مؤسسة الإمام الهادي الثقافية تنظم ندوة حول شخصية الإمام يحيى بن الحسين “الهادي إلى الحق” عليه السلام
المسيرة: نوح جلاس
بمناسبة ذكرى قدوم الإمام الهادي إلى الحَـقّ يحيى بن الحسين عليه السلام إلى اليمن، نظّمت مؤسسةُ الإمام الهادي الثقافية، أمس الاثنين بالعاصمة صنعاءَ، ندوةً فكريةً ثقافيةً تحت عنوان “إضاءاتٌ حول شخصية الإمام الهادي إلى الحَـقّ عليه السلام”.
وفي الندوة التي حضرها عددٌ كبيرٌ من جرحى الجيش واللجان الشعبية، الذين أعادوا بجراحهم الملاحم البطولية لأعلام الهدى من آل بيت رسول الله عليهم السلام، وعدد من المفكرين والعلماء والباحثين والأكاديميين يتقدمهم مفتي الديار اليمنية ووزير العدل، وعددٌ من القيادات السياسية، قُدّمت أربع أوراق ثقافية سلّطت الأضواءَ على شخصية الإمام الهادي إلى الحَـقّ عليه السلام.
وتطرقت الندوة إلى الملاحم البطولية التي سطّرها الإمام الهادي عليه السلام في سبيل تصحيح مسار الأُمَّـة على خطى أجداده، والمعاناة الكبيرة التي تعرض لها حتى استشهاده والتي كان لها نفس المسار الذي سار عليه أسلافه من أعلام الهدى عليهم السلام.
ولفتت الندوة إلى التهميش الكبير والمتعمّد لسيرة الإمام الهادي إلى الحَـقّ عليه السلام، وتغييبه بشكل مدروس من المناهج التعليمية والثقافية، وكذا وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن هذا التهميش كان مخططاً ومدروساً منذ سنين طويلة دأبت عليه قوى الطغيان والاستكبار التي تخشى ظهور المنهج الحقيقي لأعلام الهدى الرافض للخضوع والخنوع للطغاة والظالمين.
اهتمامُ الإمام الهادي إلى الحَـقّ بتربية الأُمَّـة وتعليمها
وفي الورقة الثقافية الأولى للندوة والتي قدمها الأستاذ والباحث محمد القعمي تحت عنوان “الجانب التربوي عند الإمام الهادي عليه السلام”، تطرقت إلى التحَـرّك الجهادي الكبير الذي سار عليه الإمام يحيى بن الحسين في تربية الأُمَّـة التربية الإيْمَــانية الحقيقية المستمدة من الإيْمَــان المطلق والكامل للرسول الأعظم والإمام علي وأعلام الهدى من آل البيت في كُـلّ عصر، مشيرة إلى أن الإمام الهادي تحَـرّك بشكل كبير وبناء في تربية الأُمَّـة؛ كون الجانب التربوي أهمَّ ما يتجه اليه القُــرْآن في بناء الإنسان المؤمن، وقد كان للإمام الهادي وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين الدور الأبرز في تربية الأُمَّـة بالشكل الذي يرفض الذل والخضوع والخنوع للظالمين والاستعانة بهم.
وأكّدت الورقة أن الإمام الهادي قام بمهمة تربية الأُمَّـة؛ باعتبارها أولويةً في إطار عمله الجهادي وحركته في سبيل الله للعودة بالأمة إلى الصراط المستقيم بعد الانحراف الكبير الذي حصل لها جراء تقافز الظالمين لقيادة زمامها وتسليمه لأعدائها من اليهود والنصارى.
وذكر القعمي في ورقته “لقد جاء الإمام الهادي في مرحلة كانت الأُمَّـة بحاجة إليه ليقدم موقفاً عملياً يربي من خلاله الأُمَّـة على الالتزام بالمبادئ والقيم واحترام الدين”، لافتاً إلى المنهجية التي سار عليها الإمام الهادي في تجسيده لحركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والخطاب القُــرْآني للمصطفى في ما يتصل بالإيْمَــان وأمر الجهاد والاتّباع والصبر والاستقامة والتسليم والخضوع لله والقتال والدعوة إلى كتاب الله عز وجل.
