(500 / 1.000) ريال الجديدة.. تدمير العُملة اليمنية
الحمزة أبو نُمي
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الأُمِّي الكريم المسمى في السماء أحمد وفي الأرض بأبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كنتُ منتظرًا دوري في صفِ المحاسب (الكاشير) في أحد السوبر ماركِتات بالعاصمة صنعاء، كان يَتقدمُنِي رجلٌ في الصف يَفصِلُ بيني وبين العم (فلان) كما كان يُنادِيهِ عُمال السوبر ماركت.
(العم فُلان) رجلٌ ناهز الخمسين من عمره كان يقفُ وبحوزته بعض السِلَعِ التي لا توجب تأخرهُ؛ ففاتورة حسابه لم تتجاوز ثلاثة آلاف ريال يمني قيمةً لخمسة أو أربع سِلعٍ شرائية فقط.
لست ممن ينظرُ إلى ما لدى غيره لكن العم فلان ـ متعه الله بعمره ـ دفع حسابه بأوراق نقدية من فئة خمسمائة ريال الجديدةُ، وكان يؤكدُ أنه لا يملك غير هذه الأوراق النقدية الجديدة، بدأ الكاشير بمعاتبته: “يا عم فلان مالك علينا!” ومع طول الجدال أضطرِ الكاشير لمناداة المدير وإخباره أنّ العم فلان لا يملك غير النقد الجديد!!
صرتُ ومن معي في الصف نرى حال العم فلان وهو يجادلُ الكاشير والمدير، مُظهرًا عدم امتلاكه غير العملة الجديدة، والمدير يؤكد أنه لا يستطيع أخذها فالتداول بها وبفئة الألف الجديدة ممنوع، وهما الورقتان النقديتان اللتان طبعتا بعد نقل البنك المركزي من “العاصمةِ صنعاء” إلى العاصمة الجنوبية ما قبل الوحدة اليمنية “عدن”!
هذا الاستياءُ الممزوجُ بالعاطفةِ من الجميعِ قطعهُ إخراج العم فلان من جيبه شدة (مئة ورقة نقدية) من فئة 500 ريال يمني تلك الخمسمائة الرسمية والتي عرفناها منذ سنين…
هل كان يمتحنهم العم فلان!
أو كان يريد الخلاص مما بقي في جيبه من العملة الجديدة؟
حكايتي لهذا الموقف ليست بسبب العم فلان ولطافته، بل بسبب الحوار الذي دار بين أبطال الموقف العم فلان الذي قال: “ما يشتوناش نشترى بالزلط الجديد!؟ من أين ندي زلط!!”.
فيجيبه الكاشير : “شحسبونا، نعم، مع العدوان!”
فيأتي المدير ويؤكد أن المسألة تخص الدول ووضع الحرب دون أي تعليق ولكن يرفض قبلوها بلباقة.
وقد تم المشهد كما مرَّ معكم وإخراجِ العم فلان ما أخفى جيبُ معطفهِ!!
أسطرٌ ربما تعرضُ شيئًا من واقع مشكلة العملة الجديدة، ولنبدأ بتفاصيل المشكلة:
- عاطفة المواطنِ وجَهله بالخِدعة!
مع تفاوت الفهم والأفكار هناك من يبحث أي قضيةٍ من القضايا ويناقشها بلا إدراك لعواقبها.
وكل همه: لابد أن أتحدث! وكأن الله فرض عليه ذلك! فلا يهمه كيف ولما ولماذا يتحدث!
المسألةُ الاقتصادية مرتبطةٌ بحياة كل فردٍ (أكل، ملابس، كهرباء، بترول، قات، إيجارات…) هي المعيشة بشكل عام (لي ولأسرتي) فتبدأ العواطف تحكُم الموقفَ قبل العقل.
ردة الفعل طبيعية من أغلب المواطنين، لكن ليس من الطبيعي أن نتهاون في توضيح المؤامرة الخطيرة التي لا يعلم المواطن البسيط: كيف صنعت؟ ولما صنعت؟ ولعله ينظر لهدفها القريب فقط دون تريثٍ منه لفهم حقيقة الخدعة أو كما يعتقد أنها “خدمة” من دول التحالف؟!
