مسيرات العودة إلى أين؟
حمزة أبو شنب*
*محلل وباحث في الشأن الفلسطيني
واصلت مسيرات العودة عملية الاحتشاد في الجمعة الثامنة لها منذ انطلاقتها في الثلاثين من مارس الماضي، وباءت محاولات الردع الإسرائيلي بالفشل في منع مواصلة الجماهير الفلسطينية بالتجمّع في مخيّمات العودة – في المحافظات الخمس، فلم تشكّل مجزرة الرابع عشر من مايو ضد المتظاهرين الفلسطينيين إلا محفّزاً جديداً للمواصلة والإصرار على المطالبة بالحقوق.
أمام هذه الروح الجماهيرية العالية يُطرح التساؤل المتكرّر: مسيرات العودة إلى أين؟ يترافق السؤال مع تزايد الأنباء التي تتحدّث عن إمكانية تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة التي تطرحها عدة أطراف، كما ترافقت مع رسائل قوية من الاحتلال تهدّد فيها قيادة حركة حماس بالعودة إلى الاغتيالات التي لم تتوقّف.
قبل الإجابة على هذا التساؤل لا بدّ من قراءة ما حقّقته هذه الوسيلة النضالية الشعبية على مدار الأيام الماضية؛ فعلى الصعيد الفلسطيني نجحت المسيرة في نقل حال الخلافات الفلسطينية الداخلية بشأن ملف المصالحة إلى حال وحدة بين الفصائل الفلسطينية وكافة شرائح المجتمع الفلسطيني، وإرجاع المشكلة إلى أصلها وهي الاحتلال.
كما أعادت المسيرات السلمية الروح النضالية والعمل المقاوِم الشعبي وانخرطت قطاعات شعبية واسعة فيها، مما أحيا وأذكى دفاعية التحدّي والإصرار ضد العدو الإسرائيلي، ونقل واقع قطاع غزّة من خيارات المواجهة العسكرية أو الهدوء إلى مُقاربة وسطية بين الخيارين، وهذا ما لا يرغب فيه الكيان الصهيوني.
حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من ديارهم في العام 1948 تم استرجاع حضوره الفاعِل وذكّرت هذه المسيرات العالم بأن قيام دولة الاحتلال كان على حساب آلام وجراح الفلسطينيين، وأن كافة مشاريع التسوية والتصفية لن يكون بمقدورها أن تشطب هذا الحق، وعزّزت رسائل الثبات على الأرض الفلسطينية لتقضي على دعاية حل قضية اللاجئين عبر منح الفلسطينيين أراضٍ في سيناء، وتشتيت نظر الفلسطينيين عن الأراضي المحتلة عام 48.
إعادة حضور قضية فلسطين في كافة المحافل بعد القرارات الأميركية بنقل السفارة إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، وصد الخطوات العربية المهرولة نحو التطبيع، وتصفية القضية، من الأهداف الهامة التي حقّقتها التظاهرات، كما رفعت صوت غزّة المُحاصَرة بسبب مقاومتها منذ أحد عشر عاماً.
على الصعيد الإسرائيلي فقد نجح الحراك السلمي في استنزاف الجيش الإسرائيلي، فأوقف كافة تدريباته ومناوراته العسكرية التي كان يُجريها على مدار الأيام الماضية، وعطّلت العمل في بناء الجدار الأمني لمحاربة أنفاق المقاومة، مع مواصلة جيش العدو الاستنفار في الجبهة الشمالية، ما عطّل خططه التدريبية.
ما حقّقه الحراك من نتائج لا بد من البناء عليها في المرحلة القادمة، صحيح بأن هناك أكثر من مئة شهيد وعشرات الجرحى، إلا أننا أمام عدو إجرامي، والمطلوب مواصلة مقارعة الاحتلال ومقاومته بكافة الأدوات والوسائل، فإن تكاليف المواجهة أدنى من تكاليف الاستسلام، والمواجهة هي الخيار الأنسب لتقليص الخطر الوجودي الذي يتهدّد الشعب الفلسطيني.
إذن مسيرات العودة إلى أين؟ أمام ما يُحدق بقضية فلسطين من مخاطر، في ظل مواصلة العدو مشاريع التهويد ومصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لا خيار لها إلا المواصلة والاستمرار والعمل على أن تنطلق بمستوى الزّخم الجماهيري للضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 48 كما جرى في حيفا قبل أيام.
إن مسيرات العودة هي محطة من محطات النضال الفلسطيني المتواصل على مدار السنوات الماضية، وهي امتداد لحالة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها فرصة لإحياء الروح العربية تجاه قضيته الأمّ قضية فلسطين، بعد تراجعها نتيجة الصراعات العربية_ العربية.
حتى وإن تحقّقت بعض النتائج في المستقبل القريب ككسر الحصار عن قطاع غزّة، إلا أن المواصلة هي حاجة ملحّة كبرى، وتعزيز لمرحلة نضالية تكون قادرة على إسقاط كافة مشاريع التصفية، وإرهاق الكيان الصهيوني وتكليفه ثمن احتلال أراضينا، ما سيدفعه للتراجع كما فعل في لبنان 2000 وفي غزّة 2005.