ترامب “يحمي” السعوديّة بالإهانات
المسيرة | ضرار الطيب
سيلُ الإهانات المتدفق من المنصات الخطابية العلنية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نحو النظام السعوديّ وملكه، خرج عن كونه “توجيهَ رسائلَ سياسيةٍ”، بحسب ما كان يخمن أَكْثَــر المحللين السياسيين تعصباً مع السعوديّة، وطمر أَيْضاً محاولات الأخيرة للتجاهل وآمالها في نهاية هذا الأمر المحرج الذي أصبح فضيحة، مسخرة، أَوْ أية لفظة أُخْــرَى تعني أن يتفرج الناس وهم يضحكون بشكل هستيري ويشيرون بأصابعهم نحو الرياض.
مجدّداً ظهر ترامب ليهينَ السعوديّة للمرة السادسة خلال نصف شهر (أي بمعدل إهانة لكل يوم ونصف) وإهانة هذه المرة جاءت خلال مقابلة مع شبكة “سي بي إس” الأمريكية نشرت مقاطع منها أمس السبت، وفيها قال ترامب بأنه سيفرض “عقوباتٍ قاسية” على السعوديّة ـ التي ما زالت تعتبر نفسها حتى الآن “حليفاً استراتيجياً” لواشنطن؛ رداً على مقتل الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في تركيا.
في الموضوع ذاته وفيما يحاول النظام السعوديّ أن يصدر للعالم رفضه التدخل بشؤونه الداخلية، كان ترامب يقول إنه اتصل للسعوديّين وأكّـد أن عليهم أن يوضحوا له ما جرى للصحفي خاشقجي.
لم تكن الإهانة وحسب في الإعلان عن عقوبات قاسية على الرياض التي تبذل كُــلّ ما بوسعها لخدمة الولايات المتحدة، بل كان الجزء الأَكْبَر منها في غض النظر عن صفقات أسلحة طلبتها السعوديّة من واشنطن، حيث قال ترامب إنه لا يستطيع إيقاف هذه الصفقة؛ لأنَّ “الصين وروسيا وكل العالم يريد بيع السلاح للسعوديّة”؛ وبالتالي لا يمكن تفويتُ هذا المكسب المادي الضخم، لكنه استدرك بعد ذلك قائلاً: “هناك طرق أُخْــرَى للعقوبات” وهو هنا يدرك أن فرضَه عقوباتٍ على السعوديّة لن يكون لدى الأخيرة وقف شراء السلاح الأمريكي.
هكذا إذن، يصر ترامب على مواصلة “حلب” أموال السعوديّة من خلال بيع السلاح الذي يعلم جيداً أنها تستخدمه في تدمير اليمن، لكنه يصر أَيْضاً على استحقارها وتوجيه عقوبات “قاسية” ضدها، منتصرا بذلك لمعاييره المثلى في الابتزاز المالي الذي لا يقيم حساباً لأية اعتبارات أُخْــرَى.. وأية اعتبارات سيقيمها لدولة لم تجرؤ حتى على المطالبة بالتوقف عن إهانتها؟
قبل ذلك كان ترامب قد وجّه خمس إهانات مشهودة للنظام السعوديّ وللملك سلمان شخصيا وتركّزت تلك الإهانات بشكل رئيسي حول “الدفع مقابل الحماية” مع تفصيلات زمنية حول احتمالية بقاء نظام السعوديّة وأنظمة الخليج في الحكم بدون الدعم الأمريكي، وبلغت تلك الاحتماليةُ في أقصى الحالات “أسبوعين” وفي أدناها “12 دقيقة”.
حاولت السعوديّة تجاهل تلك الإهانات، وحين تشجّع “بن سلمان” للرد عليها لم يستطع أن يقولَ أَكْثَــرَ من أنه يحب العمل مع ترامب ويتقبل “انتقاداته”، الأمر الذي أثبت أن ترامب يمضي في إهاناته وهو على ثقة كاملة بأن أَكْثَــرَ ردود الفعل العصبية من قبل الرياض ستكون أن ينطح بن سلمان الجدار.
لكن تداعيات تلك الإهانات إقليمياً ودولياً لم تنسجم مع التجاهل السعوديّ أبداً، وعلى العكس، انساقت وسائل الإعلام والجماهير العربية والعالمية مع خطابات ترامب وصار الجميع مشغولاً بحساب عدد الإهانات، وابتكار ما يناسب كُــلّ إهانة من تعليقات ساخرة، حتى أن البعض بدا متحمساً وهو يحسب عدد الولايات الامريكية التي زارها ترامب في جولته الانتخابية، وعدد الولايات المتبقية التي ستشهد كُــلٌّ منها خطاباً يتضمن إهانة للسعوديّة، أي أن الإجمالي سيكون في النهاية 51 إهانة.
هذا الزخمُ الواسع ألقى بظلاله على الوسط السعوديّ نفسه، حيث صرح “الخبير” السعوديّ المقرب من نظام الرياض، إبراهيم آل مرعي، على حسابه في تويتر بعد أن استعرض مقتطفات من إهانات ترامب: “هل إيران الهدف أم نحن؟”.
تصريحُ آل مرعي عبّر عن حالة الخضوع السعوديّ لابتزاز واهانات ترامب، وعجز الرياض عن تفسير تلك الإهانات أَوْ حتى التقليل منها فضلاً عن الرد عليها، بعد أن صارت تلك الإهاناتُ مقياساً لدى المراقبين والمتابعين لكل سياسات السعوديّة وتصرفاتها، فما إن تتحدث وسائل الإعلام السعوديّة عن أي شيء حتى تنهالَ عليها آلافُ الردود: “ادفعوا لترامب أولاً”.