- ولنتمكن من فهم المؤامرة لَزِمَ علينا أن نجيب على أربعة أسئلة:
١. على أي أساس تُطبعُ العملة الورقية!؟
٢. هل للدولة أنْ تطبع كمية من الأموال تكفي الشعب!؟
٣. من المستفيد من طباعة العملة (المواطن أو الدولة)!
٤. ما هي الخدعة التي صُنعت بطباعة هذه العملة الجديدة!؟
■ في واقع الحال يتصور كثيرون أنّ العملة الورقية تُطبع على أساس كمية الذهب الموجودة في خزينة الدولة أو المودعة في البنوك، والبعض الآخر يعتقد أن هناك هيئة دولية هي التي تنظم الطباعة لكل دولة، وهكذا يُجاب عن السؤال الأول: على أي أساس تُطبع العملة!
والذي لا يعلمه كثيرون أنّه قبل بداية النصف الثاني من القرن الماضى، وقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية اجتمع الحلفاء عام ١٩٤٤م في ولاية نيوهَمشير New hanbshire الأمريكية بحضور ممثلين عن أربعة وأربعين (٤٤) دولة، لدراسة نظامٍ مالي عالمي يحل محل سابقه الذي أدى إلى اضطرابات خلال فترة الحرب العالمية.
وخرج المجتمعون بعدد من القرارات المهمة منها:
▪️ أن نظام تعويم سعر الصرف الذي ساد في الثلاثينيات القرن المنصرم مَثلَ عائقًا للتجارة والاستثمار وأسفر عن حالة من عدم الاستقرار.
▪️ أن نظام تقويم أسعار العملات بالذهب (معيار الذهب) والذي ربط العملات بصورة دائمة بالذهب هو نظامٌ صارمٌ جدًا.
▪️ تنظيم التعاون المالي والنقدي الدولي عن طريق مؤسسة دولية.
لن أخوض في التفاصيل، لكن وافق ممثلو الدول على جعل الدولار معيارًا لها لضبط قيمة عملتها.
في عام ١٩٧١م فُكَ الارتباط بين الدولار والذهب فبدأت مرحلة تعويم العُملة بمعنى أن قيمة العملة يمكن أن تزيد أو أن تنقص كل يوم عن اليوم السابق.
■ هنا تبدأ اللعبة الاقتصادية، فلكل دولة أن تَطبعَ ما تشاء من عملتها المحلية نظرًا لعدم ربط العملة بالذهب أو الدولار الأمريكي، لكن الذي يحافظ على قيمة العملة هو عدم طباعتها بكميات زائدة.
وهذا بخلاف ما نتمناه لحل مشكلة الفقر وطباعة ما نحتاج من عُملة بدون ضوابط، والتي يتوقع بعضهم أن سببها العَمالة وعدم توفر ميكانيكي وسباك وعُمال البلدية… إلخ من المواطنين، وسنحتاج إلى عمالةٍ خارجية كما هو حال دول الخليج مثلاً.
فهذا الجواب ليس عِلمي ولا دقيق، حتى دول الخليج الفارسي (الإمارات والسعودية) تعاني من الفقر.
والأمر واضح لنا، فالشعب اليمني كثير السفر لهذه الدول فهي دويلات ما قامت إلا بأموال التجار والأيدي والمفكرين اليمنيين فواقع حالها ظاهر يمكن كشفه بكل سهولة.
لكن الجواب العِلمي عن قدرة الدولة أو عدم قدرتها من طباعة كميات النقد التي تريدها، هو: “الهرب من وحش التضخم وتحديداً التضخم الجامح hyper inflation مستويات جنونية من تضخم قيمة النقد، ولذلك تُشرفُ البنوك المركزية على كمية المعروض النقدي”.
■ طباعة النقود من قبل البنك المركزي [وهو: مصرف تابع للدولة يدير شؤون العُملة المحليةُ] عَملِية فَنية مُعقدة اقتصاديًا.
فلكل وحدة نقدية مطبوعة (معدنية أو ورقية) كما هي عُملتنا الريال اليمني، ووحداته المطبوعة هي: (1.000/500/250/100/50/20/10/5) ريال.
