البطل عيسى العكدة شهيدٌ في ميادين العشق .. بقلم/ محسن علي الجمال
“من أعظم ما تصاب به الأُمَّـة أن تفقد عظماؤها” وها نحن اليوم نفقد واحداً منهم بعد أن عقد صفقته المربحة من الله وأوفى بذلك وقطع على نفسه عهداً بأن يذودَ عن حِمى الدين وأعراض المستضعفين مهما كان الثمن غالياً.. وليس هناك ما هو أغلى من تقديم النفس والروح والدم إلا أن هذا كله في قاموس العظماء رخيصاً في سبيل الله؛ ولأنهم ممن يعون هذه المصطلحات جعلهم الله من خاصة أوليائه، فكل ميادين التضحية والجهاد والصبر والثبات شهدت بصولاتهم وجولاتهم وبطولاتهم وهم يقارعون قوى الشر والاستكبار وأذنابهم في مختلف الميادين ويلقنونهم دروساً قاسية ومريرة، يُعبِّدون بدمائهم الزكية طريقَ النصر ويرسمون منهاجَ الحرية والكرامة.
في الحقيقة لقد تفاجأت اليوم وأنا أطالع الأخبار والمستجدات باستشهاد فارس جبهة ناطع المجاهد البطل عيسى العكدة الذي سطّر بثباته وإيْمَـانه وثقته بالله في هذا المحور قبل بضعة أشهر خلت بطولات خارج المألوف والمعتاد لم تحصل في تأريخ الحروب وميادين النزال، تجلّى كُـلّ ذلك في مشاهدَ قلَّ نظيرُها وهو يتصدى بالحجارة لزحف نفّـذه العشرات من عناصر القاعدة وداعش التي تقاتل في صفوف تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ بذات الجبهة وأجبرهم على الفرار يجرون وراءهم أذيالَ الهزيمة النكراء ويحصدون الخيبة أمام آلة السلاح التي كانت بمثابة حِمَمٍ إلهية متشظية كان يقذفها من يديه باتجاه تلك المجاميع التي ولّت الأدبار.
الشهيد العكدة واحدٌ من سلسلة العظماء وممن سطّروا بثباتهم وإيْمَـانهم ووعيهم وثقتهم بالله وتجلت آياته فيهم، حيث سطّروا أروعَ الملاحم التي توصف بالمعجزة منذ بزوغ صدر الإسْــلَام وفجره الأول وحتى اليوم، في جندلتهم للطغاة والجبابرة والمستكبرين وقوى الشر والإجْــرَام.
بطلُ الحجارة جسّد حقيقة ومضامين المسيرة القرآنية ومشروعها العظيم في أبهى حللها ومعانيها قولا وفعلا وواحد ممن تشربت ثقافة القرآن إلى أعماق قلبه بل وترجم معنى استشعار المسؤولية الدينية والوطنية عملياً في مثل هذه الظروف الحرجة التي يعانيها منها شعبنا اليمني العظيم في ظل صلف العدوان وتماديه في ارتكاب المجازر المروعة بـحَـقِّ أبناء شعبنا اليمني للعام الرابع على التوالي.
وعلى خُطَى علَم الزمان رجل القول والفعل سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله وحرسه أثبت شهداؤنا العظماء للجميع بأن الإيْمَـانَ المحمدي الأصيل إذَا تمكّن من شغاف القلب يجعل المستحيل ممكناً فجسّدوا بإخلاصهم وبصدقهم ووفائهم إباءَ حمزة وشجاعة علي وإقدام جعفر وثبات وصبر الحسين وموقف زيد عليهم سلام الله وارتضوا بكل فخر وعزة وشموخ أن يكون هؤلاء قدوتهم وأعلامهم، مدركين أنهم مكامن سر الانتصار.
المواقفُ البطولية للشهيد العكدة تعد دروساً حقيقة للإيْمَـان والولاء ومعنى الانتساب للمسيرة القرآنية، إذ أنها ليست شعاراتٍ كما ينظر إليها المتسلقون وراكبو موجات التغيير، ولكنها قولٌ وفعلٌ، لها رجالُها وأبطالُها ممن قال تعالى فيهم “يحبهم ويحبونه”.
وقد شقّوا طريقَ الحرية والكرامة رافضين الذل والخنوع والاستكانة والذل لكل طواغيت الأرض معبّدين أنفسهم لله وحدَه.
قبل بضعة أشهر خلت تقلد العكدة وسام الشجاعة من الدرجة الأولى ومنح رتبة عسكريّة من قبل الرئيس مهدي المشّاط.. لكن كُـلّ ذلك لم يثنه عن مواصلة مشواره الجهادي بل ولم يجعل لها قيمةً لديه في أحاسيسه ووجدانه فلم يجلس ويقعد ويكتف بما قد صنعه وحقّـقه في الميدان إنما كان لديه طموح أَكْبَــر وظلت نفسه تواقة للحاق بركب القافلة العظيمة واستطاع اللحاق بها ويحوز أخيراً على الوسام الإلهي واستحقه بكل جدارة؛ لأنَّه حمل في جوانح قلبه ثقافةً هي بعيدة عنا نحن وهي: يا دنيا طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ لي فيك..
وبحق فإنَّ بطولته ومواقفه درسٌ وعبرة وعظة للاهثين وراء المناصب والساعين للاستحواذ على كراسي الدوار ومتاع الدنيا الزائلة، هو بموقفه يجسدُ لنا الأسوة والقدوة يجب على الجميع التأمل فيها بجد وصدق؛ لأنَّ من يحاول أن يجعل من الانتساب الشكلي للمسيرة مطية وسُلّماً للصعود وتحقيق مكاسبَ سياسيّة أَوْ مادية أَوْ دنيوية فلينتظر السقوط المدوي والشواهد الحية على ذلك كثيرة.
وفي ظل ما يعانيه بلدُنا من عدوان غاشم وهجمة إجْــرَامية واسعة وشاملة تكالب علينا فيها الشيطان وأتباعه من مختلف أصقاع المعمورة في حرب غير متكافئة وفي هذه الميادين لا تعتمد استراتيجية المعارك فيها على أفضل المهارات والتداريب والخبرات والفنون القتالية إنما يعتمد فيها على ميادين العشق وهو أقوى سلاح.
ونحن بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه النماذج الصادقة الوفية المخلصة التي ستظل رموز فخر ومجد ومنابر للحرية والكرامة على مر التأريخ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فسلامُ عليك يا رجلَ القول والفعل، وسلامٌ على الشهيد القائد ومشروعه العظيم الذي بنى رجالاً وأمةً وقيادةً لا تخشى في الله لومة لائم.
وسلامُ على كُـلّ شهدائنا الأبرار وقد أبلوا في الله بلاءً حسناً.
سلامُ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.