هذا مستحيل يا تركي الدخيل! بقلم/ د. أحمد الصعدي
توعّد تركي الدخيل مديرُ قناة (العربية) أحدُ أهم الأذرع الدعائية لنظام العائلة السعوديّة – السلمانية بالرد على أمريكا إذَا نفّذ ترامب تهديداتِه بفرض عقوبات على المملكة في حال ثبت تورُّطُها بقتل جمال خاشقجي.. وتضمنت التهديداتُ المضادَّة التي توعَّد بها الإعلاميُّ السعوديّ التقارُبَ مع إيران وإقامة قاعدة عسكريّة روسية في تبوك.
لندع جانباً موضوع القاعدة العسكريّة الروسية؛ لأنَّ في هذا الحديث خفةَ عقل تعوّدنا عليها عند بعض الإعلاميين السعوديّين والخليجيين؛ ولأن إمكانية حكام السعوديّة لتنفيذِ هذا التهديدِ تساوي إمكانيتهم لإرسال قمر اصطناعي إلى المريخ.. أما تهديدُ الولايات المتحدة بالتقارب مع إيران فجديرٌ جداً بالملاحظة. فبذريعة محاربة المد الإيراني (الشيعي- الرافضي – المجوسي – الصفوي):
– تشن السعوديّة وحلفاؤها حربَ إبادة إجرامية على اليمن توشك أن تُكمِلَ عامَها الرابع وتزداد تعطشاً للدم اليمني لا سيما دم النساء والأطفال.
– يبذُلُ حكامُ المملكة الجهدَ والمالَ لخلق صراعات دموية في العراق وتحفيز النزعات المذهبية؛ لتمزيقِ وحدة الشعب والتراب العراقيين، وهذا ما تفعله في لبنان أيضاً.
– سخّرت جُهدَها المالي والإعلامي والمخابراتي والإرهابي؛ لتدمير سوريا لمدة سبع سنوات وما تزال تحاول.
– اقتحمت بقواتها العسكريّة البحرين وشجّعت الحكام الحاليين على ممارسة أقسى صور القمع والبطش بالمعارضين وعلى التنكر لما كان يُبديه آباؤهم من مواقفَ معتدلة نسبياً في بعض الأمور تجاه المعارضين.
– تحاولُ الدفعَ بباكستان وأفغانستان إلى توتير علاقاتهما بإيران؛ لإلحاق الضرر بمصالح البلدان الثلاثة وتناصِبُ العِداءَ من يسعى من قادة البلدين (باكستان وأفغانستان) لتعزيز علاقات حُسن الجوار والتعاون الثنائي مع إيران كما هو الحال مع رئيس وزراء باكستان الحالي عمران خان.
– وتصل جهودُ المملكة في بذر الشر إلى نيجيريا من خلال تحفيز الخلافات المذهبية للتنكيل بأتباع مذهب إسْـلَامي يعد من وجهة نظر الوهابية خارجاً عن الدين الإسْـلَامي الذي يساوي الوهّابية لا أقل ولا أَكْثَــر.
– ولنفس الغايات، وبذات الوسائلُ تنشَطُ دبلوماسيةُ المملكة ومخابراتها ودُعاتُها في آسيا الوسطى.
– وأخيراً رأينا كيف احتفى إعلامُ المملكة والإمارات بالتفجير الإرهابي الذي وقع في إيران وَاعتبره إعلامُ البلدين عملاً مشروعاً ونتيجةً من نتائج تهديد محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى داخل إيران.
كلّفت هذه السياساتُ والحروبُ التي انتهجتها وخاضتها السعوديّة؛ بِحُجَّة مقاومة المد الإيراني، الدولَ العربية والإسْـلَامية مئاتِ آلاف القتلى والجرحى، وأهدرت إمكانياتها البشرية والمادية وقوّضت أُسُسَ التعايش السلمي في البلدان المستهدفة.
لقد سخرت المملكة إمكاناتٍ هائلةً مالية وبشرية وتقنية في حملة دعائية هدفت إلى تصوير إيران بالخطر الماحق والمدمّر والوحيد لكل بلدان المنطقة، الخطر الذي يفرض على هذه الشعوب والبلدان -العربية والإسْـلَامية- التحالفَ مع الكيان الصهيوني.
كُلّ ذلك يُسْقِطُهُ تركي الدخيل في لحظة رَدِّ فعل خائف ومضطرب؛ بسببِ تصريحات لترامب مراوغة ومتناقضة تتوعّدُ بمعاقبة المملكة وتُصِرُّ في الوقت نفسه على استمرار بيعها ما تريدُه من السلاح.
السؤالُ الذي يفرِضُ نفسَه هو: إذَا كان تقارُبُ الرياض مع طهران هو العقوبة المناسبة التي تستحقها إدارة ترامب، والمصلحة الوحيدة التي تجعلها تتألم وتتردد فتتراجع عن معاقبة المملكة فإنّ النتيجة المنطقية تقول: إن كُلَّ ما تفعله المملكة في حربها الدونكيشوتية لكن المدمرة والمكلفة للعرب والمسلمين هو لمصلحة أمريكا، ولمصلحة إسرائيل قبل أمريكا رغم أن مصلحتهما واحدة.
إن التقارب بين الرياض وطهران هو الأمر الطبيعي والمطلوب لمصلحة البلدين والمنطقة لكن هيهاتَ لحكام مستلبي الإرادة أن ينفّـذوه، فهذا مستحيلٌ يا تركي الدخيل.