وتطرق القمعي إلى الواقع المهين والمخزي الذي صار فيه حكام المسلمين عبيداً لأعداء الأُمَّـة بعد أن تخلوا عن التربية الإيْمَــانية الحقيقية، وتجرّدوا عن الجهاد في سبيل الله، مؤكّداً أن الاتّفاقات العربية والإسلامية التي صاغها أعداء الأُمَّـة وعمل عليها سلاطينها كانت السبب الرئيسي في تغييب الجهاد الذي يعتبر الشرط الرئيسي من شروط الإيْمَــان.
حياة الإمام الهادي الفكرية والفقهية
من جانبه قدّم العلامةُ عبدالله حمود العزي الورقةَ الثقافية الثانية للندوة والتي كانت تحت عنوان “الإمام الهادي الفقيه العالم”، تطرق فيها إلى حياة الإمام الهادي الفكرية والفقهية وأهم مؤلفاته والكتب والرسائل المتعلقة بالإمامة والعدل والأخلاق والآداب وردود الأئمة حول مختلف القضايا والمسائل، مشيراً إلى الكتب الفقهية للإمام الهادي وإدارته للدولة وأبرز المظاهر التأصيلية والأبعاد الحضارية في تراث الإمام الهادي الفكري وتركيزه على ترسيخ عظمة الله وقدرته وتميزه في النظرة الموضوعية للقُــرْآن الكريم خاصة في مجال العقيدة.
ولفت العزي في ورقته إلى أن الإمام الهادي عليه السلام هو الوحيدُ الذي تميز تميزاً كاملاً في استنباط الفقه من آيات القُــرْآن الكريم، مستدلاً بما قاله علماء الأُمَّـة الذين جاءوا بعد عصر الإمام الهادي؛ لما لاقوه من مداميكَ فقهية قُــرْآنية استنبطها الإمام يحيى بن الحسين “الهادي إلى الحقّ”.
وسرد العزي العديدَ من المؤلفات الفكرية والفقهية للإمام الهادي، والتي وصلت إلى أكثرَ من خمسين كتاباً احتوت الرسائل الشاملة لمسائل الأصول الاعتقادية، والرسائل الخاصة بمواضع العدل، والرسائل المتعلقة بالإمامة، والأخلاق والأدب وغيرها من المواضيع الفقهية، لافتاً إلى وجود العديد من مؤلفاته غير المطبوعة وكذا المفقودة.
وفي ختام ورقته تطرق العزي إلى المقولات المأثور للعديد من علماء الأُمَّـة عن الإمام الهادي، والتي عبّرت عن عظمة هذا الإمام ومكانة ما ورثه للأُمَّـة من موروث حضاري قُــرْآني كفيل بإحيائها والنهوض بها للتغلب على الواقع المؤلم الذي باتت فيه صاغرة أمام ظلم وطغيان الأعداء.
الإمام الهادي والسياسة
بدوره أشار رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية سبأ ضيف الله الشامي في الورقة الثالثة إلى التعامل السياسي الذي كان عليه الإمام الهادي واتباعُه للمنهجية القُــرْآنية في التعامل مع الناس، لافتاً إلى أن الإمام الهادي استطاع أن يجعل اليمنيين يتحَـرّكون كأُمَّةٍ واحدة تستشعر مسؤوليتها من خلال التعامل بمنهجية سياسية ناجحة أسّست لاستمرار الدولة الزيدية في اليمن لأكثر من ألف عام.
وأكّد الشامي في ورقته التي كانت تحت عنوان “مدرسة السياسة في منهجية الإمام الهادي”، أن المنهجية السياسية التي انتهجها الإمام الهادي في إدارته لشؤون الدولة، جعلت لأحكام الله قيمتَها وأهميتها، مبيناً أن السياسة والإدارة الحكيمة والناجحة للإمام الهادي مثّلت قدوةً في السيرة والسلوك والمنهج ووضعت أسساً حقيقية يتم التعامل بها كوثيقة سياسية واتّفاق سياسي لإدارة الدولة والأمة.
وتطرقت الورقة إلى المفاهيم الخاطئة للسياسة والتي درج الناس عليها مما جعلها محطَّ اشمئزاز الجميع، مقارناً إياها بما وضعه الإمام الهادي إلى الحَـقّ يحيى بن الحسين من مفاهيمَ جعلت من السياسة مسؤوليةً لإنقاذ الأُمَّـة وقيادتها نحو النجاة والرشاد في أمور الدنيا والدين.
