مرضى الفشل الكلوي.. موتٌ بطيء تحت الحصار
المسيرة | استطلاع| محمد ناصر – أيمن قايد:
يعيشُ أَكْثَـرُ من 8 آلاف من مرضى الفشل الكلوي في اليمن على حافة الموت، سبقهم إليه ما يزيد عن 1300 مريض توفوا منذ بدء العدوان، وفقاً لإحصائيات رسمية قدّمتها وزارة الصحة وأيّدتها منظمات الأمم المتحدة، في “مجازرَ” لا ترتكبها غاراتُ الطيران وإنما حصارُ العدوان المستمرّ، مانعاً خروج المرضى للعلاج في الخارج أَوْ دخول المحاليل والأدوية اللازمة لإنقاذهم من موت محقّق. جريمة وعقاب جماعي تضاف إلى سلسلة جرائم العدوان بحق الشعب اليمني وشاهدة على مدى الوحشية التي وصل إليها.
في مراكز غسيل الكلى بالعاصمة والمحافظات، لجأ الأطباءُ إلى تقليص جلسات الغسيل المقرّرة لكل مريض لعل ذلك يساهم في استيعاب أَكْبَـرِ عدد ممكن من المرضى الذين يحتاجون لجلسات الغسيل المنتظمة لتبقيهم على قيد الحياة في وقت لا تفي المنظّمات الدولية بكل التزاماتها تجاه هذه الفئة من المرضى؛ إما بسببِ عرقلة العدوان لدخول الشحنات التابعة لتلك المنظمات؛ أَوْ بسببِ ضعف أَدَاء هذه المنظمات عندما يكون الأمرُ متعلقاً باليمن.
وزارة الصحة كانت قبل نحو أسبوعين قد حذّرت من موت وشيك يحومُ حول مرضى الفشل الكلوي بعد اقتراب مخزونها من المحاليل والأدوية من النفاد وما تبقى لديها لا يكفي لحصول كُـلّ مريض على الجرعات اللازمة من العلاج أَوْ ما يسمى جلسات الغسيل، ما يعني أن الخطر بات قائماً وليس وشيكاً.
ولتسليط الضوء على الموضوع قامت صحيفة “المسيرة”، بزيارة مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة الذي يعد من أَكْبَـر مراكز الغسيل في الجمهورية، حَيْــثُ يستقبلُ المركَزُ 200 حالة فشل كلوي يومياً في ظل تناقص حاد في الأدوية وتدهور كبير في الأجهزة الطبية.
200 حالة يومياً يتم استقبالها في المستشفى
يقول الدكتور مجاهد البطاحي -رئيس مركز الكلى بمستشفى الثورة-: “نستقبل في اليوم 200 حالة لمرض الفشل الكلوي، موضحاً في حديث لصحيفة المسيرة أن مريضَ الفشل الكلوي المزمن يخضع للغسيل أسبوعياً حسب النظام العالي 12 ساعة أسبوعياً عالمياً.
وأضاف الدكتور البطاحي أنه ونظراً لضيق الوقت وتكاثر الحالات الواردة للمركز، اضطررنا لاستعمال نصف الوقت المقرّر عالمياً أي تقليص المدة إلى 6 ساعات أسبوعياً، محذّراً من أن انقطاعَ محاليل الغسيل عن مرضى الفشل الكلوي سيؤدي إلى موت محقّق للمريض؛ كون أَكْثَـر مدة يمكن أن يتحملها مريض الفشل الكلوي هي عشرَة أيّام وبعدها يفارق الحياة.
العاملُ النفسي للمريض هام جداً
ولفت رئيسُ مركز الغسيل بمستشفى الثورة، إلى أن العاملَ النفسي لدى المريض هام جداً، مشيراً إلى أن عدم توفر المحاليل بالشكل الكافي للفترات اللاحقة يلقي بظلاله على الوضع النفسي للمريض”.
وأوضح أن بعضَ الوفيات هي نتيجة للتخوفات النفسية التي يتسبب بها تحالف العدوان بمنعه دخول الأدوية والمحاليل، مشيداً بالجهود المبذولة من قبل وزير الصحة الدكتور طه المتوكل في زياراته المتكرّرة للمركز والاهتمام به وحرصه على توفير المواد اللازمة لتشغيل المركز.
وأشار الدكتور البطاحي إلى أن أهمّ الصعوبات التي يواجهُها مركَزُ غسيل الكلى هي عدم توفير مواد الغسيل، حَيْــثُ أن الجلسة الواحدة تكلف ما يقارب خمسين دولار؛ ونظراً للحالات الكثيرة التي تخضع للجلسات فإن المركز يكونُ عاجزاً عن استيعاب جميع المرضى حتى بعد تقليص ساعات الجلسات بمقدار النصف، موضحاً أن إجمالي المبلغ المكلف لعمل الحالات هو 10000 دولار، مبيناً أن كثيراً من المنظمات ورجال الخير يقومون بمساعدة مرضى الفشل الكلوي إلا أن العجز الذي يحصل هو نتيجة لكثر الحالات المتواردة من مختلف المحافظات.
