تراتيلُ الخلود
د. فاطمة مقيت
لا يكادُ يغمضُ عينيه حتى يفتحَهما من شِدَّةِ الفرحة لما ينتظرُه في الغد القريب، فرحةٌ ملكت عليه كُـلّ جوانحه، يكاد يطيرُ لها خافقُه، الليلُ يبدو طويلاً، أطولَ من غيره من الليالي لشدة لهفته لطلوع الصبح إلى حيث سينطلقُ في رحلة المشتاق إلى رياض الخالدين.
لم يكد يسمع أذان الفجر حتى هَبَّ مسرعاً إلى الصلاة ومناجاة ربه والتبتل بين يديه، وما إن أكمل صلاتَه حتى بدأ يتهيّأُ للخروج مع زملائه الطلاب الذين لا يقلون عنه شوقاً ولهفة للخروج إلى رحلتهم التي كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر، ودع والدتَه ومضى إلى مكان تجمُّع الطلاب لركوب الحافلة التي ستقلّهم، تجمّع الصغار مع أساتذتهم وتسابقوا لركوب الحافلة، ركب الجميع وتحَـرّكت إلى حيث وجهتها، وخلالَ مدة ليست بالطويلة توقفت الحافلة على مشارفِ إحدى رياض الشهداء، كانوا يتسابقون في النزول منها والذهاب لزيارة الشهداء، لكنهم توقفوا قليلاً لقراءة زيارة الشهداء وقراءة القُـرْآن على أرواح من رحلوا لينعم الوطن بالحرية والسلام.
مضى الصغير مسرعاً لزيارة قبر والده الذي ارتقى شهيداً وهو يدافعُ عن الأرض والعرض، وقف يناجيه ويبثه شوقَه وآلامَه وآمالَه، مضى الوقتُ سريعاً وتنادوا للرحيل ومواصلةِ الرحلة إلى المحطة الثانية، كان الصغيرُ لا ينفكُّ يقرأُ آياتٍ من القُـرْآن ويدعو لوالده الذي ودّعه قبل لحظات، ويترنمُ بأناشيد الشهداء، فبينما هو كذلك حتى توقفت الحافلةُ لأخذ بعض حاجاتهم من السوق لكن فجأةً آتت قنبلةُ الحقد الغادرة لتخطفَ روحَه فتعرج مسرعةً لتعانق روحَ والده، ليرتِّلا معاً تراتيلَ الخلود.