أجرته قبل استشهاده بأيام.. صحيفة المسيرة تعيد نشر الحوار مع البطل أبو قاصف: بطل موقعة الحجارة.. الوصية الأخيرة
قبيل استشهاده بأيام، أجرت صحيفةُ المسيرة حواراً صحفياً مع الشهيد الملازم عيسى العكدة (أبو قاصف) الذي عُرِفَ بـ “بطل موقعة الحجارة”.. تلك المعركة التي تغلب فيها على قرابة 20 مرتزِقاً من عناصر داعش في البيضاء عندما قاومهم وأرعبهم بالحجارة بعدما نفدت ذخيرته.
ما بين تلك الموقعة واستشهاده كان البطلُ الشهيد أبو قاصف يتلقى العلاجَ من جروحٍ أصيب بها في تلك المعركة وخلال الفترة ذاتها منحه الرئيسُ مهدي المشّاط وسامَ الشجاعة ورُقِّيَ إلى رُتبة ملازم، غير أن مظاهرَ التكريم الدنيوية لم تجذبْه كثيراً، وهو ما لمسته الصحيفةُ وهي تجري الحوارَ معه، فكلامُه المليء بالإيمان وقلبُه المرتبطُ بأرض الجهاد أنسى محاورَه أن يسألَه عن حصوله على ذلك الوِسام والتكريم الذي ناله.
كان الناسُ مشغولين بالحديث عن عيسى وبطولاته، وكان عيسى يفكِّرُ بلحظة الشفاء من جروحه ليعودَ إلى الجبهة، وبالفعل عاد إليها ويرجَّحُ أنه قد تعالى على كثيرٍ من آلامه ففترة العلاج كانت قصيرةً، إلا أن قلبَه كان يتطلع لما يغفلُ عنه الكثير.. وبعد أن تحوَّلَ إلى أيقونةٍ في البطولة والإيمان، كانت روح عيسى تهفو إلى وسامٍ آخر لا يمنحُه البشر، إنَّهُ وسامُ الشهادة الذي لم يتأخر هذه المرة عن البطل الذي أدّى رسالتَه الجهادية ومضى إلى رَبِّه.
وفي السطور التالية تعيدُ صحيفةَ المسيرة نشْرَ الحوارِ الذي أجرته الصحيفةُ مع صاحبِ الوِسَام العظيم قبل أيام من استشهاده:
حاوره/ صالح مصلح
– نرحّب اليوم بضيفنا الملازم المجاهد عيسى أبو قاصف، ونبدأ حوارَنا معه بتعريفنا عن نفسه، وسبب انطلاقه لمواجهة العدوان الغاشم؟
في البداية، نحمدُ الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى الذي وفّقنا للجِهَادِ في سبيله والذي يُعَدُّ من أَكْبَــرِ النِّعَــمِ على الإنْسَان أن يجاهدَ في سبيل الله تحت قيادةٍ حكيمة وعظيمة ممثلة بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.
أنا عيسى العكدة من وصاب محافظة ذمار، عندما شاهدت أن هناك عدواناً أجنبياً ظالماً على بلدي يقتل المدنيين ويدمّــر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ويرتكب أبشعَ المجازر، وشاهدتُ دموعَ النساء وصراخ الأطفال وأشلاءهم ممزقة لم أستطع أن أجلسَ في البيت، كان هناك شيءٌ يدفعني للتحَــرّك، فانطلقت مع الأخ أبو حمزة؛ دِفاعاً عن ديننا وأرضنا وعرضنا، ولله الحمد على توفيقه.
– هل شاركتَ في جبهات أُخْــرَى؟
نعم، شاركت في جبهة المخاء بتعز، وانتقلتُ بعدَها إلى المنطقة الرابعة بقيادة اللواء عبداللطيف المهدي، وأخذنا العديدَ من الدورات المتخصصة القتالية ودورات ثقافية كان لها أثرٌ كبيرٌ في نفسياتنا وأفادتنا خبرةً قتاليةً عالية، ثم انتقلت إلى جبهة قانية في البيضاء وجُرحت فيها قبل تسعة أشهر، وأصبحت أعرجَ إلى الآن؛ بسببِ تلك الإصابة، وبعد أخذ فترة علاج استمرت لتسعة أشهر، رجعت إلى الجبهة.
– يتساءَلُ الملايين ممن شاهدوا الملحمة البطولية التي سطّرتموها أنت وزميلك الشهيد في جبهة ناطع أثناء التحامكما مع عددٍ من المرتزِقة ورميهم بالحجارة، هل تعطونا تفاصيل تلك اللحظة؟
في الحقيقة نحن لم نكن نعلم لا أنا ولا زميلي أن الإعلامَ الحربي يوثّق، ولم أعلمْ إلا بعد حوالي ثلاثة أسابيع عندما تواصلوا بي وأخبروني بأن الإعلامَ الحربي وثّق المعركة.
