“الشيخ هنس.. الكابتن شخبوط” .. بقلم/ علي المؤيد
كان من الصعب على أحدٍ أن يتخيلَ أن دولةً كجيبوتي تُقيمُ كُـلَّ عام في يومها الوطني احتفالاً رسمياً بعيد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي وعرضاً عسكريًّا تستعرض فيه وحدات رمزية من جنودها، إضَافَـةً إلى كتيبة أَوْ أَكْثَــر من القُــوَّات الفرنسية التي تشارك في العرض العسكريّ الجيبوتي الذي أقيم بمناسبة عيد الاستقلال عن فرنسا التي تتمركز في قاعدة عسكريّة على الأراضي الجيبوتية وتشارك بحماس وفاعلية في العرض العسكريّ البائس احتفالا بجلائها عن جيبوتي.. وهكذا دواليك.
دوامة كانت مضحكةً في حينها والآن أَصْبَــحت من موجعات القلب “الانتقالية” من الضفة الغربية لجنوب بحر القلزم إلى الضفة الشرقية الموبوءة بالغزاة وأدواتهم الذين يستميتون سنوياً في سبيل إضحاك جيبوتي والقرن الأفريقي والعالم بكله على بؤس الجشع في هذه المرحلة وجشع الخيبة الذي تجاوز الصوملة..
ولا أدري بأيِّ غباء مطوّر سوف يحتفل الأدواتُ وما هو الاستقلال من وجهة نظر الخاضعين خضوعا شاملا لأتفه المحتلّين القابعين في حضيض التأريخ منذ بدأ المحاربون الأوائل في شبه الجزيرة بتشذيب معنى الحرب بالفروسية التي اخترعوها بنُبل فريد.
ماذا ستقول فصول التأريخ عن تأريخ هذه الخطيئة التأريخية؟ ماذا سيقول الفن الشعبيّ وكيف ستصبح الأغنية الوطنية الشهيرة “برّع يا استعمار” في ظل حكم أولاد شخبوط المقيت؟!
أرض الأحرار لا تستحق سوى التضحيات لتطهيرها من دنس المحتلّين، هل يعرف أكتوبر الثورة ونوفمبر الجلاء أن نير المستعمر الغازي أَصْبَــح يطال كُـلّ شيء في الجنوب: الإنْسَــان والمنافذ والموانئ والأخاديد والجزر والاودية والحقول الزراعية وَالنفطية والمدن والهواء و…، كُـلّ شيء حتى شجر السيسبان الشائك (المسكيت)، كُـلّ شيء بات في العراء(باستثناء طائرات اليمنية التي باتت في جيبوتي وصار ينطبق عليها المثل الشعبيّ القائل: “وين ماغدّرت باتت” فالمطارات أَيـْـضاً صارت في عهدة الأعراب والعلوج) كُـلّ شيء بات في العراء يا لطفي جعفر أمان.. كُـلّ شيء بات في العراء يا ثوار يا شعراء يا مناضلون.. كُـلّ شيء بات في العراء يا أيها الرجل النحيل الذي يظهر بفوطته العدنية وسحنته المغمورة بملح الصبر وَنظرات الشموخ كما حكى ذلك الفيديو الشهير وقد أمسك به جنود بريطانيون في الشارع المنقسم إلى ضفتين هما الثورة والمستعمر.. اللحظة الراهنة تبوح بفخرها الشاهق ولسان حالها يقول ما أشرف الموقف وأنبل ذلك الرجل المجهول.
ومثل تغريبة يستمر الصدى بترديد لازمة تبدو مثل طعنة القبح في ضمير الوطن المخذول، كُـلّ شيء بات في العراء يا لبوزة، يا بنادق الثوار الكبار.. كُـلّ شيء بات في العراء يا ردفان، كُـلّ شيء بات في العراء والوطنيون/ الدمى صاروا متخمين ارتزاقاً بالخنوع وبالفساد وبالتحرّر البليد، الوطنيون الدمى يبنون التضخم والغلاء ويحجون إلى دُبَي والرياض بين عيد وآخر تعرفهم بالعقال المستعار وبالكروش التي صارت كبرميل الشريجة.
كُلُّ شيء بات في العراء، أعني عراء الذل والوصايات وَالإهانات التي لا تنتهي، كُـلّ شيء ما خلا تلك القلوب، قلوب الرافضين لكل هذا الاندثار وبالله التوفيق وَالأمل باقٍ والوقت واعدٌ على الدوام بالتغيير، ولا بد أن يُشعِلَ الأحرارُ في الجنوب مجدّداً شرارةً للانعتاق الحقيقي من المستعمر الأول ثم الذي يليه ولا عزاء للمتخاذلين.