الأوهام في الحُدَيْدة ودرعا
ناصر قنديل
– خلال شهرَين بنى حلفاءُ واشنطن في تل أبيب والرياض وأبو ظبي أوهاماً على مسار بديل للتسويات التي تعترف بنصر سورية واليمن، وسارت معهم واشنطن في الوهم. وجرى الإعداد لخطط المواجهة في جنوب سورية والساحل الغربي لليمن، وحشدت الإمكانات بكلّ أنواعها، وهيّأت المنصات السياسية لخوض المعركة.
والرهانُ هو نصرٌ جزئي في الحُدَيْدة يُضعِفُ مكانةَ أنصار الله ويُشعِرُهم بالخطر، وصمود للمسلحين في جنوب سورية بوجه تقدّم الجيش السوري مع إعلان فشل التسوية، فيرتفع سقف التفاوض في كليهما، ويمكن الرهانُ على تحقيق مكاسبَ، تفخّخ الحلّ السياسي في البلدين.
– عملياً فشل الرهانُ العسكري على تحقيق أيّ إنجاز، رغم التسويق الإعلامي للاحتمال المعاكس.
والأمل بأنّ تلاقي الوقائع التالية الأخبار السابقة، ويحدث الإنجاز، لكن الأمل والرهان حصدا الخيبة. ففي الحُدَيْدة فشل ذريع بإحداث أيّ اختراق. وفي درعا انهيارات بالجملة للجماعات المسلحة، وتقدّم سريع للجيش السوري، والرهان مجدّداً على الخيار العسكري يبدو نوعاً من الخبل السياسي، لم يعُد أصحابه يجرؤون على التفكير بالعودة إليه، بل صار همّهم الانخراط السريع في صيغ لتسويات مموّهة تتيح التحدّث عن نصر من نوع آخر.
– في الحُدَيْدة أعلن قادة الهجوم الإماراتيون عن وقف العمل العسكري. وفي جنوب سورية يواصل الجيش السوري تقدّمه وانتصاراته المتدحرجة وتتساقط أمامه مواقع المسلحين بالانهزام أَوْ بالاستسلام. فيدور السعي بحثاً عن تسوية في سورية عنوانها خروج إيران مقابل نصر سورية.
وفي الحُدَيْدة عن إشراف أُمَـمي على الميناء يضيع فيه المنتصر من المهزوم. وفي الحالتين الهدف هو تفادي المزيد من الهزائم التي سيجلبها العناد على الخيار العسكري، بتمويه الهزيمة السياسية وجعلها موضع اجتهاد بتغليفها بعناوين قابلة للتأويل.
– في الحُدَيْدة ودرعا ما يهمّ محور المقاومة هو الجواب عن سؤال: السيادة لمَن؟ وليس البحث عن تفاصيل يجري إخفاء الهزيمة خلفها.
فالسيادة على الحُدَيْدة ستبقى بيد حُماتها، وسيكون البحث بالإشراف الأُمَـمي الرقابي، وليس التنازل السيادي هو المطروح على الإطلاق.
وفي درعا والجنوب السوري ستكون السيادة كاملة للجيش السوري، وليس مقبولاً أيّ تنازل عنها لا للجماعات المسلحة ولو جزئياً، ولا لتشريع أيّ وجود أميركي في قاعدة التنف أَوْ سواها، أَوْ صورة غامضة للوضع على الحدود مع الأردن أَوْ العراق أَوْ حدود الجولان المحتلّ.
– منذ شهور وأنصار الله يدعون الأُمَـم المتحدة لدور رقابي في ميناء الحُدَيْدة شرطه فك الحصار وتأمين تشغيل الميناء، والرفض إماراتي سعوديّ غربي. ومنذ شهور تعرض موسكو تسوية في الجنوب يخرج فيها كلّ سلاح غير سلاح الجيش السوري من جنوب سورية، والرفض أميركي إسرائيلي تترجمه الجماعات المسلحة.
– عندما يصير القبول بفك الحصار عن اليمن بحرياً مقابل رقابة أُمَـمية على ميناء الحُدَيْدة، والقبول ببسط سيادة الجيش السوري في الجنوب كله، وفي المقابل يتباهى حلفاء واشنطن بأنهم حقّـقوا نصراً في اليمن أَوْ في سورية، فهم يبحثون عن نصر وهمي يعلمون أنه لن يغيّر حقيقة وجود منتصر ومهزوم في هذه الحرب.
وهم يعلمون أيضاً أنّ الحرب في اليمن لم تكن يوماً تحت عنوان مداخيل ميناء الحُدَيْدة، بل حول وجود أنصار الله، خصوصاً على البحر الأحمر، ولا الحرب في سورية كانت تحت عنوان خطوط وجود المستشارين الإيرانيين أَوْ حزب الله، بل حول وجود وقُـوَّة الجيش السوري وإمساكه بالجغرافيا السورية من الحدود إلى الحدود.