انطباعاتُ مدرِّس .. بقلم/ يحيى مقبل
داخلَ حوش مدرسة ابتدائية أقضي صباحاتي متنقلًا من خيمة تداعت أعمدتها واختل توازنها إلى أُخْــرَى تصفُرُ فيها رياحُ الثريا. داخل الخيمة تطاير الريح تراباً صقيلاً ذا الحمرة الداكنة وتؤرجح السبورة المعلقة على عمود الخيمة كما لو كانت قطعة قماش تجفف على حبل غسيل.
من يكتب في الصباح على السبورة يحتاج لكلتا يديه فبواحدةٌ يَكتُبُ وبالأُخْــرَى يمسك السبورة، في صباحات هذه الأيّام لا يمكن أن تكون مبتورَ اليد ومعلماً للرياضيات في خيمة. لا أدري كيف راودتني فكرة البتر هذا الصباح؟
قبل منتصف النهار تهدأ الريح وتسكن السبورة، تلهب الشمس الخيمة، ترتفع حرارة الخيمة، نتعرق، يتململ الجالسون على المقاعد يحرثون بأقدامهم الأرض، يتطاير غبارٌ أحمر كثيف، يبتل بعرقنا، يا لرائحة الطين المنقوع في العَرَق، إنها الجرس الذي يؤذن بنهاية اليوم الدراسي داخل الخيام.
لكن ورغم العواصف الطبيعية والبشرية، فإن الخيمة تعلمنا جَميعاً دارسين ومدرسين أَكْثَــر مما تعلمنا الكتب والمجلات والصحف والانترنت والتلفاز، ففي الخيمة نتعلم الكثير ونستثني العبودية والاستسلام، في الخيمة لا إلزام يثقل علينا لا قوانين تكبحنا، لا أسياد يملون علينا، لقد تخففنا حتى من المناهج والمرتبات، ولكن أَيْضاً من الإلزامات والقيود والروتين.
فالمهم في الحياة ألا تكون مقاداً، والسلام.