وكل ورقة نقدية من كل فئة لابد أنْ يُقابلها رصيد، هذا الرصيد قد يكون:
- احتياطي النقد الأجنبي (دولار، يورو… إلخ).
- سبائك ذهب.
- سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها في المجتمع.
حتى تكون النقود المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق مطبوعة. ولذلك تحتفظ البنوك المركزية بسندات (ديون) وغيرها من الأمور التي تشكل غطاء لأي إصدار عملات، والدول بشكل عام لا تلتزم بهذا الغطاء بل تتعداه بشكل كبير..
ويبقى ما يحفظ للعملة قيمتها القانونية هو هيبة الدولة وَقوتها في الاقتصاد والعالم من خلال الترسانة عسكرية…
وفي الدول النامية متى ما تم طباعة أموال أكثر بكثير من الرصيد المرصود للعُملة المطبوعة، يكون السبب عادةً؛ أنّ ميزانية الدولة بحالة عجز (أي: مصاريفها أكثر من إيراداتها) وهذا هو الحل الأسهل والأخطر للعجز أو ما يعرف بالتمويل بالعجز، أو طباعة أموال بقيمة العجز وضخها في الاقتصاد، وهو الذي يؤدي إلى التضخم.
من هنا تحدد الدولة كم تطبع من عملتها بحيث تحافظ على قيمة أو القوة الشرائية أو سعر صرف معين ولا تطبع أكثر ولا أقل منه، وربما يستثنى من ذلك طباعة أموال جديدة تدخل مكان العملات التالفة فهذه لا أثر تضخمي لها طالما كانت بنفس المقدار تماماً، مثلاً: كل سنة لو تَلِفَتْ أوراق نقدية بقيمة مليار فإن الدولة تطبع عملات بقيمة مليار مقابل ما تلف.
هذه العملية توضح لك كيف يمكن التلاعب بقيمة العملة في بلدٍ ما، فمثلاً:
لو فرض أنّ الدولة قامت بطباعة مائة مليار ريال يمني، وقررت أن قيمة كيلو الأرز 500 ريال يمني, وبعد عام قامت الدولة بطباعة مائة مليار ريال أخرى، دون توالف في العملة المطبوعة في العام المنصرم أو ضمانات تكفل زيادة قيمة العملة, هنا سيصبح قيمة كيلو الأرز 1,000 ريال يمني, وعلى ذلك قس باقي المنتجات.
وبهذا يمكن أن يبتلى المواطن فلو كان لدينا عامل بدخل يومي يعادل 2،500 ريال في العام الأول, وفي العام الثاني إذا ما أرتفع راتبه وصار 5.000 ريال فهو لا كاسب ولا خسران أما إذا ما بقي راتبه ذاته، فهو قد خسر نصف راتبه وسيدفع الفارق من جيبه.
وبفذلكة أخرى: إن 1.000ريال هي في الحقيقة بقيمة فعلية = 500 ريال، وكلما زادت طباعة العُملة أرتفعت القيمة، والسبب ليس غلاء السلعة المراد شرائها بل انخفاض قيمة عملة بلدك.
(التقريب المذكور ليس بالدقة ولكن لتتضح الفكرة).
■ حبكة الخدعة:
الأموال في هذا العصر لا تَحمل قِيمة في ذاتها كما كانت في السابق (ذهب/ فضة) إلا أن ثقة الناس وقبول العملة هو الذي يكسب العملة أهميتها.
فجميع النقود المطبوعة من أوراق أو معادن أو حتى تلك المتداولة عبر شبكة الإنترنت تعتمد قيمتها على ثقة الناس أولاً ثم على عرضها في الأسواق ثانيًا.
وكمثال: ولو جاء شخص يريد شراء أي سلعة منك بعملة دولة لا تعرفها فلن تقبل منه لعدم الثقة وعدم التداول، في المقابل لو قدم لك دولارًا فبالتأكيد هناك ثقة وتداول، وربما توجد ثقة لكن لا يوجد تداول كما في اليورو فلن تقبله لا لعدم الثقة لكن خوفًا من أن يبقى دون تدوير (يحنبك).
