من يملك لن يعطى لمن لا يستحق.
جميلة وأخواتها مأساة عصر الانحطاط!
بعيداً عن الحوثي السلالي الفارسي الكافر الصفوي الـ الـ… إلخ أضف ما تريد من اتهامات، وبعيداً عن حديث الحرب والقتال والدمار والحصار والموت والجوع والمرض والفقر والافقار، يرَوّج الإعْـلَام العالمى والعربى والمستعرب والمستغرب والمستشرق وكل ما يمكن أن يقال له إعْـلَام، لحملة نشطة عن طيبة قلب وسماحة خلق وصفاء روح أولئك الذين يقتلون اليمنيين، تقول القصة إن أشاوَس التحالف أسروا قائداً حوثياً كان يتخذ من طفلته -4 سنوات – درعاً واقياً (يا سلام!) وتحبك مذيعة العربية الرواية بأنه ألبسها ملابس الصبيان وليس فستانا يليق بطفولتها البريئة…. إلخ الرواية السمجة التي رددها غربان الإعْـلَام فِي العالم كله لدرجة أن وكالة شينخوا الصينية بثت تقريا وافيا بالقصة وكأن كُـلَّ محرري الصحف والفضائيات مقتنعون بها.!
الطفلة جميلة هذا اسمها وعشرات الصور لها مع الأبطال المخلصين حديث الفضائيات والصحف فضحتهم بنظرتها، فبمجرد نظرة عابرة فِي عينيها سترى أنها أسيرة مرعوبة خائفة مما يهدم القصة من أساسها. بينما فِي اليمن آلاف الصور لجميلات أخريات تحولن إلى أشباح؛ بسبب الجوع والمرض والنزوح لمن أراد قصصا إخبارية وصورا تقشعر لها الأبدان، عائلات بالجملة هدمت منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم لا ماء لا كهرباء لا غاز لا مرتبات لا ولا ولا لاءات كثيرة كلها لا إنْسَانية. والأفظع أن أحداً لا يكترث بهم، كأنهم يعيشون فِي عالم آخر ليس موجوداً على الأرض!
كم ألف طفل قتلته طائرات التحالف فِي منزله وكم ألف يتيم وكم ألف معوق وكم ألف جميلة اغتصبت – الإف 16 – أحلامها وكم أم ربطت على بطنها لتوفر لقمة لجميلة تتقطع أمعاؤها جوعا؟ كم أب وأخ يتقطع خجلا أمام جميلته المريضة؟ وكم وكم وكم من مناظر بشعة مؤلمة تخجل الكاميرات أمام تسجيليها ويستحى ذو المروءة من نشرها على مشاهدي الفضائيات وقراء الصحف؟!
الجبان الذى اختطف جميلة ليظهر مروءته وكرمه لو كان عربياً وكان مسلماً ما استنزف مشاعرها، ولكنه بلا شهامة ولا نخوة وضعها أمام الكاميرات ليرتزق بها أسيرة مذعورة، بينما شقيقتها الجائعة المريضة المحاصرة الفقيرة تبتسم رغم انكسارها إذ لم تصل إليها يد الجبان بعد ومازالت عزيزة فِي أهلها.
هل بلغ الضعف بإعْـلَام الخليج إلى هذا الحد؟
ثلاث سنوات وأَكْثَـر وهو يقتل ويشرد ويشترى حكاما ومنظمات وخونة ومرتزِقة ومنافقين ومع ذلك ما زال يحتاج إلى صورة طفلة مذعورة ليبرر بها فقدان إنْسَانيته. ويمهد بها لارتكاب جرائم أخرى ضد الإنْسَانية ويدرء عن نفسه تهمة العقاب الجماعي لشعب هو الأعز فِي عروبته وإسْـلَامه. إنه عصر الانحطاط وحرب اليمن مقدمته ونهايته. لقد قالتها الحرة اليمنية فِي لحظة يمان: لقد أفسد علينا بنو سعود دنيانا، وإنا لمفسدون عليهم آخرتهم بما ظلموا.