الأزمة الخليجية… هل نقول: اللهم أدِمْها أزمة؟
صلاح السقلدي
خلالَ عقود من الزمن لم تنَلِ الشعوبُ العربية -في اليمن وخارج الجزيرة العربية- من الثروات الخليجية الهائلة فائدة تذكر إلا بالحدود الضيقة جداً، حين كان حكام الخليج على وفاق سياسي تام وعلى قلب حاكم خليجي واحد إلى قبل عشرين عاماً على الأقل… فالعراقُ تم غزوُه وتدميره بتوافق سياسي وبأموال خليجية…وكذلك في سورية منذ سبع سنوات اُرسلِتْ الأموال الخليجية إليها على شكل أسلحة وجماعات متطرفة وإعلام محرّض وشراء مواقف دول عظمى لتدمير دولة عربية بتوافق وتنسيق خليجي تام لإسقاط سورية الدولة كلها وليس فقط لإسقاط النظام الحاكم وتركها” سورية” فريسة لتلك الجماعات المستذئبة كما حدث في ليبيا، ومرتعاً للشركات الاستعمارية النفطية والفكر الطائفي المدمّر كما حدث للدولة والثروات العراقية، قبل أن يفترق هؤلاء (الخليجيون) على إثر أزمتهم السياسية المحتدمة وتخف بالتالي سطوتهم في سورية وقبل ذلك في العراق حيث قال حمد بن جاسم، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق عن اجتماع عقده قبل سنوات مع الملك السعوديّ السابق عبدالله بن عبدالعزيز (تباحثنا حول سوريا حيث تمّ تكليف الدوحة بالإمساك بالملف السوري بتفويض سعوديّ)، مشبهاً سورية بـ “الفريسة والصيدة” التي “تهاوش” عليها كُلٌّ من السعوديّة وقطر خلال بداية الأزمة، مبيناُ أن لديه أدلة حول كُلّ ما ذكره، قائلاً: (تهاوشنا على الفريسة (سورية) التي ضاعت منا أثناء تهاوشنا عليها).
فحين اختلف هؤلاء بما عُــرف بالأزمة الخليجية رفعوا أيديهم عن سوريا إلى حَـدٍّ لا بأس به، فالسعوديّة صرفت نظر عن دعمها للجماعات المتطرفة والمعارضة الموالية لها، وكذلك فعلت قطر إلى حد كبير بتقليص دعمها لركائزها هناك وتغيير خطابها تجاه الأوضاع في سورية وباتت أَكْثَـر واقعيةً واعتدالاً حيال بعد أن أمعنت بالسنوات الماضية بدعم الجماعات المتطرفة دعماً مالياً وسياسياً وإعلامياً بشكل مريع. فحين نتحدث عن تغيير سعوديّ قطري تجاه الأوضاع في سورية وتجاه دعم الجماعات المتطرفة هناك فنحن نتحدث عن تغيير اضطراري للمواقف الخليجية وليس عن قناعة ولا عودة لجادة الحق بل انحناءة لعواصف الأزمة الخليجية العاتية، فالسعوديّة التي تتهم قطر بدعم الإرهاب تحاول أن تتنصل من التهمة ذاتها التي علقت بها بسبب موقفها في سوريا ولهذا عمدت إلى ذلك التغيير الإجباري، وكذلك فعلت قطر- إلى حد كبير- لذات السبب وبذات الطريقة.
