شَهادةُ المجد
الحمزة أبونُمي
إذا ما ارتسم الإباءُ والعزُّ كانت بصماتُ الشهادةِ هي آخر أثرٍ يظهر على ذلك النقش..
نقش المجد والكبرياء..
ليُسمعنا زمجرةَ أسودٍ قلَّ نظيرُها..
فتَندمِجُ كل هذه المعطيات للشهداء مُنحنيةً أمام مجد شهداء وطني.. أمام شهداء اليمن.
هم الذين قدموا نموذج الخُلود بما لم يقدمه أحدٌ في ساحات المعارك تحت قصف عتاولة زمان الظلم والتكبر، دولٌ تكالبتْ لتتزينَ بنسيجِ كبرياء إبليس، وبقايا ظلم فرعون ونمرود.
نهاية زمان زغرداتٌ الغانجات حين تحتفل بكأس موت الأبرياء وهي متلثمةً بأشمغةِ أمراء الخليج كاشفةً عن مسوخ زماننا ونسخة الفجور القديم وعهد الجاهلية وسرور فتياتِ ونساء شعبٍ لم يعرفنَ من الدين إلا اسم مكة ومدينة للتباهي بهما فرحاتٍ بقوانين جعلتهم أُلعُوبَةَ فكرة الترف صناعةً أمريكية ونماذجَ بريطانية، زعمًا أن مجد النساء في سيارةٍ تُساقُ أو تصفيقٍ لطرب مُغني، حتى سرى المرض برجالهم أو كانت العدوى منهم فاستبدلوا كنوز آخرتهم بحطام دنياهم، معلنين الخضوع لقردةٍ وخنازيرَ قد خُسفَ بأرواحهم قبل أجسادهم، فلم ينالوا سوى الأسوة السيئة والناس على دينِ ملوكهم كما روى عن المصطفى صلى الله عليه وآله.
عار على تأريخ قد بات يُكتبُ على شواهد أضرحةِ الشهداء، ويسطَرُ على الجدران والأرصفة والمباني قبل الكتب ومقالات الشبكة العنكبوتية وأوراق الصحف!
هنا صار للمجد شهيدٌ يعرفُ به وشهادةٌ ينطقها نظم كماله، ولكم تجلى يا عفيفات يا سيدات يا ملكات اليمن نعم لكم المجدُ وعنكم تحرى وأنعم به من متحرى وباحثٍ عن مكان شموخه وبذرةِ طلوعهِ وأرض كماله ونسخة ابتدائه بعد أن عاث الفساد لانتهائه وسولت النفوس بإخفائه، وسعتْ الملوك في اضمحلاله.
فلكل أم شهيد! وفاقدة والد! وصابرة على فراق زوج! كدحتْ في حياتها لتبنى له بستانًا يطأه بقدم النصرِ بعد ساعات التنبه واليقظة لإيقاف عدوان نسل المسوخ وأتباعهم وهم لهم أشباههم لمكان السنخية التي جعلتهم كيانًا واحدًا.
لكِ شهادة المجدُ يا سيدات العالم وحاضنات أبطال اليمن لك صاح بعزٍ وكمال وفرحة وإجلال وعزة..
قالها وهو الذي قصد بلدان العرب والعجم فتوقف في كل زاوية وأستقصى كل عَبرة وعِبرة فرأى فرحًا وانكسار، بكاءًا وضحكات وعايشَ ألم الثكلى وتفقد الجرحى ثم حنى على الأطفال ومسح رؤوس اليتامى..
ليقف شاهدًا بل ليقف مشهودًا عليه – كيف يعطي كل ذي حقٍ حقه – هنا صار المجدُ متذوقًا لطعم الانبهار، مذهولاً من لون الانتصار، متى ما مد يده لشهيد طرقت مسامعه أصوات لا هي بكاء ولا فرح؛ بل هي تهليلٌ يزكي النفوس فيجعل الحزن ماضٍ والفرح حاضر، كلما تقدمتْ لحظة الفرح صارت ذكرى حزنٍ، والأمل بالله مستقبل.
ثم يعود لما أراد فتقف يده لتمسح على يتيم ذلك الشهيد فربما نجحت وربما قطعتها غارة طيران الأعداء ليحتار بين الأم والشهيد والطفل وكلهم على ذلك شُهداء..
فأعلن المجدُ أن اليمن له منزلاً ومنارًا عاليًا ثم تقدم بفخرٍ مشيرًا ببنانه وكيانه على مَثلِه الأوضح ونوره الأزهر، رامزًا للذروة بالذروة وللكمال بكل الكمال، ليقول وهو لا يقول بل لها أثارٌ هي عنوان المقول: لستُ شاهدًا ولا مشهودًا عليّ بل أنا شهادةٌ خلقها ذو الجلال لأكون وسامًا لأهل اليمن، ليس الفخر لهم بمجاورتي إياهم، إنما الفخر لي أني خُلقتُ للُقياهم..
نعم المجد فخره أنه في اليمن.. له شهادة وشهيد..