وأغتنم الفرصةَ وعبرَ صحيفة “المسيرة” الحُرَّة الصادقة لأقول لكل مَن شاهد ما وثّقه الإعلام الحربي عن المعركة: “تلك المشاهدُ التي بُثَّت لم يكن الفضلُ فيها لنا، أَوْ لشجاعتنا أَوْ لقوتنا أبداً، كُــلّ الفضلُ كان لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى، الذي صَدَقَنا وعده، ثبّت أقدامَنا وأفرغ علينا صبراً وقذَفَ في قلوبهم الرعب”.
سأشرح لك المعركة منذ بدايتها منذ بدايتها مساء تلك الليلة، كنتُ أنا وزميلي الشهيد وائل أبو سيف الرازحي نرابط في مترسنا؛ لتأمين المنطقة واستمرينا طوالَ الليل نتبادل الحديثَ عن الجبهات والمجاهدين ونعمةِ الجِهَاد، وعيوننا تراقب تحَــرّكات العدوّ، وقد لاحظناه يحشُدُ مرتزِقته ومدرّعات، ثم نعودُ لنذكُرَ اللهَ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى وتأييده لعِباده المجاهدين، وعند بزوغ الفجر بدأ الزحفُ، وقام العدوّ يمشِّطُ التبابَ بالثلاثة والعشرين والسبعة وثلاثين والبي إم بي والهاونات والطيران حلّق ويضرب، واحنا جالسين بالمترس تحت التبَّة؛ لأنَّ العدوّ كان يركّز على رأس التبَّة.
كان مترسي أنا وزميلي الشهيد في الميمنة، وكان في المسيرة (المنطقة الذي جاء منها العدوّ) مترسٌ للمجاهدين ومعَهم “معدل” استشهدوا والعدوّ طلع من عندهم، وبينما كنا احنا منشغلين بمواجهة زحف العدوّ من جهة الميمنة، إلا وبنسمع العدوّ بيصيحوا سلّموا سلّموا من خلفنا جهة الميسرة، ونسمع الرصاص تضرب في مترسنا.
في تلك اللحظة كنا نسبِّحُ الله ونستغفره بصمت، وكل واحد يواجه من صليه، وفي الأخير قال لي الشهيد وائل أبو سيف هيا أبو قاصف خرجنا صوب الدواعش أعلى التبَّة.
وانطلقنا على طول باتجاههم، بندق زميلي الشهيد وائل أبو سيف كان ملصص، أعطيته بندقي وأنا أخذت آر بي جي وكان معي قنبلتين، وتوكلنا على الله، بدأنا بالاشتباك معهم أطلقت الآر بي جي، ورميت بالقنبلتين، هذا قبل المشهد الذي وثّقه الإعلام الحربي، وبعدين ما عاد معي ولا حاجة، وقد بين أشوف المرتزِق واقف أمامي، وما به معي إلا الحجارة، أخذت الحجارة وتوكلت على الله مع زميلي وكان لها أثر كبير جداً على نفسية العدوّ، وعندما يتحَــرّك المجاهد وعلم الله أن نيتَه خالصة لوجه الكريم، يقذف اللهُ الرعبَ في قلوب العدوّ وينصرك عليه، وهذا ما حصل رأيناه حقيقة في المشاهد التي وثقها الإعلام الحربي.
– هل تحدثنا عن شعورك فور استشهد زميلك وائل أبو سيف؟ وتفاصيل خروجك بعد استشهاده؟
حزنت لفراقه وفرحت لفوزه بالشهادة والحياة الأبدية، حزنت؛ لأنَّنا خسرنا مجاهداً مخلصاً لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى، وأصريت على الثأر له، فاتجهتُ نحو سلاحه الكلاشنكوف أخذته فوجدته تالفاً، وكان بالقُرب منه أحدُ المرتزِقة قتيلاً فاتجهتُ إليه وأخذت سلاحه الكلاشنكوف، وصوبته نحو المرتزِق الذي قتل زميلي وائل أبو سيف وقتلته، وفي تلك اللحظة أصبت بشظية في ظهري من قنبلة أطلقها عليَّ أحد المرتزِقة، والإصابة أثّرت على حركة جسدي ونظري ما عاد كنت أستطيع النظر إلى بعيد، اشوف قدامي وبس، وكانت تجيني “دوخة” وأسمع الرصاص حولي وبجانبي وأصوات المرتزِقة والدواعش وهم يصيحوا سلّم نفسك، سلّم، حينها قرّرت مواصلةَ المشي باتجاه المجاهدين، وكنت أعتقد أني سأنالُ الشهادةَ، من شِدَّةِ النيران التي شنها المرتزِقة عليَّ وتمشيطهم باتجاهي، ولولا فضل الله ورعايته لما تمكّنت من الخروج، ولم تصبني من تلك النيرانُ إلى طلقة واحدة في رِجلي اليُمنى، وعندما وصلتُ إلى عند مجاهدي الجيش واللجان عملوا لي الإسعافات الأولية وصدّروا بي إلى ذمار.