وفي العراق الذي ضُــخِتْ الأموال الخليجية إليه من أجل دخوله في حرب مدمرة مع إيران منذ بداية الثمانينيات، وقُــطعت هذه الأموال فور انتهاء الحرب، بل واُستخدمت فيما بعد بوجه العراق شعباً وحُكماَ على شكل حرب اقتصادية ومالية من خلال المطالب والضغوط على بغداد بدفع الديون المستحقة عليها للخزانة الخليجية المتخمة واغراق السوق العالمية بالنفط لتركيع العراق وإذلاله بعد أن بات دولة مهابة وقوية بالمنطقة أفضت تلك الأساليب والضغوطات إلى غزوه للكويت عام 90م… وعلى خلفية هذا الغزو” الاستدراج” تم استدعاء الجيوش الغربية -والأمريكية بالذات- لغزو بغداد وليس فقط لتحرير الكويت وبأموال خليجية من أول طلقة أمريكية حتى أخر برميل نفط عراقي…. وحين نشبتْ مؤخراً الأزمة الخليجية تنفّس العراق الصعداء بعد أن باتت هذه الدول الخليجية تتقرب منه وتوظف مواقفه السياسية ضد بعضها بعض وبالأموال الخليجية ترسل إلى هناك بين الفينة والآخر تحت مسميات ومناسبات مختلفة، وترفع يدها بعض الشيء عن شؤونه الداخلية، وتنفتح على كُلّ قواه وتخفف من خطابها المشحون بالطائفية والضغينة بعكس ما كان قبل الأزمة الخليجية من مواقف مضرة.
في اليمن وخلال عقود من الزمن ضَـــخَ إليه جيرانه أموالاً طائلة، ليس لغرض تنميته أَوْ بناء دولته بل لغرض كسب ولاءات سياسية بالداخل وشراء ذمم قوى سياسية وحزبية وشخصيات قبَــلية ودينية وعسكرية لغرض الوقيعة بين هذه القوى، والتحكم بالقرار والإرَادَة اليمينة ووضع اليمن تحت السيطرة كيلا يغدو دولة قوية، خصوصاً وهو يمتلك كُلّ أسباب ومقومات التحول إلى دولة ذات حضور إقليم فاعل على غرار قوة وهيبة العراق حتى الغزو الأمريكي عام 2003م. فالسعوديّة التي أرسلت ملياراتها إلى صنعاء كانت مطمئنة أن ريالا سعوديّا واحد لن يذهب إلى خزانة الدولة أَوْ للتنمية أَوْ يصرف لمجال التعلم ومكافحة الفقر والأمية أَوْ لبناء أمن وجيش ومؤسسات دولة نظامية. وحين نشبت أزمة السعوديّة مع قطر بعد أن تم طرد هذه الأخيرة من المشاركة بالحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015م تحولت قطر إلى رقيب عن الأوضاع في اليمن وطفقت تسلط الأضواء على أخطاء وانتهاكات الرياض وأبو ظبي في اليمن وكذلك تفعل السعوديّة والإمارات في رصد تدخلات قطر السلبية في اليمن.
في ليبيا حين كان الموقف الرسمي الخليجي ما زال موحداً إلى حدٍّ ما قياساً بما حصل له بعد ذلك، تخندقت تلك الأنظمة بأموالها الطائلة القطرية والإمارتية والسعوديّة بخندق واحد ليس فقط لإسقاط نظام معمر القذافي أَيـْـضاً بل لإسقاط الدولة الليبية برمتها، كنسخة مطابقة لما جرى في عراق صدام حسين. وحين اختلفت هذه الأنظمة مؤخراً صار كُلّ طرف يرصد عبث الآخر وتعدياته هناك، وينشر غسيل الآخر على رؤوس الأشهاد، مما شكل نوع من التنفيس على الشعب الليبي وساعده بتبصير قواه من أطماع الآخرين وفي مقدمتهم العرب قبل الغرب وشركاته النفطية.
آخر نعمة شملت العرب من هذه الأزمة الخليجي كانت من نصيب الأردن قبل أسابيع، حين تعهدتْ كُلٌّ من السعوديّة والإمارات والكويت بقمّــة مكة المكرمة برفد خزانته -الخاوية- بأَكْثَـر من ملياري دولار-ليس لوجه الله طبعاً- بل لخطب وِدِّه واستمالة موقفه السياسي نحو صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية ولإبعاده عن النفوذ التركي القطري، قبل أن تسارع قطر بدورها بتقديم مبلغ موازٍ لمبلغ قمة مكة المكرمة ليس رغبة لإقالة العثرة المالية الأردنية أَيـْـضاً بل منافسة ونكاية بخصميها: الرياض وأبو ظبي.
إذن هل نقول: اللهم أدمها “أزمة” خليجية على الشعوب العربية؟.