نصرُ الله المنتصِر
ناصر قنديل
– بدا السيدُ حسن نصر الله في كلمته كمَن يطوي صفحةً من التأريخ ليفتحَ صفحةً جديدة. فهو يضعُ النقاطَ على حروف الحكومة اللبنانية والتفاصيل الأمنية والسياسية كمنهج عادل ومُنصِف مع الذين هزمهم على قاعدة مواصلة العيش معاً، شرط ألا يأكل الفاجر مال التاجر، وألا يُملي المهزوم على المنتصر شروطاً يترفّع المنتصر عن إملائها، ويؤدّي التزامه نحو العراق ومقاوميه بعرفان وإكبار وتقدير واستعداد للشراكة في قرار الردّ على المعتدي، ويتلفّت صوبَ اليمن فيعلن خجل الكبار وتواضع العظماء، بنداء «يا ليتنا كُنَّا معكم»، فذلك فخر كبير وشرف عظيم.
أما في سورية فالنصر الذي بذلت لأجله التضحيات الجسام بات في مطال اليد وأن تنتزعه ألاعيب الحديث عن تسويات وانسحابات، فحيث يكون الجيش السوري نكون، ولو لم نكن.
– يستعدّ السيد لصفحة جديدة يتفرّغ فيها لفلسطين، فتلك معركته التي لأجلها يقبل التنازلات في لبنان، ويخوض الحرب في سورية، وتفتح على المقاومة لحسابها حرب اليمن، وتجري محاولات العبث بالعراق وتوازناته، ويجري تضييق الخناق على إيران، وحرب فلسطين مقبلة لا ريب فيها، في حساب السيد، والأميركي الذي يُدير محركات صفقة القرن بسرعة يعبّر عن حقيقتين حاول جهده لتجاهلهما: الأولى أنّ الحروب الجانبية لتضييع القضية الفلسطينية، وتكسير حلف المقاومة، فاشلة ومحكوم عليها بالمزيد من الفشل، وبالتالي فعلى الأميركي أن يخوضَ الحربَ مباشرةً وتحت عنوانها الكبير، فلسطين.
أما الحقيقة الثانية، فهي أنّ حلفاءه الذين نجح لحين بتنصيبهم وكلاء على القضية الفلسطينية لا يستطيعون أن يكونوا معه ومع فلسطين، ولأنه بحاجة لهم معه ومع كيان الاحتلال فقد آن الأوان لينسحبوا من جبهة فلسطين التي تمركزوا فيها لتخريبها وتشويهها والتحكم بمساراتها، وبات انحيازهم القادم علناً وبصورة لا لبس فيها إلى جانب كيان الاحتلال بداية مرحلة الصراع النقي والنظيف حول مستقبل فلسطين، حيث على الجميع حسم خياراتهم، أن يكونوا معها أَوْ مع كيان الاحتلال. ولا يهمّ العدد هنا فهو مجرد أرقام، لا عدد الدول، ولا عدد القيادات، ولا كمّ المال، ولا السلاح. المهم هو زمن الفرز المقبل حول فلسطين.
– يثق السيد أنّ إيران أقوى من الأعاصير التي يعدّونها لها، وأنّ العراق وسورية واليمن والكثير من الشعوب والقوى ستكون جزءاً من جبهة فلسطين، وأنّ العالم وليس المنطقة فقط، على موعد مع هذا الانقسام بين جبهتي فلسطين وكيان الاحتلال، وأنّ المقاومة التي تتصدّر جبهة فلسطين تستعدّ للتفرّغ لهذا الاستحقاق. وأنّ هذه الحرب المقدّسة التي نذرت المقاومة لها نفسها ووجودها ودماء قادتها وشهدائها، ستعيد صياغة معادلات العالم والمنطقة، قياساً بما فعلته بعض فصول هذه الحرب في الطريق إليها، من التحرير في العام 2000 إلى النصر في تموز 2006، والحروب في سورية واليمن والعراق، وقد استولدت كلّ منها معادلات إقليمية ودولية جديدة، فكيف بأمّ الحروب وأصلها وأساسها عندما تصير وجهاً لوجه بين المتحاربين، الذين سيتقابلون بلا حواجز، كُلٌّ بعنوانه الصريح، وحيث لا مجال للتسويات، فمنتصر مطلق ومهزوم مطلق.
وعندها لن تكون النتائج فلسطينية فقط، بل سيصل دويّها إلى كلّ مكان في العالم.
– ليست صفقة العصر ولا صفقة القرن هي، بل الخطوة الأولى نحو حرب العصر وحرب القرن، والمنتصر يُملي شروطه على المهزوم، والمقاومة على عهدها، ولّى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات.
– على موعد التأريخ مع نصرالله المنتصر.