– كم المسافة التي قطعتها من تلك التبّة حتى وصلت إلى زملائك من أبطال الجيش واللجان الشعبية؟
مسافة كبيرة مشيتُ، كنت بين أحس الشظية وكأنها طلقة، يعني قول هكذا حق نصف ساعة جري خفيف.
– كم استمر المعركة؟
بدأت من الصباح وانتهت بحسب ما حدثني الأخ هاشم؛ لأنَّه كان مشاركاً فيها استمرت إلى بعد العشاء.
– كيف كانت علاقتك بزميلك الشهيد وائل أبو سيف الرازحي؟ وماذا كان يمثل لك؟
رغم الفترة البسيطة التي جمعتني به إلا أن أستطاع أن يؤثِّرَ في نفسي، وذلك من خلال الصفات الحميدة التي كان يتميز بها، مثل وفائه وشجاعته وإقدامه.
كانت علاقتي معه لا تختلفُ عن علاقة المجاهدين بعضهم ببعض، أشدّاء على الأعداء، رُحماء بينهم، تجد فيهم الإخاء الحقيقي، والفداءَ والتضحية والوفاء، ولعلَّ ما يوثّقه الإعلام الحربي عن الأخوّة والوفاء والتضحية في عدة مشاهدَ سواءً الذي دخل لإخراج زميله الجريح بين الرصاص في الجوف، أَوْ المشاهد التي بثّتها قناة المسيرة في جبهة ناطع.
– بعد استشهاد زميلك وخروجك من تلك التباب هل سيطر المرتزِقة عليها؟
الحديث لزميل عيسى: للعلم أن المرتزِقة الذين اقتحموا تلك التبّة ما خرجش منهم ولا واحد، فبعد خروج أبو قاصف، قمنا بشَنِّ هجومٍ على المرتزِقة الدواعش، وبفضل الله ومنه تمكّنا من السيطرة واستعادة التبَّة، واستشهد علينا واحد “أبو مسعد”، وهو ابن عم أبو قاصف.
– ما هي نصيحتك لمن لا زالوا قاعدين في البيوت، وهم يشاهدون الجرائم والمجازر التي يرتكبها العدوان بحق الأطفال والنساء؟
أنصحُهم كما قال السيد القائد عبدالملك الحوثي حفظه الله بأن ينفروا في سبيل الله خِفافاً وثِقالاً، ومواجهة العدوان، الذي ارتكب بحقِّ بلدنا وشعبنا أبشعَ المجازر وتجاوز كُــلَّ المحرمات، وفرض علينا حصاراً خانقاً، فمَن لم يمت بقنابله وصواريخه أراد أن يقتلَه جوعاً.
أنصحهم بأن لا ترتضوا؛ لأنَّفسهم القعودَ مع الخوالف من النساء.. هبُّوا إلى الجبهات لمواجهة العدوان والدفاع عن أرضهم وعرضهم، فالنصر قريبٌ بتحَــرّككم.
أَلَا ترون أعداءَ الأمة يتكالبون لطمسِ هذا الدين من الوجود؟، ألا تنطلقون لحماية دين الله والجِهَاد في سبيله وإعلاء كلمته ونُصرة المستضعفين؟!، وأذكركم بما قاله السيد القائد حفظه الله “إذا سِلِم لنا ديننا سِلِم لنا كُــلّ شيء، وإذا فرطنا في ديننا فرطنا في كُــلّ شيء”.
– ما هي الرسالة التي تود أن توجهها للمجاهدين المرابطين في الجبهات؟، وما هي رسالتك للعدوّ ومَن لا زالوا قاعدين في بيوتهم؟.
المجاهدين قدهم مجاهدين ما يزيد الواحد يقول لهم سوى أن نسألَ اللهَ أن يُعينَهم وأن يُسدِّدَ رَمْيَهم.
ورسالتي لهم هي أن يصبروا وأن يثبتوا في مواجهة قوى الظلم والعدوان الأمريكي السعودي وألا يتزحزحوا من أماكنهم، فالنصر حليفُ المؤمنين الصابرين.
ورسالتي للعدوّ بأنه مهما امتلك من إمْكَـانيات وأسلحة متطوّرة، لن يتمكّنَ من إركاع وإخضاع الشعب اليمني، وأننا سنستمر في مواجهته بكل الوسائل والطرق، حتى لو لم نمتلكْ إلا الحجارة.
وسالتي للقاعدين في البيوت هي ألا يرتضوا لأنفسهم القعودَ في البيوت مع النساء والخوالف، وأن ينطلقوا إلى الجبهات لمواجهة العدوّ، وألا ينتظروه حتى يصلَ إليهم ليستبيحَ أرضهم وينتهك أعراضهم، وأن يتعظوا ويعتبروا مما يحدُثُ في المحافظات الجنوبية اليوم والتي يدّعون بأنها باتت مناطقَ محرّرة.