من جانب دعا رئيس المركز وزارة الصحة بفتح المراكز المغلقة لتقوم بمهامها والتخفيف من المعاناة، لافتاً إلى أنه في إحدى الاجتماعات مع الوزير تم التطرق لافتتاح مركز جديد لمرضى الفشل الكلوي بمستشفى آزال وأن الدراسة بخصوص المركز سلمت لمنظمة الصحة العالمية، مؤكّـداً أن مزاولة المركز لزراعة الكلى سيخفف الكثير من المعاناة وسيتيح للبعض الخضوع للجلسات بشكل منتظم.
نحن في ذمتكم لا تتركونا
في مركز الغسيل بمستشفى الثورة يتمسك مرضى الفشل الكلوي بالأمل، غير أن المعاناة التي يتكبدونها جراء الحصار ومنع دخول الأدوية الخَاصَّـة هم تزيدهم أوجاعاً إلى جانب أوجاعهم من المرض ذاته.
في أحد الأسرة بالمركز كانت الشابة تقية صالح الغزالي -المصابة بمرض الفشل الكلوي تخضع للجلسة الخَاصَّـة بها-، وتحدثت إلى صحيفة المسيرة قائلة إنها تقوم بزيارة المركز منذ ما يقارب خمس سنوات وتقوم بالغسل مرتين في الأسبوع وإذَا لم تخضع للجلسة في الوقت المناسب فإن حالتها تزداد سوء وقد يعرضها للوفاة.
وأوضحت تقية أن السبب في إصابتها بمرض الفشل الكلوي هو استخدامها لعلاج خاطئ تسبب في إصابتها بالفشل الكلوي، وخاطبت الجهات المعنية بالقول: “نحن في ذمتكم لا تتركونا.
تبديلُ الأجهزة القديمة لعدم كفاءتها
كما التقت الصحيفة بالمريض محمد العصري الذي يخضعُ للغسيل مرتين في الأسبوع منذ ما يقارب ثلاث سنوات، حَيْــثُ أشاد بما وصفها العناية التي يتلقاها المرضى من قبل إدَارَة المركز، لكنه عبر عن أمله أن تتمكّن الإدَارَة من تبديل الأجهزة القديمة والتي لم تعد تفي بالغرض بالأجهزة الحديثة الموجودة التي قال إنها موجودة في المركز.
انعدام المحاليل والأدوية تسبب وفاة المريض
إلى ذلك أشار المواطن سليم عبدالله – من أبناء صنعاء، والمصاب بمرض الفشل الكلوي المزمن إلى المعاناة التي يتلقاها مرضى الفشل الكلوي في ظل استمرار العدوان والحصار الذي أَدَّى إلى اختفاء المحاليل الخَاصَّـة بالغسيل والكثير من الأدوية الضرورية لمرضى الفشل الكلوي.
ولفت المواطن سليم عبدالله إلى أنه يقوم بزيارة مركز غسيل الكلى بمستشفى الثورة العام بالعاصمة منذ ما يقارب 17 عاماً، حَيْــثُ يقوم بالغسل مرتين من كُـلِّ أسبوع، بالإضَافَة إلى إصابته أَيْضاً بأمراض القلب وتهشم العظام وفيروس الكبد، الأمر الذي أَدَّى إلى جعل حالته لا تسمح له بإجراء عملية زراعة للكلى.
ورغم معاناته وآلامه، عبر سليم عن شكره وتقديره العميقين للجهود التي تبذلها وزارة الصحة وكل العاملين في مركز غسيل الكلى لما يقدّمونه في سبيل إنقاذ حياة مرضى الفشل الكلوي وتقديم ما يمكن تقديمه في مثل هكذا ظروف حرجة وصعبة تمر بها البلاد الواقعة تحت العدوان والحصار منذ ما يقارب 4 سنوات.
المتطوعون يلعبون دورا كَبيراً في العناية بالمرضى
في ظِلِّ العدوان والحصار وانقطاع المرتبات تخلّى بعض العاملين في المجال الصحي عن واجبهم الإنْسَاني، لكن في هذه البلد الكثيرين ممن لم توقفهم هذه الظروف عن الاستجابة لنداء الواجب الإنْسَاني، حَيْــثُ تشير الممرضة منى العاملة في مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة إلى أن أَكْثَـرَ من يقوم بالواجب تجاه مرضى الفشل الكلوي هم من المتطوعين، أما بقية الممرضين فقد توقفوا عن العمل منذ انقطاع المرتبات، حسب وصفها.
كما تلفت منى في حديث لصحيفة المسيرة إلى أن استقبال المركز للمئات من المرضى يومياً، ما يشكل ازدحاماً شديداً داخل المركز ويشكل ضغطاً يفوق طاقته الاستيعابية في ظل قلة الممرضين والممرضات داخل المركز، وبالتالي فإن المريض لا يجد العناية الكافية له.
وناشدت وزارة الصحة والمنظمات الدولية والإنْسَانية إلى بذل المزيد من الجهود للعناية بمرضى الفشل الكلوي والتعاون مع الموظفين في المركز من خلال توفير ما أمكن من الجانب المادي وبدل التنقلات والمواصلات من أجل ديمومة العمل؛ كون الكثير من العاملين في المركز يأتي من أماكنَ بعيدةٍ، بالإضَافَة إقامة الدورات التدريبية والتخصصية في هذا المجال.