ورأى الشامي أن السلطة في نظر الإمام الهادي كانت مسؤوليةً وليست غنيمة؛ باعتبارِ أن هذه هي السياسة الحقيقيةُ في الإسلام وفي منهجيته التي أرساها بحرصه على خدمة الناس وتفقد أحوال الفقراء والمساكين والأيتام وغيرهم.
الإمامُ الهادي قرينُ القرآن ومؤسِّسُ نظام الحكم العادل
وفي الورقة الأخيرة للندوة أشار عضو رابطة علماء اليمن خالد موسى إلى الحكم الذي انتهجه الإمام الهادي في اليمن، مؤكّداً أن الإمام يحيى بن الحسين جعل القُــرْآن دستوراً حاكماً بين اليمنيين وميزاناً توزن به أعمالهم ووثيقة إلهية تنظم علاقاتهم.
كما استعرض في ورقته، التي كانت بعنوان “قرين القُــرْآن ومؤسس نظام الحكم العادل“، بعض من مواقف الإمام الهادي المسئولة والمعبرة عن شخصيته التنويرية والتربوية والسياسية، التي ينبغي أن يكون عليها الحاكم وتوجهاته ونظرياته المرتبطة بمنهجية القُــرْآن الكريم، مشيراً إلى السمات التي اتسم بها الإمام الهادي وعلمه الواسع بالقُــرْآن الكريم في كُـلّ المجالات سيما في السياسة، والتي جعل فيها القُــرْآن الكريم هو الدستور السامي للحكم بين الناس.
وأكّدت الورقة أن العِلمَ الواسعَ بالقُــرْآن الكريم جعل الإمام الهادي يتحَـرّك بحركة القُــرْآن؛ ليكونَ القدوة المثلى بين الناس، ما جعله يربي مجتمعاً قائماً على الإيْمَــان والأخلاق القُــرْآنية، وبعيداً عن الخنوع تحت وطأة الطغاة والمستكبرين.
وذكر موسى في ورقته “”أن القُــرْآن الكريم هو مصدر الهداية وبوابة التأهيل والتربية للراعي قبل الرعية وللحاكم قبل المحكوم”، الأمر الذي جعل من الإمام الهادي أنموذجاً راقياً في سياسة وإدارة شؤون الأُمَّـة لتصبح في أعلى المراتب.
تعمُّدُ تغييب الإمام الهادي وأئمة آل البيت من واقع الأُمَّـة
وفي ختام الندوة أكّد الحاضرون أن استهدافَ الأُمَّـة وإركاعها لم يأتِ إلّا بعدَ أن تمكّن الأعداء من إضاعة الرموز والأعلام الحقيقيين للأُمَّـة، ليبعدوها عن دستورها الشامل الذي يحوي كُـلّ ما تحتاجه لتعيش الواقع الحقيقي الذي جاءت من أجله، مشيرين إلى أن الأعداء عملوا على صناعة رموز وأعلام وهميين أضاعوا الأُمَّـة وسلّموا رقابها لأعدائها.
كما أكّدوا أن العودةَ إلى الأعلام الحقيقيين وما خلّفوه من إرث قُــرْآني هو السبيلُ الوحيد لعودتها إلى سابق عهدها الذي كانت فيه المهيمنة على الأعداء، مشدّدين على ضرورة إقامة المناسبات الثقافية التي تشُدُّ الناسَ إلى العودة لكتاب الله وسُنة رسوله التي جسّدها أعلامُ الهدى من آل بيت رسول الله، والتي لا مكانَ فيها للاستسلام والخضوع.
وأشاروا إلى أن تغييبَ الإمام الهادي وأئمة أهل البيت من تحَـرّكات الأُمَّـة في مختلف أصعدتها، جعلها لقمةً مستساغةً أمام مطامع وقهر الأعداء.
نسب الإمام الهادي
هو الإمامُ الهادي إلى الحَـقّ المبين، أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوا ت الله عليهم أجمعين.
الميلاد: 245 هـ – المدينة المنورة.
الاستشهاد: استشهد مسموماً عام 298 هـ – صعدة – اليمن.