عندما قدمت حكومة المستقيل هادي ـ ولا أظنه إلا ضالاً ـ عندما قدمت العملة الجديدة لم تفعل كما تصنع باقي الدول، ولا أقل سيدتها السعودية فعندما تبدل الأخيرة العملة تبدل جميع الفئات من الريال حتى الخمس مائة، وإنما إعتمد (هادي/ ودول العدوان) العملة التي تشكل أزمة فعلِية للمواطن وللبلد وهي أعلى فئة متداولة في اليمن (500/ 1.000) والسبب ببساطة في كل ما ذُكر لكم آنفًا..
وهنا نطرح بعض التساؤلات:
- هل مدخولنا من الاحتياطي النقدي الأجنبي أرتفع حتى نقوم بطباعة عملة وطنية إضافية!؟
- هل لدينا تالف من النقد اليمني يحتاج إلى تعوض بطباعة جديدة؟!
- هل نقل البنك من العاصمة صنعاء إلى عدن يجعل ضمانات صنعاء كفيلة بطباعة المبلغ في عدن!؟
- ومن للواضح أن النقد الاجنبي بسبب الحرب غير متوفر، وأن الدولة قامت بصرف التوالف كرواتب للمواطنين فئة (١٠٠/٢٥٠)
أما الضمانان فليس بعيد أن تُقدّم مجموعة الدنبوع ضمانات بصورة سندات وديون لدول التحالف لتطبعَ العملة الجديدة.
وبالتالي عند انتهاء الحرب بدل أن تقوم دول التحالف بتعويض اليمن ستعوض اليمن هذه الدول بسبب هذه الضمانات وكمثال حي ما يحصل في جزيرة سقطرة وجزيرة ميون، والسكوت عن ذلك.
- أما الهدف الثاني هو صناعة تضخم داخل اليمن والعاصمة صنعاء بالتحديد.
وشاهد ذلك أن قيمة الريال مُقابل الدولار في عام ٢٠١٥م = ٢١٥﷼ لكل ١$ وارتفع تدريجيا حتى وصل في عام ٢٠١٨م الي ٤٨٧﷼ لكل ١$ وليست الحرب سببًا رئيسًا لذلك فهي كفيلة بانهيار العملة من أول عام للحرب.
فالعملة اليمنية خسرت خلال ٣ سنوات من العدوان ما يقارب ١٢٥% من قيمتها وهذا معجز بذاته.
إن التضخم المصنوع ستكون أنت عزيزي المواطن سببًا في تثبيته إذا ما أظهرت عنصر (الثقة) في العملة الجديدة وأثبته بـ (التداول) بها.
وهناك فرصة لإيقاف هذا التضخم الذي بلغ حتى الآن ٣٨% فقط خلال ٤٠ شهر الماضية منذ بداية الحرب.
في حقيقة الأمر المسألة أعمق..
فالضمانات والتضخم الحاصل يستمر على حكومات اليمن المستقبلية، وهذا التضخم سنعاني منه لأجال وسنوات كثيرة مقبلة خصوصًا بعد هذه الحرب على وطننا الغالي اليمن، ما نتعرض له من نقص في السيولة بسبب الحرب لا يعالج بعدوان أغشم مما نحن فيه، فالعدوان بالحرب الاقتصادية سيستمر لما بعد انتهاء الحرب هنا يجب أن تكون للمواطن يده في دعم اللجان والدولة بمحاربة أي فساد ومحاولة تهريب للعملة وإتلاف، وقد يساعد ذلك في ضبط الاضطراب الحاصل في قيمة العملة، والأهم عدم قبول عملة مجموعة الدنبوع ومحاربة كل من يسعى في تسويقها وجعل لها ثقة وتداول في السوق اليمنية.
إن حل مشكلة الوطن الآن ومشاكله في المستقبل كذلك، هي التي دفعتنا لمحاربة صناعات السياسة الأمريكية والبريطانية ومنتجها الجديد (#السعو_دمار_اتي) فلن نكون لغرض كسب مبلغ بسيط ليوم سببًا لدمار الغد وأجياله.